يشكل «السانديك» نقطة خلافية بين أطراف الملكية المشتركة، خاصة تلك الموصوفة بالسكن الاقتصادي أو الاجتماعي. لماذا تسود التوترات وتتولد الحزازات بين السانديك وبعض الملاك الرافضين لسلطته؟ هل يشكل السكن في الملكيات المشتركة تمرينا على الديمقراطية المحلية وعلى ممارسة المواطَنة؟ هذه مجموعة من ردود فعل صادرة عن الطرفين وهما يتابدلان الاتهامات. خمسون درهما في الشهر «بزاف عليا»! عانى السيد «السانديك» الأمرين وهو يشرح لشريكه في الإقامة أن المساهمة الشهرية واجب يحدده القانون وعلى كل منخرط أن يلتزم بدفعه حتى تشتغل المرافق المشتركة. كان الطرف الآخر بالمرصاد وهدم كل ما بناه السانديك في مرافعته «الضو ف الدروج ما عندي ما ندير بيه.. آسيدي قطعوه وهنيونا»! ليست هذه هي الحالة الوحيدة. اضطر السانديك إلى أن يتطوع ويطرق الباب مطالبا بتسلم مبلغ الانخراط الشهري فتلقى الرد القاسي «ساكن ف الريدشوسي.. ماشي حميدا أنا باش تريطني ف السانسور.. هاداك شغلكم انتوما»! يقسم بأغلظ الأيمان أن هذا ما قاله جاره عاريا من الحد الأدنى من اللباقة والأدب. لا يستعمل المصعد وبالتالي فهذه الخدمة لا تعنيه، ولا يمكن أن يتحمل مصاريفها. تتنوع ردود الملاكين، ويمكن للسانديك أن يتلقى عبارة من قبيل «ما عندي ما ندير بفام دو ميناج.. آسيدي المرا تخرج تسيق كدام باب دارها»! أو يرد رافعا التحدي «دروجي.. أنا نجففهم»! لا يستعمل المصعد، ولا يستفيد من إنارة «الدروج»، فلماذا سيؤدي مئة درهم على رأس كل شهر؟! لا يفهم هذه الوضعية التي يعتبرها مفارقة. إصرار الوكيل (السانديك) على تسلم الانخراط الشهري المتفق عليه بين جميع الملاكين، يكون سببا في اندلاع الحروب اليومية التي تدور رحاها في فضاءات الملكيات المشتركة، كانت مصنفة ضمن ما يسمى بالسكن الاجتماعي والاقتصادي، أو في غيره من الأصناف الأخرى. استغلال الصفة «غريب أمرو»! نعتت السيدة مليكة شخص السانديك بالغرابة. نعت يحتاج إلى التفصيل في مكوناته حتى يُستساغ مضمونه ويُستوعب. انطلقت قبل ذلك من تحصيل الحاصل حين أعلنت قائلة عنه «ساكن معانا وسانديك». لا بأس من الإشارة إلى هذا التصريح للوقوف على مدى استيعاب بعض الأشخاص لمفهوم السانديك. حدد واجب الاشتراك الشهري في مبلغ 60 درهما. لا يهم مبلغ الانخراط، لكنها تتهمه بعدم تحمل المسؤولية التي انتذب نفسه للقيام بها بالنيابة عن باقي الملاك. تساءلت في استغراب «شوف الاقتصاد كي داير؟!»، ثم انطلقت في تشخيص استغرابها بالملموس، من كون كل طبقة من طبقة الإقامة تضم ثمان شقق، وأن إنارة «الكولوار» تتطلب ثلاثة مصابيح كما هو مثبت في السق، لكن السانديك يكتفي بمصباح واحد من باب الاقتصاد في استهلاك الطاقة الكهربائية. تطوع زوجها واقتنى مصباحا وثبته في المكان المخصص الذي يقع مباشرة أمام باب شقته. «آش دار السانديك؟!»