حريق يأتي على سيارة إسعاف وسيدة حامل تنجو بأعجوبة    إعادة انتخاب الميلودي موخاريق أمينا عاما للاتحاد المغربي للشغل لولاية رابعة    تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس : الجمعية المغربية للصحافة الرياضية تنظم المؤتمر 87 للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية    الملك محمد السادس يهنئ إمبراطور اليابان بمناسبة عيد ميلاده    أمن تمارة يوقف 3 أشخاص متورطين في نشر محتويات عنيفة على الإنترنت    تفكيك شبكة للإتجار بالبشر في إسبانيا استغلت أكثر من ألف امرأة    إسبانيا.. تفكيك شبكة متخصصة في الاتجار بالبشر استغلت أزيد من ألف امرأة    الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي يُهدد القدرات المعرفية للمستخدمين    بوتين يستخدم الدين لتبرير الحرب في أوكرانيا: مهمتنا الدفاع عن روسيا بأمر من الله    المغرب في الصدارة مغاربيا و ضمن 50 دولة الأكثر تأثيرا في العالم    المغرب ضمن الدول الأكثر تصديرا إلى أوكرانيا عبر "جمارك أوديسا"    نقابة تدعو للتحقيق في اختلالات معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة    رسالة مفتوحة إلى عبد السلام أحيزون    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    حادثة سير مروعة في نفق بني مكادة بطنجة تسفر عن مصرع فتاتين وإصابة شخصين بجروح خطيرة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    تقرير.. أزيد من ثلث المغاربة لايستطيعون تناول السمك بشكل يومي    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    خامنئي: المقاومة تستمر ضد إسرائيل    انطلاق انتخابات تشريعية في ألمانيا تحت ضغط اليمين المتطرف وترامب    الكلاسيكو المغربي: الرجاء والجيش في مواجهة نارية بالقنيطرة    نهضة بركان يجني ثمار 10 سنوات من الكفاح و العمل الجاد …    عودة السمك المغربي تُنهي أزمة سبتة وتُنعش الأسواق    حماس تتهم إسرائيل بالتذرع بمراسم تسليم الأسرى "المهينة" لتعطيل الاتفاق    هل الحداثة ملك لأحد؟    بعد منعهم من حضور مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل.. نقابيون يعلنون تضامنهم مع عبد الحميد أمين ورفاقه    رونالدو: تشرفت بلقاء محمد بن سلمان    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومتميزة في مكافحة الإرهاب    "غضب" نقابي بسبب "انفراد" رئيس جماعة الفقيه بن صالح بإجراء تنقيلات واسعة في صفوف الموظفين    أنشيلوتي: "مواجهة أتلتيكو في دوري الأبطال ستكون صعبة"    متهم بالتهريب وغسيل الأموال.. توقيف فرنسي من أصول جزائرية بالدار البيضاء    لقاء تواصلي بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية ووفد صحفي مصري    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    إسرائيل تهاجم موقعًا عسكريًا بلبنان    خبراء وباحثون يؤكدون على أهمية قانون المالية لسنة 2025 في النهوض بالاستثمارات العمومية وتمويل المشاريع المهيكلة    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    أخنوش يدشن الجناح المغربي بالمعرض الدولي للفلاحة بباريس    القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    رضا بلحيان يظهر لأول مرة مع لاتسيو في الدوري الإيطالي    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ها قد أقبل شهر رمضان فأحسنوا فيه العمل
نشر في محمدية بريس يوم 29 - 06 - 2014

الحمد لله الجواد الكريم، الذي جعل الصيام جُنَّة للصائمين من النار، ومكفراً للخطايا والآثام، ومضاعفاً للأجر والحسنات، ودافعاً إلى زيادة البر والإحسان، وشافعاً يوم القيامة لمن كان من أهله.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، العظيم الجليل، البَّر الرحيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خيرُ من صلى لربه وقام، وأتقى من حج وصام، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الكرام، ما تعاقب ليل مع نهار.
