...هي مالكة آيت احساين، رقم البطاقة الوطنية A182464، امرأة في الرابعة و الخمسين من عمرها، مغربية ذات أصول أمازيغية، تعيش حاليا وحيدة بمدينة ميدلت بمنزل يتكون من غرفة واحدة قد تساقط معظم سقفها بسبب الظروف المناخية التي تعرف بها المنطقة، ضعيفة الحالة المادية، مصابة بمرض مزمن وعلى الرغم من ذلك فهي تزاول عملا لا يمت إلى الراحة بصلة، تعمل كمسؤولة عن النظافة بإحدى المؤسسات حيث تتقاضى راتبا شهريا لا يتعدى في أحسن الأحوال 1000 درهم. و باعتبار أن السيدة لا يصل دخلها إلى الحد الأدنى للأجور فبالتالي لم تتمكن من الاستفادة من نظامي التغطية الصحية و التقاعد الكلاسيكيين الذين يعرفهما كل الناس. هذه المرأة المنكوبة، و على غرار جل المواطنين الذين يعانون ما يصطلح عليه بالفقر و الهشاشة، و يكابدون الأمرين من أجل لقمة العيش الشريفة، أهلت و استهلت عندما بلغها خبر انطلاق نظام المساعدة الطبية RAMED المخصص بالأساس لأمثالها و مثيلاتها من المواطنين، حيث كانت تأمل من مثل هذه المبادرة أن تعفيها على الأقل من مصاريف الفحوصات و العلاج و الأدوية التي تثقل ميزانيتها. كانت مالكة من بين المواطنين الأوائل الذين سارعوا، في الأيام القليلة الماضية إلى مكتب نظام المساعدة الطبية RAMED الكائن بباشوية مدينة ميدلت قصد الإدلاء بمجموع الوثائق المطلوبة و اللازمة و التي تثبت، و حسب ما نصت عليه القوانين، أهليتها للاستفادة من الخدمات التي يوفرها هذا النظام. و تم ذلك بالفعل، حيث حصلت بتاريخ 03 أبريل 2012 على وصل إيداع يشهد فيه باشا مدينة ميدلت بأنه استلم من المعنية بالأمر ملف طلب الاستفادة من المساعدة الطبية و تم تسجيل طلبها تحت الرقم 00000005. بتاريخ 09 ماي 2012، و بعد زهاء شهر من المداولة، توصلت السيدة مالكة باستدعاء من باشا المدينة، يحمل توقيع من ينوب عنه، و ذلك للحضور على وجه السرعة إلى الباشوية، و يتعلق الأمر هذه المرة و كما نصت على ذلك ورقة الاستدعاء بعبارة "حول مآل ملفكم" بالنتيجة التي خلصت إليها اللجنة المكلفة بالبث في هذا النوع من الطلبات. ذهبت المعنية بالأمر امتثالا منها لأوامر الباشا إلى عين المكان و كلها أمل في أن يلقى طلبها القبول، فإذا بالمسكينة تصعق بقرار اللجنة رفض منحها حق الاستفادة من نظام RAMED ¬!!! تساءلت لماذا ...، و طلبت تفسيرا و تعليلات لهذا القرار الجائر باستبعادها من لائحة المستفيدين، رفض المسؤول المكلف أن يشرح لها أي شيء عن الموضوع و يا ليته اكتفى بالرفض و عدم التعليل بل أضاف معلقا : "انتي عندك الفلوس و ما خاصكش" !!! ... للمرء هنا أن يتساءل عن كيفية أداء هؤلاء للمهام التي أسندت إليهم ؟ و على أي نوع من القوانين أو المسندات ارتكز هذا المسؤول ليصدر هكذا قرارات و هكذا تبريرات، ليطحن بها قلب مواطن بائس محتاج بهذا الشكل !!؟ ... أليس نظام RAMED قد ابتكر لإضفاء لمسة من العناية و الاهتمام لأمثال هذه السيدة و مثيلاتها ؟ ... انصرفت مالكة و دموع الألم و "الحكرة" تنساب على وجنتيها و هي تردد "حسبي الله و نعم الوكيل" ... كل المغاربة يعلمون تمام العلم أن كل حق في هذا البلد إنما يغدو تجارة لدى المسؤولين، يحرمون منه مستحقييه و يبيعونه لمن يدفع مقابله دريهمات، و قد تناهى إلى علمنا من مصادر نثق في مصداقيتها أن الشيء نفسه يحصل بالنسبة للاستفادة من نظام المساعدة الصحية موضوع المقال، حيث يستفيد منه التجار الميسورون و يًبخل به على الفئات التي تقتات على الفتات حتى "يحكوا جيوبهم" ... ألم يعلم هؤلاء المسؤولون أن الكيل قد طفح بالمواطنين، و أن المرحلة الدقيقة التي نمر بها لا تسمح بهكذا ممارسات، و أن النخر في عود المجتمع و الشطط في استعمال السلطة و سلب الناس حقوقهم أعمال يجرمها القانون، و أن كل فرد في ظل الدستور الجديد الذي توافق عليه كل المغاربة لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يفلت من المساءلة القانونية ... فيا عجبا لشعب ملكه يحرث و أفراده يدكون !!! توجهت مالكة بعد ذلك إلى عامل مدينة ميدلت، راجية أن تلقى عنده بعضا من الانصاف لقضيتها، متأبطة طلبا خطيا بإعادة النظر في ملفها و أخذ ظروفها المادية و حالتها الصحية بعين العتبار ... تفاجأ المسكينة بأن مسؤولا آخر بالعمالة يمنعها من مقابلة العامل قائلا بالحرف الواحد : "واش تدخلي عند العامل بهاذ الحوايج ؟" ... لم يقلها حتى الملك في زياراته التي كان يخصصها للفقراء من رعاياه و أبناء شعبه ... كيف لهذا الذي قال أن يصلح موظفا لدى الدولة، و كيف لهذا العامل أن يصلح في مكانه كعامل يمثل صاحب الجلالة ؟ فإنما استأسد الأول لعلمه بتعالي الثاني و عنجهيته ... ألا يفهم هؤلاء أنهم أجراء عند الشعب لا أمراء عليه، إن كان الملك نفسه يعتبر أنه خادم الشعب الأول و الساهر على راحة الرعية، فكيف لهؤلاء الذي يقومون مقامه بحكم كيلومترات مربعة ينزلون أنفسهم منازل ليسوا بأهل لها ؟ متعالين بذلك على أبناء جلدتهم من المواطنين، و كأنهم فوق كل مساءلة أيا كان نوعها ... إن أوراش الإصلاح الاجتماعية و الأخلاقية على وجه الخصوص التي أطلقها ملك البلاد لا تلاءم أهدافها و هذه التصرفات الديكتاتورية و اللامسؤولة التي يمارسها بعض المسؤولين في الدولة ... يجب أن يعلم هؤلاء أن عهود قهر الناس و حرمانهم من حقوقهم بالباطل قد ولى إلى غير رجعة ... و نسأل ملك البلاد أن يضرب بيد من حديد على أمثال هؤلاء فهو يحرث و هم يدكون و هو يعمر و هم يخربون ... و لله الأمر من قبل و من بعد.