، صاغت استفهامها بنبرة الاستغراب دائما، ثم قدمت الإجابة التي تمنح الشرعية لاستغرابها قائلة «تحركت البولا.. حيد البولا ديالنا ودارها ف بلاصة البولا المحروكا». احتج الزوج على السانديك فقال له بالحرف «تماك تيهرسوها الدراري.. احسن ليها تكون هنا ف التيقار». اختار السانديك «الاقتصاد» أسلوبا في تدبير ميزانية تسيير الإقامة التي يشرف على مرافقها. تمر عاملة النظافة مرة واحدة في الأسبوع. إجراء ترى فيه السيدة مليكة أنه لا يكفي، ولا يراعي كثرة المستفدين من استعمال الباب و«الدروج»، خاصة وأن سكان أربعين شقة يستعملون هذا المرفق المشترك يوميا. تمتد سياسة «الاقتصاد» إلى باب الإقامة الذي لا يعرف الإغلاق. يظل مفتوحا ليلا ونهارا، وعندما طالب السكان وكيلهم بإجراء يضمن سلامتهم ويوفر لهم الإحساس بالأمن والاطمئنان، كان رده الجاهز «ما نقدرش نسد الباب والدراري يتبقاو معطلين حتى لاش من وقت ف الزنقا». السبب الرئيسي -في نظرها- يعود إلى كونه لا يريد أن يعين حارسا أو كما تقول «باش ما يديرش عساس». لا تتوقف المؤاخذات عند هذا الحد، بل تتهم السانديك باستغلال مدخل الإقامة لوضع أغراضه الشخصية وتخزين البضائع التي لها علاقة بالتجارة التي يمارسها. وهو ما تدرجه في إطار استغلال موقعه للاستفادة من المرفق المشترك الذي يملكه جميع سكان الإقامة. وقفت السيدة مليكة على عينة من المشاكل التي تعاني منها تجربة السانديك، والتي تتمثل في الكيفية التي يتوجه بها وكيل الإقامة إلى المسؤولية التي حمله إياها الملاكون المشتركون. يذهب حميد، الحاصل على شهادة عليا في العلوم القانونية، إلى احتمال وارد يَعتبر فيه السانديك الصفة التي حصل عليها «مصدر سلطة»! وعليه أن يستفيد من مزاياها! يُقضى الأمر ويحسم عندما ينتخبه «السكان» ويصير «رئيسا عليهم» أو كما يعبر عن ذلك بلغته «الشاف ديال ليموبل كلو وما خاصكش دوي معاه ولا تحتج عليه وطالبو بحقك»!.. «إلا كال ليك شي حاجا خاصك ديرها بلا ما تناقشو فيها»! يسطر على أن هذا الاحتمال وارد، ولكنه غير غير قابل للتعميم، ويحاول شرحه من كون المغربي العادي يتوهم هذه الأوهام الصغيرة والبسيطة. ينسى أن شركاءه في الملكية انتخبوه لينوب عنهم في تسيير أمور ملكيتهم المشتركة وتدبير مشاكلها العادية والطارئة. ينقلب إلى «حاكم» للملكية المشتركة! ويعتبر الصفة مصدر قوة تجعله فوق باقي الملاك! بل وتفتح له مجال للارتباط بالسلطات المحلية وممثليها! ويستمد من سلوكاتها في ما ينتجه من أفعال وهو يتعامل مع باقي الملاك الخاضعين له! يتصرف في الميزانية، ويغيب عن باله أنها «مال مشترك بين جميع المنخرطين»، وأنه لا يحق له التصرف فيه بدون موجب قانوني، وأنه سيحاسب على كل درهم صرفه. يفعل ما يحلو له في المرافق المشتركة، والتي يمكن أن يحولها إلى مرافق خاصة به! سلوكات منتظرة ويمكن إدراجها في سياق مقتضيات التحول الصعب إلى نمط التدبير المشترك للملكية المشتركة، وتلك المرحلة الانتقالية التي يستدعيها وآثارها الجانبية. ييترك حميد هذا الاستثناء الذي لا يؤسس القاعدة، ويميل هذا الإطار العالي إلى التجريد حين يستدعى إلى الحديث ذلك المفهوم المتعلق بتدبير المرفق المشترك وتسييره باعتباره مفهوم ما زال جديدا، ولم يحقق استيعابه من طرف الملاك المشتركين التراكمات الكافية. هل هي ذهنية سائدة؟ ما يُسَجَّل للسيدة مليكة أنها تطالب أصحاب الشقق بأن يتحملوا مسؤوليتهم من خلال الحضور إلى الاجتماعات، بل والمطالبة بها من أجل ممارسة حقهم في المتابعة والمحاسبة. ترى الحل في الإقامات الفاخرة «اللي ما فيهاش مشاكل». أما السكن الاجتماعي والاقتصادي، فيعتبر فيه واجب السانديك التزاما «فوق الحساب». ابتسمت المرأة الأربعينية وانطلقت في سرد لائحة التبريرات التي سجلتها ذاكرتها واحتفظت بها من وقائع حضرت إلى مجرياتها وعاينتها «هاديك مسكينة مات ليه الراجل.. هاداك الخلصا عندو عيانا يالاه مكافي مع الطريطا.. غالي عليا بزاف كون غير تنقصو ليا شويا». القضية فيها نظر ولا تحقق الإجماع. هناك من لا يتفق مع هذا الحكم. الحسين، أستاذ تعليم الثانوي، يعتبر هذا الحكم متسرعا، ويذهب إلى أن الوقائع تكذبه وتدحضه. دليله في ما يدعي أن عمارات يقيم فيها ملاك ينتمون نظريا للشرائح العليا من الفئات الوسطى، ومع ذلك تشهد التوتر نفسه والمشاكل نفسها بين السانديك والملاك. هل للأمر علاقة بذهنية سائدة تشترك فيها فئة عريضة من المغاربة؟! يمكن الوقوف على مقدمات للإجابة عن هذا السؤال من خلال سرد المزيد من المعطيات والوقائع ومحاولة إضاءتها من منطلق التجربة ومراكمة الخبرات الميدانية في المجال. تجربة شخصية حميد لا يتحدث من فراغ. مر من تجربة السانديك وخبر التعامل اليومي مع الملاك المشتركين. عانى الأمرين ليقنع الملاك بأن السانديك إجراء يفرضه القانون، وأن دفع الانخراط الشهري واجب يحدده ذلك القانون. بذل جهدا كبيرا على أمل إقناعهم بأن الإخلاء بهذا الواجب يعرض المالك للمساءلة القضائية. بل ويمكن أن يدفع ذلك الواجب تحت الإكراه بحكم قضائي، ويتحمل مصاريف القضية. قضى مدة طويلة في إقناع شركائه. تجربة لم ينس تفاصيلها الصغيرة والشائكة. كانت الانطلاقة من التوقيع على عقد تزويد «دروج» الإقامة والحديقة بالماء والكهرباء. استحضر تجارب بعض الإقامات التي عجز ملاكها عن إيجاد من يتحمل مسؤولية تسييرها، فتطوع وتحمل تلك المسؤولية لتنطلق المرافق المشتركة في الاشتغال. وقف من خلال تلك الممارسة التمثيلية والتسييرية، على أن البعض ما زال يعاند رافضا استيعاب ضرورة السانديك، ويصر على أن يدخل في مواجهات مع الأشخاص الذين يتطوعون أو ينتخبون لتسيير الإقامة. استحضر هذا السانديك السابق أن البعض رفض القبول بسلطته التمثيلية وأعلن العصيان من خلال رفض التعامل معه بصفته الرسمية، بينما خضع بعض الملاك مكرهين لهذا الإجراء القانوني وما يقتضيه ويترتب عنه. بدأت المشاكل في الالتزام بواجب الأداء الشهري. هناك من حسم الموقف وأدى مساهمة سنة كاملة، وهناك من فضل سلوك طريق المماطلة والتسويف وإرجاء تحمل مسؤوليته في الميزانية الشهرية للإقامة. قد يخوض السانديك «حربا» لا تتوقف معاركها مع باقي الملاك. قد يرفع التحدي في وجه الرافض للأداء «تخلص بحكم محكمة»! قد يلجأ بالفعل إلى القضاء في إطار الذهاب بالمشكل إلى حد الإكراه بحكم قضائي. يبرر ذلك قائلا «الناس خاصهم يترباو ويتعلمو يحترمو القانون والواجبات.. ماشي غير الحقوق». مع ذلك استخلص من تجربته الشخصية أن اللجوء إلى الإكراه ليس الحل الأمثل، ولايساهم في حل مشاكل تدبير الملكية المشتركة وتسيير مرافقها. ماذا يقع في هذه الحالة؟ ينتصب السانديك سلطة إكراهية مسنودة بالقانون والقضاء. سلطة مفروضة بقوة الإكراه، تتولد عنها العداوات والحزازات، ومعروف كيف يستوعب المغربي العادي مسألة «ديتيه وجرجرتيه ف المحاكم». ما الحل إذن؟ يعتقد أن الأمر يحتاج إلى نقاش مفتوح بين أطراف هذه العملية من أجل فهم دورها ووظيفتها. لا يغيب عن باله استحضار الرهان على التقاليد المغربية وتشغيل مفهوم «الجورا» والتعاون بين الجيران لحل المشاكل. يتذكر كيف كان «الكرايا» يسيرون المرافق المشتركة دون اللجوء إلى مالك العقار، وكيف كانت الأمهات يقمن بالتناوب في القيام بتنظيف تلك المرافق. يمكن قلب هذا المثال نقيضه إلى نقيضه المطلق باستحضار المشاكل بين «الكرايا»، لكن ليس هذا هو الموضوع. السكن في الملكيات المشتركة صار واقعا يوميا لفئة عريضة من المغاربة، وهو ما يستدعي فتح نقاش عمومي موسع حول هذا المعطى الجديد في حياة الناس، خاصة وأن نمط سكن المستقبل صار هو الملكية المشتركة. مقدَّم جماعة الملاك المشترَكين! لسبب ما شبه الإطار البنكي «السانديك» ب« شيخ الجماعة»! تراجع محمد عن التشبيه لما وقف على علامات الاستغراب ترتسم على ملامح وجه محدثه كأنه يطالبه بقليل من الجدية و«الكلام المعقول» الذي يقتضيه المقام. لم يتراجع عن ذلك التشبيه، وإنما راجعه مفضلا هذه المرة عبارة «مقدم الجماعة»! ثم أرفق هذا الحاصل عن شهادة عليا، تلك العبارة بالتسطير الضروري على «المفهوم القديم للمقدم». إنه الشخص الذي تنتخبه الجماعة وتقدمه لينوب عنها في قضاء حوائجها ومصالحها لدى الجهات المعنية بتلك الحوائج والمصالح. كيف يكون السانديك «مقدَم الجماعة»؟ إنه الممثل الرسمي والقانوني للأفراد الذين يشتركون في ملكية الإقامة. ينوب عنهم في التعامل مع الجهات الرسمية في ما يخص كل ما يتعلق بالمرافق المشتركة. يتعاقد مع الجهة المسؤولة عن تزويد تلك المرافق بالماء والكهرباء من أجل الإنارة وتشغيل المصعد. يتعاقد مع الشركات المتخصصة في قضايا الحراسة والأمن والنظافة، وينوب عنهم في الحصول على تراخيص الإصلاح والصيانة. علاقة شائكة جدا التسرع أحيانا غير مطلوب، وعلى المستمع التريث والانتظار إلى أن يقول حميد «السانديك شخص مكلف بتنظيم العلاقة الشائكة جدا بين مجموعة من المالكين لعقار واحد في نهاية المطاف، وهو ما يصطلح عليه بالملكية المشتركة». دور السانديك هو تسيير وتدبير وصيانة كل ما هو مشترك في تلك الملكية من خلال إشرافه على «الكراج والمداخل والدروج والسطح والحديقة والواجهة». «السانديك يمثل الناس الذين يملكون ذلك العقار بشكل مشترك»، أضاف الرجل المشرف على عامه الأربعين، من باب التأكيد، ثم انتقل إلى أن هذا «القاسم المشترك» يكون سببا في ظهور الحزازات والخلافات بين الأطراف المالكة لذلك العقار الواحد. الظاهر من كلام الرجل أنه يملك وعيا عميقا بالموضوع، خاصة عندما يعلن موضحا أن المغربي لم يستوعب هذا النظام الجديد في الملكية، ولم يتفهم مقتضياته والواجبات التي تترتب عنه، بل يدرج تلك الواجبات في خانة «الضريبة المفروضة عليه». «ضريبة إضافية» وعليه أن يتهرب من أدائها إن أمكن ذلك! يميل حميد إلى الاعتقاد بأن تصور المغربي العادي يقوم على أن الأمور حسمت بشكل نهائي في اللحظة التي اقتنى فيها شقته التي يؤدي أقساطها على رأس كل شهر. امتلك العقار وانتهى الأمر. يصعب إقناعه بأنه طرف من أطراف الملكية المشتركة، وعليه أداء واجب الانخراط الشهري في السانديك «الدار ديالو شراها وما بقاش خاصو ما زال يصرف عليها كل شهر.. باراكا عليه غير الطريطا». وبالتالي فالاستفهام المنتظر هو «داري شاريها وما زال باغيني خلص كل شهر.. علاه أنا كاري؟!». يطلب منه السانديك تحمل مسؤولية ميزانية تسيير مرافق تقع خارج حدود شقته «علاش غادي نخلص الضو ديال الدروج والسطح والصباغة؟!». لماذا يصوغ هذا الاستنكار؟ ببساطة لأن «الدروج ماشي ديالي.. والسطح الدار ما تينشروش فيه الحوايج»! أن يطالبه السانديك بأداء واجب الانخراط أمر غير مفهوم بالنسبة إليه «السانديك غير باغي يدي الفلوس ظلما»! من هنا تنطلق الحزازات وتلك العلاقة المتوترة بين الطرفين «والله ما تاخد مية درهم»! «والله تتدفعها وبزز منك»! «شغلك هاداك.. دبر على الفلوس.. ياك انت سانديك؟!»، وبالتالي فواجب الانخراط «مصروف زايد عليه»!. المالك لشقة في عقار ينتمي إلى الملكية المشتركة، لا تعنيه صيانة الملك المشترك وما يضمه من مرافق مشتركة. لا تتجاوز الصيانة -في معتقده- حدود المرافق الداخلية للشقة «نصلح داري.. الشي لاخر ما شغليش»! أساس المشكل في نظر حميد، يعود إلى أن المغربي العادي لم يستوعب -بعد- مفهوم الملكية المشتركة. انتقل من «الدار الكبيرة» أو من «دار الكرا» والمشاكل بين «الكرايا» ومع مالك العقار، إلى السكن في شقة ضمن ملكية مشتركة. ما زال يرفض تقبل الشروط والتبعات المواكبة لهذا الانتقال. من بين هذه الشروط مسألة التدبير المشترك للعقار وتحمل مسؤولية المشاركة في تسييره. يتعلق الأمر -مرة أخرى- بواجبات الانتماء إلى هذا النمط من الملاكين. يتمسك بالحقوق ويصير شرسا وعنيفا في الدفاع عنها، أما تحمل مسؤولية أداء الواجبات فتلك حكاية أخرى. هذه المعطيات المستمدة من التجربة الملموسة، جعلت حميد يخرج بخلاصة مفادها أن «مفهوم صيانة المرافق المشتركة مفهوم حضري». المغربي ما زال يعانى على صعيد تدبير «الشيء المشترك» مع الآخرين، ولم يستوعب مفهوم تدبير الملك المشترك وصيانته وتسييره باعتباره مفهوما حضريا. يتطوع هذا الجامعي ليقدم الشرح المطلوب. ينطلق من أن الملكية المشتركة نمط غربي له علاقة ب«السيتي». هذا هو ما يجعل المغربي يلاقي صعوبة كبيرة في الاقتناع بدوره وواجباته في تسيير «المرفق المشترك». مرفق لا يملكه لوحده وإنما يشترك في ملكيته مع أشخاص آخرين، غرباء، لا ينتمون إلى الأسرة. تداعيات هذه الذهنية تجد امتداداتها في العجز عن تدبير علاقته مع الآخرين الأغراب في الشارع ووسائل النقل المشتركة «بلاصتي ديالي أنا.. حقي ما تقربش ليه»! وفي احترام الملك العام حيث يسود منطق «ماشي ديالي بوحدي.. ماشي شغلي»! التمرس على الديمقراطية المحلية تدبير المرفق المشترك وتسييره مفهوم حضري. يتطلب هذا الكلام الكبير المزيد من التوضيح. يظن حميد أن تدبير الشؤون اليومية للملكية المشتركة نموذج مصغر لتجربة التسيير المحلي. يعتقد الإطار البنكي أن السانديك مجال خصب يسمح بالتمرس على العملية الديمقراطية انطلاقا من الترشح والانتخابات وفرز الممثلين الذين سيقومون بالنيابة عن السكان في تسيير شؤونهم وتدبير ملكيتهم المشتركة والسهر على جودة الخدمات المقدمة في إطارها. سند هذا المالك لشقة، في هذا الربط أن السانديك يقوم بتدبير المرافق المشتركة التي تشمل الواجهة