صار عاديا في مجتمعنا المغربي المليء بالتناقضات أن تشاهد نوعا من النفاق ونوعا من الضحك على الذقون في عدد من مجالات الحياة,ففي الحياة السياسية يتجلى النفاق والكذب بأبشع ألوانه,وفي مجال الاقتصاد يئن عدد من العاملين تحت وطأة مافيات ولوبيات جعلت من هذا الميدان معركة للربح السريع..لكن الأسوأ هو أن يصل هذا النفاق الى ما هو ابعد من ذلك, ويقتحم عالم المشاعر الإنسانية التي هي أنبل واشرف ما يجمعنا على وجه البسيطة..فعندما تنمحي الإنسانية من علاقاتنا ليس علينا إلا أن نقرا الخاتمة ترحما على أرواحنا, فالإنسانية بكل مشاعرها الرفيعة وبكل أحاسيسها الكبيرة هي من تعطي لوجودنا ذلك الرونق الجميل الذي دعت له كل الديانات وكل الثقافات الإنسانية.. في بلادنا,صار اللعب بالمشاعر الإنسانية شيئا مستحبا وجائزا, وصار الحب –الذي يمثل أهم هذه المشاعر وأشرفها- لعبة وصنارة يصطاد بها كل من يهوى الدخول إلى المياه العكرة,أصبح الحب عندنا مجرد سلعة رخيصة تباع وتشترى في أسواق الكذب والنفاق والبهتان.. كل مرة أنصت لبرامج المشاكل التي تذاع على أثير إذاعاتنا, وكلما اقرأ في النت عن مشاكل العلاقة بين الجنسين,إلا وينتابني الم كبير جراء هذه الحالة التي وصلنا إليها من فقر الحب,فصار الانتقام والمصالح الذاتية هي اغلب ما يجمع الجنسين,أما الوفاء والإخلاص والحب فهي كلمات أكل عليها الدهر وشرب في قواميس حياتنا اليومية.. فكم هي كثيرة قصة تلك الفتاة التي تتحدث عن هجر حبيبها لها بعدما ترك جنينا يعيش في أحشائها, قصة تتكرر كل صباح في مجتمعنا المغربي,فلا ينفع بعدها البكاء على اللبن المسكوب,وتضطر الفتاة إما للإجهاض او لمتابعة الجاني,وفي حالات كثيرة تخرج للدعارة بعدما تدرك أن واقعها صار مرا ولا ينفع معه الهروب من كلام الناس.. وكم هي كثيرة قصة ذلك الشاب الذي أحب فتاة من كل قلبه, ليفاجأ أنها تبادل حبه بالخيانة,وأنها تكرر نفس كلمات الحب مع أشخاص آخرين, بل ويتعدى الأمر إلى ان تلعب أمامه دور الفتاة الشريفة بينما هي تزور غرف وشقق ناس آخرين.. وكم هي مؤلمة قصة ذلك الثنائي الذي يخال كل منهما انه يكذب على الآخر بحيث لا يقوم إلا بتمضية الوقت مع حبيب آخر زمن, وفي النهاية يجد نفسه لم يكذب إلا على نفسه بعدما كان الآخر يبادله كذلك لعبة النفاق,فلا هي ولا هو استفاد من قصة الكذب هذه,فكان من الأجدر لهما أن لا يلعبا لعبة وسخة وان لا يتقمصا أدوارا لا علاقة لها بالحب... الذي يؤلم أكثر هو أن حتى الحياة الزوجية كثيرا ما يختفي فيها ذكر كلمة الحب وتحل مكانها كلمات أخرى لا علاقة لها بالمسائل العاطفية,فللأسف الشديد لا زال كثير من الأزواج يعتقدون أن غرض الزواج الأول والأخير هو ممارسة الجنس وينسون ان اهم شيء هو الحب والوفاء وليس رغبة وغريزة نشترك فيها مع كل مخلوقات الله,ولهذا صار عاديا ان يقوم عدد من الرجال بعلاقات أخرى خارج نطاق الزوجية مبررين ذلك ان العلاقة الجنسية في البيت صارت مملة وانه من الجيد إن يغير الإنسان الجو قليلا خارج أسوار المنزل,وهذا ما لاحظته منتشرا في عدد من مدننا,حيث يبيح الرجل لنفسه الخيانة ويبرر ذلك بان فحولته الرجالية لا تكتفي بشريك وحيد بينما يرى ان في خيانة زوجته له جريمة تستحق القتل.. فالخيانة الزوجية جريمة يعاقب عليها الرجل كما تعاقب عليها المرأة,وليس فقط لان الرجل بحكم خروجه المتكرر إلى خارج البيت لديه الحق في "تبديل الجو" كما يعتقد البعض,فكما تدين تدان,والكثير من الرجال الخائنون لميثاق الزوجية,تجد زوجاتهم هم الأخريات تقمن بنفس العمل وذلك كنتيجة حتمية لعلاقة باردة مع زوج لا يعترف بالمرأة إلا كجسد يغيره كما يغير هواتفه النقالة.. الحب عندنا كمغاربة كثيرا ما نلصقه بالجنس ,فحتى من يحب فتاة حبا شريفا,تجد عددا من أصدقائه يحاولون إقناعه أن الفتاة إن أردت كسب قلبها للأبد فعليك زيارة جسدها,لذلك تتلوث المساحات النقية بسرعة,فيجد الشاب نفسه قد أضاع حبا كان يخاله حقيقيا فقط لان الآخرين أكدوا له أن النساء يسقطن تباعا بطريقة واحدة كما لو أنهن ماركة تجارية.. وفي الجانب الآخر, كثير من الفتيات يلجئن إلى الجنس كوسيلة لإطالة علاقتهن العاطفية,تحت ذريعة أن الرجل لا تمتلكه المرأة إلا إذا أشبعت رغبته الجنسية,ويتناسون أن حديث الأجساد لا يمثل أية أهمية إن قورن بحديث القلوب,بالتالي تخسر الفتاة عفتها وشرفها طامعة في مغازلة رجل تختزل بطولته في العمل والسيارة والشقة.. لذلك صار من العادي أن نقول ان الحب صار في المغرب فعلا "كلام حق يراد به باطل",وان هويتنا وقيمنا صارت مؤخرا في الحضيض نتيجة غياب المشاعر الصادقة التي تمثل أهم ما في الإنسان,ففي الغرب,لا تجد الناس يكذبون إن تعلق الأمر بأمور غرامية,فالحب عندهم رابطة سامية,وحتى إن كان الجنس في ثناياها,فهو ليس إلا وسيلة لتحقيق الألفة والقرب,وليس كما عندنا في المغرب,حيث يصير الحب وسيلة من اجل غاية وحيدة وهي الجنس ومن بعد ذلك "كلها يمشي فطريقو".. فالحب هو الغاية وليس الوسيلة,وهو الثوب الذي لا يزال يغطي عيوب وقسوة هذا العالم,وبدونه ستستحيل الحياة قفرا وصحراء جدباء لا مكان فيها لواحة المشاعر النبيلة, وبدونه ستقبع الذات الإنسانية في غياهب الضياع,وبدونه سيصير العالم مجرد سوق للتجارة تكون القيم الإنسانية فيه هي الأسهم التي ترتفع وتنزل..