تعددت الأسباب التي فرضت على الحكومة التريث فيما يخص تنظيم الانتخابات المهنية الجماعية والجهوية والخاصة بمجلس المستشارين، ويتعلق الأمر بإكراهات حقيقية لاتمت بصلة لأية حسابات سياسية. الأسباب متعددة ومتداخلة تفرض التعجيل ببداية الاشتغال فيها انطلاقا من الأيام القليلة المقبلة، وتجد هذه الأسباب تفسيرها الأول في الدستور الجديد الذي جاء بمقتضيات جديدة كثيرة تفرض سن قوانين جديدة لضمان الملاءمة بين هذه القوانين والدستور الجديد، وهذه قضية لم تكن مطروحة في الانتخابات السابقة. واستفاضت بعض المصادر في إبراز حجم الاستحقاقات الإجرائية والقانونية والسياسية التي يجب معالجتها قبل انطلاق المسلسل الانتخابي، ذلك أن الأمر يتعلق حسب هذه المصادر بسبع عمليات انتخابية تشمل الغرف المهنية ذات الأربعة أصناف والجماعات المحلية ومجالس العمالات والأقاليم والجهات وانتخابات الموظفين والمأجورين وانتخابات ممثلي الهيئة الناخبة وأخيرا انتخاب مجلس المستشارين. وتبدأ الصعوبات بالمنهجية التي سيتم اعتمادها في إخراج القوانين واتخاذ الإجراءات، وهي منهجية قال وزير الداخلية في شأنها إنها لن تحيد عن التشاور والتشارك، وهذا يعني أن أخذ آراء الفاعلين السياسيين والنقابيين بعين الاعتبار يفرض الزمن الكافي لذلك. إن الأمر يتعلق أيضا برزمة كبيرة جدا من القوانين التنظيمية والقوانين المادية ومراسيم قوانين، من قانون التقسيم الترابي الذي يحدد حدود الجماعات الترابية بما يتناسب ومنطوق الفصل 71 من الدستور الجديد، وقانون آخر للجهوية يتطرق إلى الصلاحيات، وقانون آخر يحدد عدد الجهات وتقطيعها بما يلائم التقسيم الإداري وقانون آخر يخص مجلس المستشارين بما يحدد صلاحيات هذه الغرفة في ضوء الدستور الجديد، ومن الواضح فإن مجرد تغيير التقطيع الجهوي يفرض بالضرورة تغيير هذا القانون، ثم قانون جديد يحدد الملاءمة الترابية للغرف الفلاحية، وقانون الجبايات الجماعية أو المحلية وقانون آخر يتعلق بالممتلكات الجماعية، وقانون يحدد نمط الاقتراع، وهنا تناقش أوساط متخصصة في وزارة الداخلية العديد من الاشكاليات المرتبطة بهذه القضية من ذلك يجري التفكير الجدي في تقليص عدد السكان فيما يتعلق باعتماد نظام اللائحة، ذلك أن الوضع الحالي يؤشر على أن 92 جماعة يتم الانتخاب فيها باللائحة و6 جماعات تعتمد نظام المقاطعات بيد أن 1411 جماعة يتم الانتخاب فيها بالنظام الفردي المباشر، إلا أن أهم الاشكاليات المطروحة في هذا الصدد، تتمثل أساسا في تقييم أداء نظام المجالس والمقاطعات، وفي هذا الصدد يجري التفكير جديا في إلغاء نظام المقاطعات واستبدالها بنظام الملحقات الجماعية التي ستختص بخدمات القرب بيد أنه سيتم التخفيض من عدد المستشارين في مجالس المدن، كما يجري التفكير في إدخال تعديلات على نظام عمل مجالس المدن لتجنب إعادة انتاج الأزمات التي عرفتها مجالس مدن مهمة كالدار البيضاء ومراكش، ونفس الأمر سيسري على أعداد المستشارين الجهويين. وفيما يتعلق بالجهوية المتقدمة تتباين التقديرات في شأنها بين خبراء وزارة الداخلية نفسها، فهناك من يقترح الدخول مباشرة في الجهوية المتقدمة بصلاحيات جديدة واسعة، بيد أن هناك من يقترح اعتماد المنهجية التدريجية لتجنب الصدمة، إلا أنه يجري الحديث من جهة أخرى عن طبيعة المنظومة القانونية المتعلقة بالانتخابات، فهناك من يرى أهمية تشريع قانون تنظيمي واحد يخص جميع الجماعات الترابية من مجالس جماعية ومجالس عمالات وأقاليم ومجالس جهات، في حين هناك من يشدد على ضرورة الإبقاء على نفس المنظومة القانونية بأن يختص كل قانون تنظيمي بجماعة ترابية. وتبقى قضية اللوائح الانتخابية إحدى أهم الاشكاليات، وجدير بالتذكير أنه هناك ثلاثة خيارات في هذا الصدد، فإما إجراء مراجعة استثنائية شاملة يتم بموجبها إلغاء اللوائح الحالية وإعتماد لوائح جديدة، وفي الإقدام على هذه الخطوة مغامرة كبيرة جدا حيث تتخوف السلطات العمومية من عدم الاقبال على التسجيل في اللوائح، بيد أن الخيار الثاني يكمن في إجراء مراجعة استثنائية دون إلغاء اللوائح الحالية، وترد أوساط من وزارة الداخلية أن هذه العملية تمت لمرتين في أقل من سنتين، ولذلك لن تكون مفيدة، في حين يبقى الاختيار الثالث هو الأقرب إلى الاعتماد ويكمن في الاكتفاء بالمراجعة السنوية العادية لهذه اللوائح مع الزيادة في المدة الزمنية المخصصة لهذه العملية. من جهة أخرى تجري مناقشات مستفيضة بين خبراء وزارة الداخلية المكلفين بإعداد منظومة القوانين حول ضمان الموقع الدستوري للمرأة المغربية في جميع مراحل هذه الانتخابات، خصوصا وأن الدستور الجديد يتحدث عن تمكينها من الثلث في جميع المؤسسات، وتبقى إشكاليات أخرى محل دراسة هي الأخرى من قبيل الجمع بين أكثر من رئاسة وضمان تمثيلية أرباب العمل في مجلس المستشارين تطبيقا لمقتضيات الدستور الجديد، وتشجيع الشباب وإشراكهم وعما إذا كان ممكنا إجراء الانتخابات الجماعية والجهوية في يوم واحد. بيد أن قضية العتبة ستثير بدورها نقاشات صاخبة. إن معالجة جميع هذه الإشكاليات الملحة والمستعصية تتطلب وقتا كافيا، لذلك ارتأت الحكومة أن تتجه إلى ضمان جميع الشروط التي تمكن البلاد من تنظيم انتخابات ذات مصداقية، ويتضح بالملموس أن الأمر لايتعلق بحسابات سياسية لجهة ضد جهة أخرى، بل لأن البلاد ستجري أول انتخابات في إطار دستور جديد، يعطي مواقع متقدمة جدا للجماعات الترابية خصوصا للجهات؛ لكل هذا وغيره كثير فإن خبراء وزارة الداخلية يرون أن إنجاز جميع العمليات المرتبطة بالتحضير للانتخابات تتطلب مدة لن تقل عن 14 شهرا ويقترحون بداية العمل فيها في فاتح يوليوز القادم مما يعني أنه الموعد المرتقب لهذه الانتخابات.