عجبت ممن كان ثقيلا على أمه عند الحمل..مؤلما لها عند الوضع.. ينمو ويترعرع يشاكس ويشاغب..وهي ترعاه بالعين وتحضنه بالقلب..تساير حماقاته بالحكمة والصبر، حتى إذا اشتد عوده واستقام حاله، قابلها بالهجرعوض رد الجميل مع الشكر. يا عبد النساء ويا صنيعة الشيطان..أبشر بسخط من الله وعذاب القبر.. عجبت ممن يتقدم للناس بالوعود، يبتدئ بالقسم الغليظ ويختتم بإعطاء العهود..فإذا تربع على كرسيه المنشود ووصل على أكتافهم للمنصب الموعود، وضع يده في يد الناهبين وصار يهتم بتكديس النقود،وتصير حقوق الناس غزلانا تفترسها الضباع والفهود..لهؤلاء أتمنى يوما أسود يقادون فيه بالقيود، وذلة ترهقهم يوم القيامة أمام الشهود.. عجبت ممن تشاركه زوجته درب الحياة، يسكن بهما الموج مرة ومرات في اضطراب، تكد وتجد..تلد وتربي وتخصه برحيق الشباب..حتى إذا ترهل جسمها وذبل جمالها، قلب لها ظهر المجن ،أعطاها بالظهر والقفا واختار من الجمال ما فتن..وببرودة دم، يرميها كعظمة بالية لكلاب الزمن.. عجبت ممن وهبه الله عقلا يفكر به، ليختار بين الصالح والطالح ،والضار والنافع..ووهبه صحة جيدة لكسب قوت العيش ثم يحيى حياة العزة والكرامة إلى أن يحمل على النعش. لكن ياحسره ،تراه يمد يده إلى السموم، ويتعاطى المخدرات والخمور..وبعد أن كانت عجلة الحياة تدور، تعطّلتْ ، وتحول من ارض معطاء إلى قفر وبور..فياويحك وياويح من معك، هلكت وأهلكت أسرتك، وصرت عالة على الناس والمجتمع ..فما أضيعكْ ! عجبت ممن يظل ينبش بأظافره عن الدرهم، يحتال على الناس كالثعلب ويتقمص شراسة الضبع والضرغم..يداري ويصانع ونظره ليس أبعد من أنفه ،لا يهمه من هذه الحياة غير غيرإرضاء بطنه وفرجه، وما درى متى سيتوقف دماغه أو يسكت القلب، فينتقل من عالم الشهادة الى عالم الغيب. عجبت ممن أخلاقه طيبة، يحن على الفقير ، يوقر الصغير ويحترم الكبير.رزقه حلال وكلامه عذب زلال..ملك يمشي بين الأنام.. كله محبة وود ووئام...لكن حاله مع الله خطير،وإلى الهاوية يسير..لاصدقة ولاصلاة ..فياويحه من رجل هو عند الناس عظيم وعند الله ذليل حقير.. عجبت ممن يقصد الحمّام فيتطهر، ينقي جسمه من الأوساخ والدرن..وما إنْ يخرج وهو نظيف الثياب والبدن، حتى يتربع في التراب ويركل برجله الوحل.ذاك هو الحاج الذي قصد بيت الله الحرام، أحرم ورجم وطاف..خشع لله وسجد وتاب..ولما عاد ،عاد كالنارالتي شبت في الهشيم، يصيح ويشتم ،يحتال ..ينهب .. ينتقم ولا يرحم..هو وأمثاله إذا جاؤوا الى الفرائض تركوها ،وإذا خلوْا بمحارم الله انتهكوها..رأوا في الدنيا عسلا مصفى فطلبوا ودها، ونسوا عذاب القبر وأهوال الحساب وجهنم وحرَها.. أ. زايد التجاني