سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران        اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    بعد صدور مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالان.. الرباط مطالبة بإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل    قلق متزايد بشأن مصير بوعلام صنصال    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد        الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط        خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جلالة الملك يدعو إلى مقاربة شاملة لمواجهة التحديات التي تهدد البلدان الإفريقية
نشر في محمدية بريس يوم 08 - 12 - 2013

دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى انتهاج مقاربة شاملة ومتجانسة، قادرة على التوفيق بين المطلب الأمني وبين مطالب التنمية البشرية والحفاظ على الهوية الثقافية.
وذلك لمواجهة التحديات المتعددة التي أصبحت تهدد استقرار البلدان الإفريقية.
وقال جلالة الملك، في خطابه إلى القمة الفرنسية الإفريقية حول السلم والأمن التي بدأت أشغالها اليوم الجمعة بباريس، وتلاه السيد عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة الذي يمثل جلالة الملك في القمة، إنه "لمواجهة التحديات المتعددة التي تهدد استقرار البلدان الإفريقية، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى، انتهاج مقاربة شاملة ومتجانسة، قادرة على التوفيق بين المطلب الأمني وبين مطالب التنمية البشرية والحفاظ على الهوية الثقافية والعقائدية".
ففي ما يخص البعد الأمني، قال جلالة الملك إن مسؤولية بلورة وتنفيذ وتقييم وسائل وعمليات الوقاية من النزاعات وتدبير الأزمات والحفاظ على الأمن وإعادة الإعمار، تظل على عاتق الأفارقة بالدرجة الأولى، من خلال المنظمات الإقليمية، منوها، في هذا الصدد، بالتدخل الشجاع والحاسم في مالي الذي قامت به فرنسا والرئيس فرانسوا هولاند، والذي تعزز بالتزام العديد من البلدان الإفريقية وبلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في سبيل التصدي للتهديد الإرهابي الذي طال هذا البلد، "إذ بفضل ذلك استرجعت مالي سيادتها على مجموع ترابها.
ولا بد لهذه المقاربة أن تظل النموذج المتبع في جميع مراحل إعادة الإعمار التي تلي فترة النزاع". واستطرد جلالة الملك أن هذه الروح هي ذاتها التي سادت خلال انعقاد مؤتمر الرباط حول أمن الحدود في دول شمال إفريقيا والساحل والصحراء في نونبر الماضي، والذي مكن من بلورة رؤية سياسية مشتركة وتبني خطة عمل تنفيذية. وأوضح جلالة الملك، من جهة أخرى، أن تنامي عمليات القرصنة في خليج غينيا أصبح يشكل أيضا تهديدا ما فتئ يكبر، وبات من الضروري لتحركنا في مواجهته أن يستلهم العبر مما يجري حاليا في منطقة القرن الإفريقي وأن يعتمد على التوصيات ذات الصلة التي خرجت بها قمة ياوندي حول هذه الآفة.وأكد جلالة الملك أنه على نطاق أوسع، فإن "مؤتمر الدول الإفريقية الواقعة على المحيط الأطلسي"، والذي يحتضن المغرب أمانته، يمكن أن يشكل إطارا للتعاون والتشاور من أجل تحديد استراتيجية مشتركة للحفاظ على سلامة الملاحة البحرية على طول الشريط الأطلسي الإفريقي، الذي تهدده القرصنة والذي يعاني قبلها من العمليات المتزايدة لتهريب المخدرات انطلاقا من بلدان أمريكا الجنوبية. ودعا جلالة الملك إلى ضرورة تعزيز التحركات الطوعية التي يتم إطلاقها على المستوى القاري من خلال الالتزام الدؤوب والملموس من قبل المجتمع الدولي، مشيرا إلى أن المملكة المغربية جعلت القارة الإفريقية في صلب سياستها الخارجية " وكان خيارها الإرادي والطبيعي والاستراتيجي لصالح تعاون تضامني، جنوب-جنوب وثلاثي الأضلع، وجد ترجمته على الأرض من خلال تنفيذ العديد من المشاريع الملموسة لفائدة عدد من بلدان القارة" واستفادت من ذلك الشرائح الأكثر فقرا، في مجالات أساسية كالتعليم والتكوين، والماء، والفلاحة والصيد البحري، والكهربة والصحة.