الخارجية للإقامة وإنارة الدروج والسطوح والحديقة إن كانت متوفرة، زيادة على المصعد ونظافة المرفق المشترك وصيانته. لا داعي إذن للاستغراب. يلتقي السانديك والجماعة الحضرية في تقديم هذه الخدمات. «السانديك بحالو بحال رئيس الجماعة»! مرة أخرى لا داعي إلى التسرع في رفض هذا التشبيه. له ما يبرره ويجعله مستساغا لأن «السانديك مسؤول على الضو والما والجردا والنظافة والصيانة». يتصور حميد الملكية المشتركة كأنها جماعة حضرية صغيرة والسانديك رئيسها المسؤول عن تقديم خدمات القرب. تتجسد قرينة التشبيه في أن تراب الجماعة مرفق مشترك بين جميع القاطنين فيها وينتخبون فريقا من المستشارين يفرزون مكتبا ورئيسا، يحملونهم مسؤولية الإشراف على تسيير وتدبير ذلك المرفق المشترك، وفي أن السانديك رئيس جماعة صغير، يشرف على تقديم خدمات القرب من خلال تدبير الإنارة المشتركة والأزبال والنفايات والإشراف على النظافة وأعمال الصيانة. تتعقد الأمور في اللحظة التي يعتبر فيها هذا الحاصل على دبلوم الدراسات العليا، تجربة انتخاب الملاك المشتركين للسانديك وتكليفه بمهمة الإشراف على تدبير شؤون الملكية المشتركة، هو «مختبر» للتمرس على المواطنة. «تمرين على المواطنة» من خلال تحمل مسؤولية المساهمة الشهرية في ميزانية تدبير شؤون إقامة تتكون من عشرين شقة وحديقة ومرأب سيارات. التعاون بين السانديك والملاك «تمرين على الديمقراطية وسلوك المدينة». الانتقال إلى هذه المرحلة صعب وما زال يعاني من عدة كوابح تشد المغربي إلى ما قبل السلوك المديني. ما زال في طور الانتقال إلى استيعاب الملكية المشتركة ودوره باعتباره مالكا يشترك مع ملاك آخرين، واستيعاب وظيفة السانديك. خلاصة الكلام أن تجربة السانديك تجربة قصيرة وفتية. لهذا يدرج حميد المشاكل والحزازات والتوترات بين أطراف الملكية المشتركة في سياق تمرين صعب جدا، ويتطلب الوقت والتراكم الكافي لإنجازه بنجاح، واستيعاب آلياته وأخلاقه وسلوكاته. لحظة الانتهاء من هذا التمرين، يصير مالك الشقة «دافع ضرائب» مقابل الاستفادة من خدمات تتطلبها جودة الإقامة، زيادة على أنه يتمتع بدور المراقبة والمحاسبة للمسؤول المنتخب لفترة تدبيرية محددة بالقانون. السانديك «رئيس جماعة صغير»، منتخب ويشرف المالك على عمله ومدى نجاحه في المهمة التي انتخب من أجلها. لا مجال للتعميم عود على بدء. يساهم سي محمد بخمسين درهم شهريا في ميزنية تسيير عمارة تضم 16 شقة بحي أنسي بالدارالبيضاء. كل عمارة تتوفر على سانديك. المهم في الموضوع «ما كاينش مشاكل». لماذا؟ المساهمة «مقدور عليها». 800 درهم ميزانية شهرية. أنجز بها السانديك إصلاحات على مستوى أسطح العمارات وجدران الفصل بينها، وإصلاح مدخل كل عمارة، زيادة على صباغة الواجهة، وكلفة «الميناج» مرتين في الأسبوع. من جهة أخرى فقد تحمل كل مالك مسؤولية شبابيك النوافذ. لم يتدخل السانديك في الإشراف عن هذه المهمة، ولم يحضر هاجس توحيد شكل الواجهة والحفاظ على الانسجام بين شبابيك النوافذ. من جهة أخري فعلى كل مالك يتوفر على سيارة، أن يتحمل مسؤولية المساهمة في الأجرة الشهرية للشخص المكلف بحراسة السيارات. «علاش؟»، «حيت ما كاينش كراج ولا براكينك خاص بالإقامة». جمال زايد