أما بعد، أيها المسلمون:
فلا تزال نعم الله جل وعلا علينا تتابع، وإحسانه لنا يكثر حيناً بعد حين، وكل يوم نحن منها في مزيد، فما تأتي نعمة إلا وتلحقها أخرى، يرحم بها عباده الفقراء إليه، المحتاجين إلى عونه وغفرانه وإنعامه، فله الحمد دوماً، وفي الأولى والآخرة.
ألا وإن من أجلِّ هذه النعم، وأرفعِ هذه العطايا، وأجملِ هذه المنن، فرضه سبحانه علينا صوم شهر رمضان، وما أدراك ما رمضان، ثم ما أدراك ما رمضان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه: (( إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ )) رواه البخاري ومسلم.
فهنيئاً، ثم هنيئاً، في هذا الشهر لمن أمسك بزمام نفسه، وشمَّر عن ساعد الجِّد، فسلك بها سبيل الجنة، وجنَّبها سُبلَ النار، والشقاءَ فيها، ومسكينٌ بل وأشدُ من مسكين، من سلك بنفسه طريق المعصية والهوان، وأوردها موارد الهلاك، وأغضب ربه الرحمن، وقد يُسرت له الأسباب، ففتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وسُلسلت الشياطين وصُفِّدت.
أيها المسلمون:
من لم يتب في شهر رمضان فمتى يتوب؟ ومن لم يُقلع عن الذنوب والخطايا في رمضان فمتى يُقلع، ومن لم يرحم نفسه التي بين جنبيه وقت الصيام فمتى يرحمها؟.
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صعِد المنبر فقال: (( آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ حِينَ صَعِدْتَ الْمِنْبَرَ قُلْتَ: آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ، قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ )).
فيا حسرةَ ويا بؤسَ ويا شقاوةَ من دخل في دعوة جبريل - عليه السلام -، وتأمين سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - عليها، فأبعده الله وأخزاه وأهانه.
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله : من رُحِم في رمضان فهو المرحوم، ومن حُرم خيره فهو المحروم، ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم.اه
فيا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب
حتى عصى الله في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعد هما
فلا تصيره أيضاً شهر عصيان
ويا باغي الخير أقبل على الصالحات وأكثر، ويا باغي الشر أقصر عن الذنوب والآثام واهجر.
ولئن كنتَ تريد مغفرة الخطايا، وإذهاب السيئات فاطلب ذلك في الصيام، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) رواه البخاري ومسلم.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ )) رواه مسلم.
وإن كنتَ تريد مضاعفة الحسنات، والرِّفعة في الدرجات، فعليك بالصيام، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي )) رواه مسلم.
وإن كنتَ تريد أن تكون من أهل الجنة المنَعَّمِين السعداء فلا تغفل عن صوم شهر رمضان، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خطب الناس في حجة الوداع فقال: (( صَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ )).
وإن كنتَ مشتاقاً إلى دخول الجنة من باب الريان فكن من أهل الصيام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ )) رواه البخاري ومسلم.
وإن كنتَ تريد وقاية نفسك من حَرِّ النار ولهبِها فأقبل على الصيام، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ، كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ )).
وإن كنتَ تريد الشفاعة يوم الحشر الأكبر فمن أسبابه الصيام، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ )).
وإن كانت نفسك تهفو وتتشوف لأن تكون من أهل المنازل العالية الرفيعة، فقد ثبت أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَصَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ الزَّكَاةَ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ وَقُمْتُهُ، فَمِمَّنْ أَنَا؟، قَالَ: مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ )).
