يسود سخط عارم في أوساط الفعاليات المغربية في المهجر تجاه الأسلوب الذي اتبعته الحكومة بإقصاء المهاجرين من الانتخابات المقبلة. ورفض هؤلاء مبدأ التصويت بالوكالة، خصوصاً بعد المنحى الذي اتخذه مكسبهم الدستوري الأخير في هذا الشأن. يسود استياء شبه عام لدى الفاعلين المغاربة في الخارج على المآل، الذي وصل إليه حقهم في المشاركة السياسية، بعد بزوغ بصيص أمل بموجب التعديل الدستوري الأخير في هذا الخصوص. وحالة عدم الرضى تلك تنسحب حتى على ممثلي الأحزاب السياسية في الخارج، والتي تشارك من قريب وبعيد في اللعبة السياسية في المغرب. لمست إيلاف نوعًا من التوتر الداخلي في بعض هذه الأحزاب، خصوصًا الحكومية منها، مع تمثيليتها في الخارج، والتي تشعر أن تنظيماتها السياسية خذلتها بعدم محاولتها تدارك الاختيار الحكومي بشأن المشاركة السياسية للجالية المغربية، بإشراك الأخيرة عن طريق ترشيح عدد معين منها في المغرب. تشعر هذه الأحزاب بشيء من الحرج للحديث في الموضوع تجنبًا لاحتكاكات حزبية داخلية تضرّ بوحدة أحزابها، في حين لا تجد المعارضة أي ضرر في إطلاق العنان للسانها بهدف انتقاد هذا الإشراك الخجول للجالية في العملية السياسية في المغرب. خوف الحكومة من مشاركة الجالية يعتبر عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية عمر المرابط أنه "لا توجد إرادة سياسية لإشراك الجالية، رغم ما جاء به الدستور من نقاط إيجابية في الموضوع"، والحكومة المغربية، بحسب تقديره، "ترفض وتتخوف من مشاركة الجالية". ويفسر مسؤول اللجنة المركزية لمغاربة الخارج لحزب العدالة والتنمية هذه التخوفات بقوله: "إنه الخوف من المجهول، الخوف من أناس اعتادوا على الحرية الكاملة وعلى الممارسة الديمقراطية في أعتاب الديمقراطيات الغربية، الخوف من أناس يرتكز عليهم الاقتصاد المغربي... من أناس لا يمكن التحكم فيهم بسهولة". ويتابع قائلاً: "لهذا تعللت ولا تزال تتعلل الحكومة بأمور يعرف الداني والبعيد أنها واهية وغير صحيحة. والواقع أن الأحزاب المغربية والأحزاب الإدارية التابعة لها ليس لها موضع قدم في الخارج، والوداديات التي كانت تتبعها أُعلن إفلاسها وفشلها". كما يرى أن "الجالية نفسها تغيرت بنيتها من مجرّد عمال إلى أطر ومهندسين وأطباء وكفاءات عالية من أبناء الشعب، الذين لا ينتمون إلى العائلات النافذة والمتمكنة، وهذا يخيف أصحاب المصالح والنفوذ". ويؤكد القيادي في العدالة و التنمية، المحسوب على الأحزاب الإسلامية في المغرب، تخوف المسؤولين السياسيين في الرباط كذلك، من تسجيل الإسلاميين المغاربة في الخارج نتائج إيجابية جدًا، وذلك بقوله: "يمكن أن أقول أيضًا إن ميول الجالية الانتخابية معروفة، وما الدليل إلا نتائج نظيرتها التونسية الأخيرة". غياب تصور وسياسة واضحة حول الهجرة لم يستغرب الناشط الأمازيغي محمود بلحاج موقف حكومة الرباط بعدم إشراك المهاجرين المغاربة في العملية السياسية من خلال الانتخابات المقبلة، واعتبر الأمر "شيئًا عاديًا جدًا". وقال بلحاج، في تصريح لإيلاف: "حكومة الرباط لا تملك تصوراً وسياسةً واضحةً تجاه الهجرة والمهاجرين، إذا استثنينا بعض "الأنشطة" الصيفية وبعض اللقاءات التي تنظمها السفارات المغربية في الخارج بالتنسيق مع وزارة محمد عامر أو مع ما يسمّى بمجلس الجالية المغربية في الخارج، وهي أنشطة تهدف أساسًا إلى استمرار تدفق أموال المهاجرين