نعرف في المغرب انتشار اصطلاح الأسواق النموذجية التي تقيمها المجالس المنتخبة لاسيما في المدن والحواضر. كما نعرف ظاهرة الباعة المتجولين والفراشة وأصحاب الكراريس التي تستوطن العديد من الفضاءات العمومية الأكثر ارتيادا من لدن المواطنات والمواطنين، وما ينبت من أسواق عشوائية لبيع الخضر والفواكه والأسماك وغيرها مما هو قابل للبيع والشراء، وما ينجم عن ذلك من مخلفات ضارة بالصحة وبالبيئة، فضلا عن عرقلة السير واحتجاج أصحاب المحلات التجارية من دافعي الضرائب... ولما شاعت عمليات احتلال هذه الفضاءات العمومية، أقدمت العديد من الجماعات الحضرية أساسا على اتخاذ مبادرات لإقامة أسواق نموذجية خصصت لها أموالا طائلة من الميزانية السنوية لهذه الجماعات، والتي تأتي في جزء كبير منها من الرسوم والضرائب التي يؤديها المواطنون والمرتفقون مقابل خدمات متنوعة. وهكذا، شهدت العديد من مدن المغرب بناء المئات والآلاف من الأسواق النموذجية وُزعت إلى دكاكين ومحلات تجارية، أحيانا مصحوبة بالتجهيزات الضرورية وأحيانا بدون تجهيزات حيوية، مثل الماء والكهرباء والمراحيض... ورغم كثرة هذه الأسواق، استمرت بل واستفحلت، بالمقابل وبشكل مثير، ظاهرة الأسواق العشوائية والباعة المتجولين و... و... ولما بحث المهتمون في خلفيات ذلك وأسبابها غير الظاهرة، تم اكتشاف سر أساسي يتمثل في ممارسة تفشت في بلادنا كالنار في الهشيم، إنها بكل بساطة استغلال النفوذ والزبونية والمحسوبية والإرشاء والارتشاء، إذ إن المحلات التجارية التي صُرفت عليها أموال عمومية طائلة تم توزيعها بكل بساطة بين الماسكين بزمام السلطة الإدارية والمالية والترابية في الجماعات المعنية ( ومنهم المستشارون المنتخبون). وهكذا، برزت وزيعة جديدة في شكل نظام توزيع هذا المحلات بين المستشارين "المنتخبين" وأقربائهم وأقاربهم ومن يوفرون لهم الغطاءات والتغطيات ونافذين في السلطات الترابية وأمنيين و... و...، أما المستهدفون الحقيقيون بهذه الأسواق/ المشاريع التي تبيض ذهبا، فقد طالهم الإقصاء واستبعدوا من الاستفادة من مشاريع أقيمت لفائدتهم حيث استُعملوا غطاء لتخصيص الاعتمادات لإقامة الأسواق النموذجية لكنها لم تمنح لهم. وهكذا، يجد المغرب نفسه سنويا أمام سرقات موصوفة للمال العام وبروز بؤر جديدة للفساد والاستبداد واستغلال النفوذ، وموازاة مع ذلك تستمر الأسواق العشوائية جراء السرقات النموذجية المتقنة الصنعة أمام أنظار جميع السلطات المختصة وأجهزتها التفتيشية المتضخمة العدد دون نجاعة، وتستمر مظاهر الحكْرة ونهب المال العام دون مساءلة وبكثير من مظاهر الإفلات من العقاب مما يُشجع على استمرار هذه الممارسات المستخفة بالقانون. وبكل تأكيد، فإن المصالح المعنية بوزارة الداخلية تعرف أعداد هذه الأسواق بدقة ومساحاتها وعدد متاجرها ونوع المواد التي بنيت بها، والمقاولين الذين رست عليهم صفقاتها، وما كلفته من أموال دافعي الضرائب وأسماء الذين واللاتي سطوا على المحلات التجارية بدون وجه حق. كما تتوفر الجهات المعنية على رسوم ملكية هذه المحلات والأسماء المدونة عليها... ولكن التواطؤ وتقسيم المنافع والاستهتار بحرمة القانون وانعدام قيم المواطنة وغياب المساءلة... كل ذلك يشجع على تفشي هذه السرقات النموذجية في واضحة النهار، وأمام كل الأعين. وعاشت الديمقراطية المحلية التي حولها الكثيرون من الأشخاص والإطارات التنظيمية والمؤسسات إلى معبر نحو البرلمان (فكم من رئيس جماعة مر إلى مجلس النواب مؤخرا وسابقا، بفضل منصبه الجماعي) ونحو الثراء والوجاهة المنهوبة ومواقع القرار الاقتصادي على المستوى الوطني. والفضل في ذلك يعود إلى غياب إعمال المراقبة الحقيقية التي تربط المسؤولية بالمحاسبة.