أيها المسلمون:
ها قد أقبل عليكم شهر رمضان، شهرٌ جعل الله صيامه أحد أركان الإسلام، وأصوله الكبار، ودعائمه العظام، شهرٌ نزل فيه القرآن، شهرٌ تصفَّد فيه الشياطين، وتفَتَّح فيه أبواب الجنَّة، وتغلَّق فيه أبواب النار، فاحرصوا غاية الحرص، وجدوا أعظم الجد، على أن تكونوا ممن يحقق الغرض من صيامه، ألا وهو تقوى الله سبحانه، ألا وهو أن يزجركم الصيام ويمنعكم ويبعدكم عن معصية ربكم، ويحثكم ويقويكم على العبادة والطاعة، ويجعلكم معها في ازدياد، وذلك طاعة وامتثالاً لله ربكم، إذ قال - عز وجل - لكم في كتابه الكريم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.
أيها المسلمون:
إنَّ الصُّوام بتركك الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات كُثر، ولكن الصائم الموفق المسدد هو من صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرَّفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، وإن استمع لم يسمع ما يضعف صومه، فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً، وتكون أعماله جميعها طيبة زكيه مرضِيَّة، فكما أن الطعام والشراب يقطع الصيام ويفسده، فكذلك الآثام تقطع ثوابه، وتفسد ثمرته، حتى تصَيِّر صاحبه بمنزلة من لم يصم.
فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ)) رواه البخاري.
والمراد بالزور: كل قول محرم.
فيدخل فيه الكذب، وتدخل فيه شهادة الزور والغيبة والنميمة والقذف والإفك والبهتان والغناء والاستهزاء والسخرية وسائر ألوان الباطل من الكلام.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ )).
أيها المسلمون:
احذروا في شهر رمضان أشدَّ الحذر، وانتبهوا غاية الانتباه، حتى لا تكونوا ممن ليس لله حاجة في صيامهم، وممن حضهم من صيامهم الجوع والعطش، واجتنبوا مسببات ذلك، وعُفُّوا أسماعكم وأبصاركم وألسنتكم وباقي جوارحكم عن جميع المحرمات، وفي سائر الأوقات، وبالليل والنهار، وقوموا بما يعينكم على ذلك.
وقد صح عن أبي المتوكل الناجي - رحمه الله - أنه قال: (( كان أَبِو هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا صَامُوا قَعَدُوا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا: نُطَهِّرُ صِيَامَنَا )).
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه : (( إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وَبَصَرُكَ، وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً )).
وثبت عن ميمون بن مهران رحمه الله أنه قال: (( إِنَّ أَهْوَنَ الصَّوْمِ تَرْكُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ )).
نفعني الله وإياكم بما سمعتم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد الأمين المأمون.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ذي الفضل والإكرام، والجود والإنعام، وصلواته على عبده الكريم محمد خاتم أنبيائه وأفضلهم، وعلى آله وأصحابه الأخيار، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد، أيها المسلمون:
لقد كان سلفنا الصالحون يقبلون على القرآن في شهر رمضان إقبالاً كبيراً، ويهتمون به اهتماماً عظيماً، ويتزودون من قراءته كثيراً، فكان الإمام الشافعي رحمه الله يختم في اليوم والليلة من شهر رمضان ختمتين، وكان الإمام البخاري رحمه الله يقرأ في كل يوم وليلة من رمضان ختمةً واحدة، وبعض السلف كان يختم كل ثلاثة أيام، وبعضهم كان يختم كل خمسة أيام، ومنهم من كان يختم كل جمعة.
وكيف لا يكون هذا حالهم، ورمضان هو شهر نزول القرآن، وشهر مدارسة جبريل عليه السلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن، وزمنه أفضل الأزمان، والحسنات فيه متزايدة ومضاعفة.
وقد صح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: (( تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَيُكَفَّرُ بِهِ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ: { الم } وَلَكِنْ أَقُولُ: أَلِفٌ عَشْرٌ، وَلَامٌ عَشْرٌ، وَمِيمٌ عَشْرٌ )).
وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما - أنه قال: (( مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ إِذَا رَجَعَ مِنْ سُوقِهِ أَوْ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَيَكُونَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ )).