فقط". وأكد بلحاج أن "مطلب مشاركة المهاجرين في الانتخابات المغربية من أبرز المطالب التي تنادي بها القوى المغربية الديمقراطية في الخارج والداخل، حيث لا يمكن لنا الحديث عن المواطنة - نقصد هنا مواطنة مغاربة الخارج - من دون مشاركتهم في العملية السياسية". بحكاني: نفاق سياسي ماكر من جهته، عبّر رئيس مؤسسة التواصل للثقافة والإعلام في هولندا، بنيونس بحكاني، عن "صدمته من المستوى غير المسؤول الذي تعاملت به السلطات المغربية مع موضوع مشاركة مغاربة العالم" على حد تعبيره. وتساءل بحكاني: "كيف يعقل أن يتم تجاوز الخطاب الملكي، والوعود السابقة سنة 2007 وتجاهل الوعي السياسي الحاضر بقوة في الخارج، رغم أننا نعيش اليوم مخاضًا ديمقراطيًا عسيرًا في العالم العربي في ظل الربيع العربي؟". واعتبر أن "ما يحصل اليوم مع مغاربة العالم ينبئ بخريف ديمقراطي في المغرب"، مضيفا أنه "انطلاقًا من مبادئ حقوق الإنسان، التصويت والترشيح حق تضمنه القوانين والمواثيق الدولية. والدستور الحالي نفسه ينص على ذلك، غير أن العجب في المغرب، يتمثل في خروج ابتكار غريب سُمّي بالتصويت بالوكالة". في المضمار نفسه يتساءل: "كيف يعقل أن توضع مستقبلاً تشريعات تخصّ الهجرة والمهاجرين في غياب تام لمن يهمهم الأمر؟ هذا إقصاء لا ريب فيه وغير مفهوم". ورأى بحكاني في ذلك "نفاقاً سياسياً ماكراً مستمد من سيناريو تم إخراجه بطريقة سينمائية بعيدًا عن الحبكة في التأليف، يلعب فيه المهاجر دور البطل، الذي يضحّي بحياته في سبيل قضايا وطنه، لأنه يبقى مجرد ورقه سياسية يتم التلاعب بها ويلجأ إليها المغرب في أيامه السياسية الصعبة والحالكة". مواقف الأحزاب "المحتشمة" تُحمِّل الفعاليات المغربية في المهجر الأحزاب مسؤولية هذا الوضع، إذ اعتبر بنيونس بحكاني أن مواقفها في هذا الشأن "محتشمة"، ويقصد بالتحديد تلك التي تصف نفسها "بالوطنية"، مبديًا "أسفه" لذلك، لأنها، بحسب رأيه، "لا ترقى إلى مستوى هذه الأحزاب التي دافع عنها المهاجرون أيام سنوات الرصاص وبداية البناء الديمقراطي". من جانبه وصف الدكتور محمد أمرزيقة هذا الاختيار الحكومي "بالمؤامرة المحبوكة في دهاليز معادية للجالية"، مضيفا في كلمة لإيلاف: "كنا ننتظر من الأحزاب أو ما بقي منها أن تتماهى مع المطالب المشروعة للجالية في الحقوق السياسية والمواطنة الكاملة وأن تجعلها جزءاً من برامجها السياسية. والحقيقة المؤسفة أن معظمها أدار الظهر لها وتجاهل بصمت جبان أصوات الجالية المنددة بهذا الحيف والرافضة بالإجماع لهذا الإقصاء المر". وقال هذا الناشط المعروف في صفوف الجالية المغربية في فرنسا: "لم ولن نفهم هذا الإمعان في التعامل مع مغاربة الخارج كقاصرين والتحايل الفج والوقح على الدستور الذي، وبعد إلحاح، اعترف لمغاربة الخارج بما هو حق طبيعي. لا نفهم كيف للدولة أن تأخذ من الجالية بيد ما أعطته بيد أخرى؛ أي أن تحرمها بقانون تنظيمي ما أقره لها الدستور الجديد". ويخلص أمرزيقة إلى أن "الجالية المغربية قد استنفذت آخر رصيدها من الثقة واستنفذت ما بقي لها من صبر، ولم يبقَ أمامها سوى الغضب والتصدي لهذا السيناريو الذي لا يضرّ بمغاربة الخارج فحسب، بل بالمغرب". كما شدد في السياق نفسه على "أن هذه المحنة لن تدوم، بل سيكون لها الفضل في جمع شتات مغاربة الخارج، وتوحيد صفوفهم، وتجاوز خلافاتهم، وفرض الاحترام والتقدير في العلاقة معهم".