وبتزامن مع كل ذلك -يضيف جلالة الملك- تم عقد شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتنفيذ استثمارات هامة، تكللت بالنجاح في العديد من البلدان الإفريقية، وهمت مجالات المالية والبنوك والتأمين والاتصالات والبنية التحتية والمناجم وتخطيط المدن والسكن الاجتماعي، حيث أضحى المغرب أول مستثمر إفريقي في منطقة غرب إفريقيا والثاني على مستوى القارة. وأضاف جلالة الملك أن المحور الثالث لأي استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار الدائم في إفريقيا يهم الحفاظ على الهوية الثقافية والعقائدية لشعوبها، حيث أن التصدي بفعالية للتمظهرات العنيفة للتطرف والظلامية في منطقة الساحل والصحراء يكتسي نفس الأهمية التي يكتسيها الرجوع إلى منابعها واجتثاث أسبابها المعنوية ومرجعياتها العقدية المزعومة.
وأكد على أن المغرب أخذ على عاتقه حماية الإسلام السني الذي يدعو إلى الاعتدال والتسامح والانفتاح، والذي اعتنقته شعوب المنطقة عبر تاريخها، معتمدا في ذلك على الوشائج الروحية العريقة التي تربطه ببلدان منطقة الساحل وعلى مؤسسة إمارة المؤمنين، علاوة على تجربته الناجحة في مجال إصلاح الحقل الديني.وذكر في هذا الصدد بانطلاق برنامج تكوين 500 إمام مالي في المغرب، في إطار " الالتزام التام بتعاليم "الوسطية" وبالمذهب المالكي الذي نشترك في اتباعه".وأبرز جلالة الملك، من جهة أخرى، أن إطلاق أي استراتيجية لتحقيق الاستقرار المستدام في إفريقيا يجب أن يعتمد على الدور الجوهري للمنظمات الإقليمية التي يجب أن تشكل المرتكز لأي " مخطط عمل تفرزه مداولاتنا وأن تكون حجر الزاوية بالنسبة لأي استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار والتنمية في قارتنا، والإطار الذي يحتضن أي مبادرة للاندماج الاقتصادي ومنبرا للتنسيق من أجل رفع التحديات المرتبطة بالتغير المناخي والتنمية المستدامة".
ونوه جلالته في هذا الصدد ب"التدخل الحاسم للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في مالي، كما نشجع اليوم تدخل المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا في جمهورية إفريقيا الوسطى، بارتباط مع فرنسا ومنظمة الأمم المتحدة". وقال إن المغرب يسعى في نفس السياق إلى إحياء اتحاد المغرب العربي وإعطاء توجه جديد لمجموعة دول الساحل والصحراء، علاوة على تطوير التعاون بين المجموعات الإقليمية، خاصة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والمجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا. وأكد جلالة الملك في رسالته لقمة باريس على أن أي استراتيجية هادفة لتحقيق الاستقرار والتنمية تفقد جدواها ومداها ومشروعيتها إذا لم تجعل الإنسان في صلب أهدافها، وقال جلالته إن "الشراكة التي نرجو بناءها مجتمعين تتطلب نهج مقاربة طوعية ترمي إلى تيسير الحركية والتنقل الحر للأشخاص، ولمواجهة ظاهرة الهجرة، التي غالبا ما تصاحبها مآس إنسانية وتكون مصدرا لانعدام الأمان، لا بد من تطوير مقاربة جديدة ترتكز على خطوات طوعية وسخية وإنسانية، دون إغفال المتطلبات الأمنية".وأشار إلى أن تدبير ملف الهجرة يتطلب تنفيذ استراتيجية شاملة ومندمجة تجمع بين ضمان انسياب حركة الهجرة القانونية ومحاربة شبكات الاتجار بالبشر، ونهج سياسة للتنمية المشتركة، كما سبق أن أكدت على ذلك الندوة الأورو-إفريقية حول الهجرة والتنمية التي انعقدت بالرباط سنة 2006.