فأقبلوا يا رعاكم الله على القرآن في هذا الشهر المبارك العظيم، وحثوا أهليكم رجالاً ونساء، صغاراً وكباراً، على تلاوته والإكثار منه، واجعلوا بيوتكم ومراكبكم وأوقاتكم عامرة به.
أيها المسلمون:
أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ )).
فاقتدوا بهذا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وجودوا في هذا الشهر الطيب المطيب، وازدادوا جوداً، وكونوا من الكرماء، وأذهبوا عن أنفسكم لهف الدرهم والدينار، وتعلقها بالريال والدولار، وتخوفها من الفقر، فإن الشحيح لا يضر إلا نفسه، وقد قال الله تعالى معاتباً ومحذراً: { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }.
فأنفقوا ولا تمسكوا، وجودوا ولا تبخلوا، ولا تحقروا القليل من البذل والعطاء، لا تحتقروا قليل الصدقة، ولا تجعلوها تردكم عن الإنفاق في وجوه البر والإحسان، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال:(( لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلاَ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلَّا النَّارَ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلاَ يَرَى إِلَّا النَّارَ، فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ))رواه البخاري ومسلم.
إلا وإن من الجود بالخير في شهر رمضان تفطير الصائمين من القرابة والجيران والأصحاب والفقراء والخدم والعمال، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مرغباً في التفطير، وحاثاً عليه، ومبيناً لعظيم أجره، وكبير فضله، وحسن عائده على فاعله:(( مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ ))
معاشر الشباب، أيها المتزوجون الجدد - سددكم الله -:
اتقوا الله ربكم حق تقواه، وأجلوه حق إجلاله، وعظموا أوامره، وأكبروا زواجره، ولا تهينوا أنفسكم بعصيانه، وتذلوا رقابكم بالوقوع في ما حرم، فتنقادوا للشيطان، وتخضعوا للشهوة، فتقع منكم المجامعة لزوجاتكم وقت صيامكم في نهار شهر رمضان، فإن الإفطار قبل حلول وقته من غير عذر ذنب خطير، وجرم شنيع، وفعل قبيح، وصنيع معيب، وتجاوز لحدود الله فظيع، وجناية ظاهرة، ومهلكة للواقع فيه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في بيان عقوبة من يفطرون قبل تحلة صومهم وإتمامه: (( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ، فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ، فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْرًا، فَقَالَا: اصْعَدْ، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أُطِيقُهُ، فَقَالَا: إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ، فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا بِأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ، قُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَصْوَاتُ؟ قَالُوا: هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ انْطُلِقَ بِي، فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ، مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ، تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ ... )).
وقد وسع الله تعالى لكم وقت الجماع في رمضان، فجعل الليل كله مسرحاً، فعليكم بالسعة، واتركوا وقت الحرج والمنع، وتجنبوا أسباب الوقوع في هذه المعصية، وسدوا طرق الوقوع فيها.
فاللهم بلغنا رمضان بلوغاً حسناً، وأعنا على صيامه وقيامه، واجعلنا فيه من الذاكرين الشاكرين المتقبلة أعمالهم، وقنا شر أنفسنا والشيطان، واغفر لنا ولوالدينا وأجدادنا وسائر أهلينا وقراباتنا، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، وأعذهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وجنبهم القتل والاقتتال، وأزل عنهم الخوف والجوع والدمار، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لكل ما يرضيك، واجعلهم عاملين بشريعتك، معظمين لها ومدافعين وناصرين، اللهم من أراد ديننا وبلادنا وأمننا وأموالنا بشر ومكر ومكيدة وضرر فاجعل تدبيره تدميراً له، وإضراره سوءا عليه، ومكره مكراناً به، واخزه وافضحه، ولا تمكِّن له على أحد، يا سميع الدعاء.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
خطبة ألقاها الشيخعبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد1425ه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.