يقول الشاعر نزار قباني في كتابه النثري '' الكتابة عمل انقلابي'' : ( إننا مع الحرية بدون تردد ... ومع الأحرار إلى آخر الشوط ... شريطة أن يكون لهذه الحرية ضابط أخلاقي وعقلاني وثقافي وقومي ، يجعلها في خدمة الإنسان وفي خدمة المثل العليا ... إنه لا يكفي أبدا أن نكون أحرارا،وإنما لا بد لنا من أن نستحق الحرية ) فالأصلُ أن يتمتع جميع البشر بحرياتهم ، وينعموا بتحررهم وانعتا قهم، من جميع القيود والأصفاد والأغلال.لقد أبدع الفاروق عمر بن الخطاب ذلك الشعار الرائع ، والكلمة التي استطاعت أن تخترق طبقات بعضها فوق بعض ،وتتجاوز حقبا تاريخية متواصلة من القهر ،في تاريخ المسلمين، وتاريخ الإنسانية جمعاء، ومع ذلك بقي لها ألقها،وصمد بهاؤها أمام كيد الجلادين وعصابات السجانين وأعداء الحرية ومبغضي الأحرار ... نعم ، أبدع القائد الكبير والخليفة العبقري (فترة حكمه من 13ه إلى 23 ه الموافق 634ه إلى 644ه ) الذي حرره الإسلام من كل أنواع العبودية ،فقال قولته المشهورة : ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ ) بعد ذ لك بقرابة ألف عام جاء جان جاك روسو (28 يونيو 1712-2 يوليو 1778) الفيلسوف السويسري،ليؤكد الحقيقة نفسها،وهي أن الإنسان يولد حرا من كل القيود.وأن العبودية طارئة ، ويجب ألا يتخيل أحد أنها أصل أو قدر لا محيد عنه: "ولد الإنسان حراً طليقاً، ومع ذلك، فهو مثقل بالقيود في كل مكان. ولرب رجل يتوهم أنه سيد الآخرين، وهو لا يني يرسف في أغلال من العبودية هي أثقل من أغلالهم" وهو نفس المعنى الذي أكد عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،وبنفس الصياغة تقريبا،حيث جاء في مادته الأولى : '' يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء ''. ومع ذلك ما تزال الحرية مطلبا عزيزا ... ومازال الذين بيدهم مقاليد الحكم يضنون ويبخلون على المحكومين بحريتهم كاملة.لأنهم يرون فيها تهديدا لطغيانهم، وتجاوزا لسلطانهم ، ونيلا من هيبتهم ... بل إن كثيرا من المتجبرين يرون في الحرية ترفا زائدا ،ونوعا من التحسينيات التي يتساوى حضورها وغيابها.فلا عجب أن تسمع بعض المنظرين، أو بعض الأبواق يقولون ، إن الشعب الفلاني ،توفر له السلطة الحاكمة كل المطالب والمقومات ،ومن ثم فما الحاجة إلى الديمقراطية والمجالس التمثيلية والبرلمان ؟ إنهم يتصورون الإنسان مجرد كائن استهلاكي يكفي أن يملأ بطنه ،ويشبع حاجاته ،ليستغني عن حريته.لكن الوقائع تتبث عكس ذلك،فمازال الإنسان يشعر بالنقص والقصور والتعاسة حتى يُحصل حريته كاملة ... ويسعد المجتمع الإنساني أكثر حين يتحرر مواطنوه ،عن وعي واستحقاق، ويمارسون حرياتهم، في احترام وتقدير، بل وتقديس لحريات الآخرين. وهناك بعض المتفلسفين ،بملامح المتنورين وقلوب الضواري،يفتون المسؤولين ويزينون لهم سوء فعلهم وخنق الحريات،بزعمهم أن قطاعات واسعة من الشعب ليست مؤهلة لممارسة حريتها بكامل المسؤولية.ويتجاهلون أن تصويب الممارسات والارتقاء بالسلوكيات،لا يمكن أن يكون بالقهر والتسلط.بل لا بد من إطلاق الحريات.فالحرية هي التي تؤدي للحرية المسؤولة وليس الكبت والخنق والتضييق. وجب التذكير بهذه الأبجديات ، لأن موضوع هذه المقالة استثنائي ،فهو يزعم مساندة ونصرة رجل لطالما دافع عن حرية الآخرين،وناصر المظلومين ،وفضح المعتدين ...أصاب أحيانا كثيرة ،وأخطأ في بعض الأحيان ، لكن يبقى له شرف الجرأة وتجاوز الخطوط الحمراء ، والاستماتة في الدفاع عن وجهة نظره مهما كانت قوة الخصوم،ومهما كلفه ذلك من جهد وتضحيات،كان آخرها السجن ... وما أقسى السجن والزنازين على الأحرار !. لحسن عدنان-المغرب