وعن موقف المغرب من قضية الهجرة، قال جلالة الملك " لقد تحولت المملكة المغربية التي كانت بلد مصدر ثم بلد عبور، تحولت منذ بضع سنوات إلى وجهة يفضلها العديد من المهاجرين غير القانونيين من جنوب الصحراء. وانطلاقا من واجب التضامن، ومن تقاليد الضيافة والاستقبال التي يتميز بها، قام المغرب مؤخرا بوضع سياسة جديدة للهجرة (..) ففي إطار الاحترام التام لالتزاماته الدولية، خاض المغرب رهان تبني سياسة وطنية رائدة في المنطقة، إنسانية في مقاربتها ومسؤولة في خطواتها، وتراعي حقوق المهاجرين واللاجئين الأساسية تمام المراعاة من حيث مقاصدها".وعبر جلالة الملك عن اعتزازه بالدعم الكبير الذي لقيته هذه المبادرة، خاصة على المستويين الإفريقي والأوروبي، وقال، في هذا الصدد، "نعيد طرح المقترح المغربي لإقامة "ائتلاف إفريقي للهجرة والتنمية"، ينطلق من هذه المبادرة، ويشكل إطارا موحدا يبحث مخاطر الهجرة غير الشرعية، وفرص الهجرة القانونية والتنمية المشتركة التي لابد من تحقيقها والتي تعكس المسؤولية المشتركة بين أوروبا وإفريقيا في هذا المجال".
النص الكامل للرسالة التي وجهها صاحب الجلالة إلى المشاركين في أشغال القمة الفرنسية الإفريقية حول السلم والأمن التي افتتحت اليوم الجمعة بباريس.وفي ما يلي نص الرسالة الملكية التي تلاها رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران. "الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.فخامة السيد فرنسوا هولاند، رئيس الجمهورية الفرنسية، أصحاب الفخامة والمعالي رؤساء دول وحكومات البلدان الشقيقة والصديقة، حضرات السيدات والسادة، يطيب لي في البداية أن أتوجه بخالص شكري للسيد فرانسوا هولاند، رئيس الجمهورية الفرنسية، على دعوته لعقد هذه القمة الهامة، بالنظر لما تكتسيه مواضيعها من أهمية ولدقة السياق الذي تنعقد فيه، والتوجه الجديد الذي نريده جميعا لهذا المنتدى.فمع مرور السنوات، تنوعت المواضيع المسجلة على جدول أعمال منتدانا واتسعت رقعة أعضائه وازدادت مداولاته عمقا. ولا يسعنا إلا أن نهنئ أنفسنا على انخراط هذا المنتدى، الذي يقوم على الروابط التاريخية القوية والعلاقات التقليدية الراسخة بين إفريقيا وفرنسا، في دينامية تروم مواكبة التحولات والمتطلبات الدولية واستيعاب التحديات والفرص القارية.أصحاب الفخامة والمعالي، حضرات السيدات والسادة، في ظرفية دولية متسمة بأزمة اقتصادية ومالية وديموغرافية حادة، تجسد القارة الإفريقية الأمل في تجاوز الواقع الراهن، بفضل ما تزخر به من فرص حقيقية ودينامية قوية جعلتها تنخرط في مسار تعزيز إصلاحاتها وتحديث اقتصاداتها وتجديد نخبها وتأكيد اندماجها في مسلسل العولمة ومساهمتها المتنامية في إطار الحكامة العالمية. غير أن قارتنا ورغم المجهودات الهامة التي تبذلها والنتائج الملموسة التي سجلتها، لازالت تواجه صعوبات شتى في تحقيق التنمية البشرية الشاملة والنمو الاقتصادي والاستقرار المستدام.ولمواجهة التحديات المتعددة التي تهدد استقرار البلدان الإفريقية، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى، انتهاج مقاربة شاملة ومتجانسة، قادرة على التوفيق بين المطلب الأمني وبين مطالب التنمية البشرية والحفاظ على الهوية الثقافية والعقائدية. ففيما يخص البعد الأمني، تظل مسؤولية بلورة وتنفيذ وتقييم وسائل وعمليات الوقاية من النزاعات وتدبير الأزمات والحفاظ على الأمن وإعادة الإعمار، على عاتق الأفارقة بالدرجة الأولى، من خلال المنظمات الإقليمية.