كل شخص يستعمل الحاسوب سيدرك أن هناك مغربا جديدا يتشكل داخل هذا الفضاء الافتراضي الواسع، مغرب يصنعه المغاربة يوميا وينمو بشكل ملفت للانتباه، إنه المغرب الجديد الأتي بحلة جديدة ووجه جديد ويفتح لأبنائه المقصيين آفاقا رحبة للتأمل والتواصل والتفاعل والعطاء. والملاحظ أن الفئة التي تسعى بجد لتشكيل هذا المغرب الجديد تنتمي إلى فئات عمرية مختلفة من الأطفال حتى الكهول، ومن مستويات ثقافية متفاوتة من التلميذ إلى الأستاذ إلى الباحث والمفكر وربات البيوت..ومن مختلف المشارب الثقافية، العلماني والمتدين والوسطي المعتدل..ومن طبقات اجتماعية متفاوتة الفقير والغني والبين بين.. يكفينا أن نفتح الحاسوب وندخل المواقع الاجتماعية كالفايس بوك، والتويتر والنتلوك..وغيرها لندرك الكم الهائل من المغاربة الذين يملكون صفحاتهم الخاصة ينشرون من خلالها أفكارهم وأرائهم ومواقفهم من مختلف القضايا التي تشغل بالهم، قضايا ذات أبعاد اجتماعية، دينية، ثقافية، سياسية، يتحاورون مع بعضهم البعض، ومع الآخرين من مختلف بلدان العالم، يتساءلون، يشكلون مجموعات بعضها متخصص في قضايا محددة، وبعضها مفتوح على كل القضايا وفي مختلف المجالات. يكفي أن نفتح الحاسوب لنطلع على حجم المنتديات الثقافية التي تملأ هذا العالم الافتراضي، ومن خلالها ينشرون إبداعاتهم في مجال الفن والفلسفة والدب والتاريخ..يعيدون قراءة الواقع بنوع من الحياد الأيديولوجي ويحاولون إعادة صياغة ثقافة جديدة تختلف عن الثقافة التي تروج لها المؤسسات الرسمية والجرائد الحزبية المتواطئة. إنها مواقع وجد فيها المبدع المغربي فضاء للتعبير عن أحاسيسه ومشاعره، والتنفيس عن مكبوتاته وهو الذي حرم هذه النعمة لسنوات طويلة عندما كانت الإذاعة والتلفزيون والجرائد الحزبية لا تقدم إلا المقربين. يكفي أن تفتح الحاسوب لتطلع على العدد الهائل من المدونات التي تستضيفها مواقع مختلفة لتقرأ عن مشاكل المجتمع وتطلعات أبناءه المقصيين، وأرائهم وأفكارهم ولتكتشف الطاقات الهائلة التي تطل علينا من هذه المدونات، طاقات هدرت منها الكثير في الزمن البعيد لأنها لم تُمنحها فرصة، أو لم تجد فضاء يحتضنها. يكفي أن تفتح الحاسوب لتتعرف على حجم الجرائد الإلكترونية التي ظهرت في السنوات القليلة الماضية والتي فتحت نوافذ جديدة يتعرف من خلالها المواطن المغربي على أخبار بلاده ما كان ليعرفها أبدا، جرائد تصدر من الخارج والداخل ويصعب التحكم أو السيطرة عليها، وفسحت هذه الجرائد المجال لكثير من الأقلام الشابة والموهوبة لتنفتح على عالم الصحافة الإلكترونية وتتعلم تعليما ذاتيا أن تكتب بأسلوب يقترب من المهنية، والعديد من هذه الجرائد أصبحت تشكل هاجسا أمنيا لا تخطئه عين مراقب، ولا أدل على ذلك تعرض الكثير منها للقرصنة. يكفي أن تفتح الحاسوب على المواقع الشخصية التي يعرف من خلالها أصحابها على إبداعاتهم وإسهاماتهم في الحقول التي يتخصصون فيها لنكتشف شعراء وفنانون تشكيليون وموسيقيون ومسرحيون وباحثون..لا نراهم ولا نسمع بهم في الأجهزة الرسمية. يكفي أن نفتح الحاسوب لنرى ونسمع ونشاهد العدد الهائل من الصور والأصوات وأشرطة الفيديو التي تعرض في هذا الفضاء الافتراضي الواسع لنأخذ صورة مغايرة على المغرب الذي نحاول أن نتجاوزه أو نطمح إليه أو نحلم به، هذا المغرب الذي يشكل اليوم وعي المواطن المغربي الجديد، وهو من يقدم صورة حقيقة للآخر في كل مكان وزمان عن مغربنا القادم. من خلال هذا العالم الافتراضي تعرف المغاربة على بعضهم البعض، وتعرفوا على الآخرين في مختلف أقطار العالم، وكما التقوا في العالم الافتراضي التقوا في العالم الواقعي فتبادلوا الزيارات كأشخاص أو كوفود وشكلوا جمعيات ثقافية، ونقابات وأندية وأحزاب سياسية.. علينا إذا أن لا ننظر بعين اللامبالاة إلى هذا المغرب الجديد الذي يولد ويطل علينا من العالم الافتراضي مغرب لن تخطئه من يملك البصيرة. إنه المغرب القادم إلينا فاتحا ذراعيه على المستقبل وعلى أسس جديدة قوامها العشق الحقيقي لهذا الوطن، والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وإشراك كل أبناء الوطن في بناء مصير وطنهم قبل فوات الأوان، وقبل أن يجدع القصير أنفه كما يقول المثل العربي القديم.