وفي هذا السياق، أظهرت التحركات الإقصائية والمقاربات المبنية على الاعتبارات قصيرة الأمد والدوافع الخلفية الأنانية، عن محدوديتها وعدم جدواها، بل ولم تأت إلا بنتائج عكسية.فطبيعة التحديات المعقدة والعابرة للحدود التي تواجه قارتنا اليوم تتطلب، على العكس من ذلك، تعاونا إقليميا قويا ومساهمة فاعلة ومتناسبة من قبل الشركاء الدوليين.وما العمل المشترك والفعال الذي شهدته مالي إلا خير دليل على ذلك.وفي هذا السياق، أود أن أنوه بالتدخل الشجاع والحاسم في هذا البلد الذي قامت به فرنسا والرئيس فرانسوا هولاند، والذي تعزز بالتزام العديد من البلدان الإفريقية وبلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في سبيل التصدي للتهديد الإرهابي الذي طال هذا البلد، إذ بفضل ذلك استرجعت مالي سيادتها على مجموع ترابها. ولا بد لهذه المقاربة أن تظل النموذج المتبع في جميع مراحل إعادة الإعمار التي تلي فترة النزاع.وهذه الروح هي ذاتها التي سادت خلال انعقاد مؤتمر الرباط حول أمن الحدود في دول شمال إفريقيا والساحل والصحراء في نونبر 2013، والذي مكن من بلورة رؤية سياسية مشتركة وتبني خطة عمل تنفيذية.كما أصبح تنامي عمليات القرصنة في خليج غينيا يشكل أيضا تهديدا ما فتئ يكبر، وبات من الضروري لتحركنا في مواجهته أن يستلهم العبر مما يجري حاليا في منطقة القرن الإفريقي وأن يعتمد على التوصيات ذات الصلة التي خرجت بها قمة ياوندي حول هذه الآفة. وعلى نطاق أوسع، فإن "مؤتمر الدول الإفريقية الواقعة على المحيط الأطلسي"، والذي يحتضن المغرب أمانته، يمكن أن يشكل إطارا للتعاون والتشاور من أجل تحديد استراتيجية مشتركة للحفاظ على سلامة الملاحة البحرية على طول الشريط الأطلسي الإفريقي، الذي تهدده القرصنة والذي يعاني قبلها من العمليات المتزايدة لتهريب المخدرات انطلاقا من بلدان أمريكا الجنوبية. وبموازاة مع هذه التحركات في المجال الأمني، لابد من تعزيز التعاون في سبيل تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية البشرية المستدامة عبر القارة، بنفس العزم والالتزام. فلا يمكن تحقيق السلم والاستقرار الدائمين دون العمل على تحقيق تنمية بشرية عادلة وشاملة. إن معالجة موضوع الاستقرار من خلال منظور الاعتبارات العسكرية والأمنية دون غيرها، لا يخلو من مخاطر جسيمة من حيث احتمال العود إلى حالة البدء. وفي هذا المجال ورغم كل الجهود الرامية لتحديث الترسانة القانونية والإطار المؤسساتي في العديد من بلدانها، لازالت القارة الإفريقية تقبع على هامش الدينامية التجارية والاستثمارية العالمية. لقد بات من الضروري تعزيز التحركات الطوعية التي يتم إطلاقها على المستوى القاري من خلال الالتزام الدؤوب والملموس من قبل المجتمع الدولي. وفي هذا الصدد، جعلت المملكة المغربية القارة الإفريقية في صلب سياستها الخارجية. وكان خيارها الإرادي والطبيعي والاستراتيجي لصالح تعاون تضامني، جنوب-جنوب وثلاثي الأضلع، وجد ترجمته على الأرض من خلال تنفيذ العديد من المشاريع الملموسة لفائدة عدد من بلدان القارة.وقد استفادت من هذه البرامج الملموسة الشرائح الأكثر فقرا، في مجالات أساسية كالتعليم والتكوين، والماء، والفلاحة والصيد البحري، والكهربة والصحة.وبتزامن مع ما سبق ذكره، تم عقد شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتنفيذ استثمارات هامة، تكللت بالنجاح في العديد من البلدان الإفريقية، وهمت مجالات المالية والبنوك والتأمين والاتصالات والبنية التحتية والمناجم وتخطيط المدن والسكن الاجتماعي، حيث أضحى المغرب أول مستثمر إفريقي في منطقة غرب إفريقيا والثاني على مستوى القارة.وكل هذه المجهودات لابد من أن تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد والإشكالات البيئية والمشاكل المرتبطة بالتغيرات المناخية. ومن تم فإنه لا مناص من الجمع بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة.ومن هنا كان لابد للتنمية المستدامة أن تحتل مركز الصدارة في كل سياساتنا العمومية، ليس فقط من باب الحفاظ على توازنات بيئية أضحت هشة، والذي بات ضرورة حتمية، بل وكذلك بالنظر للإمكانات التنموية الإضافية التي يمنحها الاقتصاد الأخضر. كما يجب أن يلتزم أي تعاون بناء في هذا المجال بمبدأ المسؤولية المشتركة والمتمايزة، المبني على المساواة، دون إغفال ضرورة مصاحبة القارة في مسلسل تحولها المكلف نحو إدماج متطلبات الاقتصاد الأخضر. وهنا نأمل أن تنجح الدورة 21 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغيرات المناخية، التي ستحتضنها العاصمة الفرنسية سنة 2015، في قطع أشواط هامة وتأخذ بعين الاعتبار حاجيات وتطلعات القارة الإفريقية.أما المحور الثالث لأي استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار الدائم في إفريقيا فيهم الحفاظ على الهوية الثقافية والعقائدية لشعوبها.فالتصدي بفعالية للتمظهرات العنيفة للتطرف والظلامية في منطقة الساحل والصحراء يكتسي نفس الأهمية التي يكتسيها الرجوع إلى منابعها واجتثاث أسبابها المعنوية ومرجعياتها العقدية المزعومة. إن الحفاظ على السلم والاستقرار والأمن في المنطقة رهين بصيانة الهوية الثقافية والحوزة الدينية التي مكنت شعوبها من العيش بتناغم على مدى قرون عديدة. لقد أخذ المغرب على عاتقه حماية الإسلام السني الذي يدعو إلى الاعتدال والتسامح والانفتاح، والذي اعتنقته شعوب المنطقة عبر تاريخها، معتمدا في ذلك على الوشائج الروحية العريقة التي تربطه ببلدان منطقة الساحل وعلى مؤسسة إمارة المؤمنين، علاوة على تجربته الناجحة في مجال إصلاح الحقل الديني.وتجدر الإشارة هنا إلى انطلاق برنامج تكوين 500 إمام مالي في المغرب، في إطار الالتزام التام بتعاليم "الوسطية" وبالمذهب المالكي الذي نشترك في اتباعه.ويجدر بنا في الوقت ذاته العمل على تطوير مقاربات للحكامة الترابية، منفتحة وشاملة، تحافظ على الخصوصيات الثقافية للساكنة المحلية وتنهض بها، في إطار احترام الوحدة الترابية والوطنية للدول. أيها السيدات والسادة، إن إطلاق أي استراتيجية لتحقيق الاستقرار المستدام في إفريقيا يجب أن يعتمد على الدور الجوهري للمنظمات الإقليمية.إن هذه المنظمات يجب أن تشكل المرتكز لأي مخطط عمل تفرزه مداولاتنا وأن تكون حجر الزاوية بالنسبة لأي استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار والتنمية في قارتنا، والإطار الذي يحتضن أي مبادرة للاندماج الاقتصادي ومنبرا للتنسيق من أجل رفع التحديات المرتبطة بالتغير المناخي والتنمية المستدامة.من هنا يجدر بنا أن ننهض بدور المنظمات الجهوية الإفريقية ودعمها بشكل أكبر، فهي عماد الاندماج الإفريقي الذي نصبو إليه، فضلا عن كونها الإطار المناسب للتفاعل الناجع مع الأزمات الخاصة التي تعرفها كل منطقة من مناطقنا.ولا يفوتنا هنا أن ننوه بالتدخل الحاسم للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في مالي، كما نشجع اليوم تدخل المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا في جمهورية إفريقيا الوسطى، بارتباط مع فرنسا ومنظمة الأمم المتحدة. ويسعى المغرب في نفس السياق إلى إحياء اتحاد المغرب العربي وإعطاء توجه جديد لمجموعة دول الساحل والصحراء، علاوة على تطوير التعاون بين المجموعات الإقليمية، خاصة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والمجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا.أصحاب المعالي والسعادة، أيها السيدات والسادة، إن أي استراتيجية هادفة لتحقيق الاستقرار والتنمية تفقد جدواها ومداها ومشروعيتها إذا لم تجعل الإنسان في صلب أهدافها.فالشراكة التي نرجو بناءها مجتمعين تتطلب نهج مقاربة طوعية ترمي إلى تيسير الحركية والتنقل الحر للأشخاص.ولمواجهة ظاهرة الهجرة، التي غالبا ما تصاحبها مآس إنسانية وتكون مصدرا لانعدام الأمان، لا بد من تطوير مقاربة جديدة ترتكز على خطوات طوعية وسخية وإنسانية، دون إغفال المتطلبات الأمنية.فتدبير ملف الهجرة يتطلب تنفيذ استراتيجية شاملة ومندمجة تجمع بين ضمان انسياب حركة الهجرة القانونية ومحاربة شبكات الاتجار بالبشر، ونهج سياسة للتنمية المشتركة، كما سبق أن أكدت على ذلك الندوة الأورو-إفريقية حول الهجرة والتنمية التي انعقدت بالرباط سنة 2006.لقد تحولت المملكة المغربية التي كانت بلد مصدر ثم بلد عبور، تحولت منذ بضع سنوات إلى وجهة يفضلها العديد من المهاجرين غير القانونيين من جنوب الصحراء. وانطلاقا من واجب التضامن، ومن تقاليد الضيافة والاستقبال التي يتميز بها، قام المغرب مؤخرا بوضع سياسة جديدة للهجرة.ففي إطار الاحترام التام لالتزاماته الدولية، خاض المغرب رهان تبني سياسة وطنية رائدة في المنطقة، إنسانية في مقاربتها ومسؤولة في خطواتها، وتراعي حقوق المهاجرين واللاجئين الأساسية تمام المراعاة من حيث مقاصدها.ونعبر هنا عن اعتزازنا بالدعم الكبير الذي لقيته هذه المبادرة، خاصة على المستويين الإفريقي والأوروبي، ونعيد طرح المقترح المغربي لإقامة "ائتلاف إفريقي للهجرة والتنمية"، ينطلق من هذه المبادرة، ويشكل إطارا موحدا يبحث مخاطر الهجرة غير الشرعية، وفرص الهجرة القانونية والتنمية المشتركة التي لابد من تحقيقها والتي تعكس المسؤولية المشتركة بين أوروبا وإفريقيا في هذا المجال.أصحاب المعالي والسعادة، أيها السيدات والسادة، إن إفريقيا، أرض الفرص والتحديات، هذه الأرض التي تعرف اليوم نموا مطردا، تنخرط في علاقة جديدة مع فرنسا، علاقة تتطلع للمستقبل، حول مصالح مشتركة واضحة المعالم.ولا يساورني أدنى شك في أن تضافر الجهود وتكثيف الحوار بيننا سيساهمان في تعزيز السلم والحرية وفي النهوض بالتنمية البشرية المستدامة.وعلاوة على ما ستنطوي عليه من مزايا ذاتية، فإن الأرضية الإفريقية الفرنسية التي ستنبثق عن هذه قمة سوف تخدم مواقفنا داخل مختلف الهيئات الدولية الأخرى.والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.