مجلس الحكومة يصادق على مشاريع مراسيم أحدهم يتعلق بعمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية    انتقاء 5 مستثمرين لإنجاز 6 مشاريع في الهيدروجين الأخضر ب3 جهات بالأقاليم الجنوبية (فيديو)    ممثل البنك الأوروبي للاستثمار يشيد بالتقدم الملحوظ للمغرب تحت قيادة جلالة الملك    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتابع وضعية الطفلة المعتقلة ويدعو لعدم نشر صورتها    مولاي بوسلهام: إحباط محاولة تهريب 5 أطنان و758 كيلوغراما من مخدر الشيرا وتوقيف شخصين    بايتاس: 12 ألف منصب شغل مرتقب في منطقة التسريع الصناعي ببن جرير    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    الفنان ابراهيم الأبيض يطل علينا باغنية "أسعد الأيام" في رمضان    مرصد: مؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالمملكة تسجل 2,04 مليون ليلة مبيت    بايتاس يطمئن المغاربة بشأن مراقبة المواد الأساسية ويؤكد على الوفرة في المنتجات    على عتبة التسعين.. رحلة مع الشيخ عبد الرحمن الملحوني في دروب الحياة والثقافة والفن -06-    "الفيفا" يدرس توسيع كأس العالم لكرة القدم لتضم 64 منتخبا    أفضلية إنجليزية وتفوق واضح للضيوف في ذهاب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا    بنخضرة تستعرض تقدم إنجاز خط أنبوب الغاز إفريقيا-الأطلسي بواشنطن    قمة الدول العربية الطارئة: ريادة مغربية واندحار جزائري    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    السلطات تمنع تنقل جماهير اتحاد طنجة نحو فاس لمؤازرة فريقها أمام "الماص"    مانشستر يونايتد يدخل التنافس على خدمات نايف أكرد    جون ماري لوكليزيو.. في دواعي اللقاء المفترض بين الأدب والأنثربولوجيا    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    أخبار الساحة    الكاف: إبراهيم دياز السلاح الفتاك لأسود الأطلس وريال مدريد!    الدريوش.. المحكمة الإدارية تقضي بتجريد 9 أعضاء بجماعة بن الطيب ورئيس وأعضاء بجماعة أزلاف    اتفاقية شراكة بين وكالة بيت مال القدس ووزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية للتكفل بالأيتام والأطفال مبتوري الأطراف ضحايا الحرب على غزة    شركة لإيلون ماسك تفاوض المغرب لتوفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في الصحراء المغربية    تأجيل العطلة البينية بين مرحب ورافض    تساقطات ثلجية وزخات مطرية قوية مرتقبة اليوم الخميس بعدد من مناطق المملكة    ارتفاع عدد ضحايا حادثة السير المروعة على الطريق الساحلي باتروكوت    إيرلندا تدعم جهود المبعوث الأممي    الملك يهنئ رئيس غانا بالعيد الوطني    الأداء السلبي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    قصص رمضانية...قصة الصبر على البلاء (فيديو)    سكينة درابيل: يجذبني عشق المسرح    توقعات نشاط قطاع البناء بالمغرب    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    عائلات محطمة بسبب مآسي الهجرة سباحة إلى سبتة مع تزايد أعداد المفقودين    "مرجع ثقافي يصعب تعويضه".. وفاة ابن تطوان الأستاذ مالك بنونة    الفاتنة شريفة وابن السرّاج    السعودية تدعم مغربية الصحراء وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لهذا النزاع الإقليمي    كأس العرب قطر 2025 في فاتح ديسمبر    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    تقارير تنفي اعتزال اللاعب المغربي زياش دوليا    بريظ: تسليم مروحيات أباتشي يشكل نقلة نوعية في مسار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    اليابان.. قتيل وجريحان في انفجار بمصنع لقطع غيار السيارات    البيض ماكلة الدرويش.. تا هو وصل لأثمنة غير معقولة فعهد حكومة أخنوش.. فين غاديين بهاد الغلاء؟ (فيديو)    المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني يعقد اجتماعا برئاسة شي جين بينغ لمناقشة مسودة تقرير عمل الحكومة    قمة أوروبية طارئة بمشاركة زيلينسكي على ضوء تغير الموقف الأمريكي بشأن أوكرانيا    أمطار رعدية في توقعات طقس الخميس    الأمم المتحدة تحذر من قمع منهجي لنشطاء حقوق الإنسان في الجزائر    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    أمن طنجة يحقق في واقعة تكسير زجاج سيارة نقل العمال    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسباب عذاب القبر
نشر في أخبارنا يوم 12 - 02 - 2015

مفارقةٌ عجيبة، ومباينةٌ غريبة، ترى الخطّ الفاصل فيها حاجزاً من تراب، وطبقةً رقيقةً من أديم الأرض، فبينما المرء يتأمّل شواهد القبور فلا يصكّ مسامعه غير صوت الرياح وهي تسفّ الرمال، إذا ببطون القبور تموج بالدواهي والمهلكات، والعذاب والحسرات .

تلك هي الحقيقة التي لا ممارة فيها، ولا مجال لتكذيبها، أن يكون للكافرين والعصاة من المسلمين نصيبٌ من أهوال الحياة البرزخيّة وآلامها، جزاءً من ربّك على الذنوب والمعاصي التي ارتكبوها، فنعوذ بالله أن نكون منهم.

ولعذاب القبر أسباب بيّنها الله ورسوله لتحذير العباد من الوقوع فيها، نُجملها فيما يلي:

أولاً: الكفر بالخالق وجحوده، والكفر كما هو معلومٌ رأس كل خطيئة وأعظم ما عصي الله تعالى به، ولئن كانت كلّ الذنوب داخلةٌ تحت المشيئة بين العفو والمجازاة، فإن الكفر لا يغفره الله أبداً مهما قدّم صاحبه من الأعمال الحسنة، وفي القرآن الكريم: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} (النساء:48)، ومقتضى ذلك أن يكون للكافر نصيبٌ من العذاب، ومبدأ ذلك حاصلٌ في القبر، وقد دلّت الآيات على هذا المعنى بخصوصه، قال تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق* ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد} (الأنفال:50-51)، وهذا العذاب المذكور في الآية من ضرب الوجوه والأدبار دون العذاب الأكبر يوم القيامة وقبله، يؤيّده ما جاء في الآية الأخرى: {فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم}(محمد:27)، يقول الإمام ابن كثير: "كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم وتعصت الأرواح في أجسادهم، واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضرب.

وفي الحديث الشهير المروي عن البراء بن عازب رضي الله عنه، والذي يبين فيه حال العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، وفيه: (فينادي مناد من السماء أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه) رواه أحمد، فأثبت الحديث تسبّب الكفر بعذاب القبر .

وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبرُ ستة أو خمسة أو أربعة فقال: (من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟) فقال رجل: أنا، قال: (فمتى مات هؤلاء؟) قال: ماتوا في الإشراك، فقال: (إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه). ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: (تعوذوا بالله من عذاب القبر) قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. رواه مسلم.

والحديث يرينا أن الدابّة التي ركب عليها النبي –صلى الله عليه وسلم- أحسّت بالعذاب الذي يتعذّب به المشركون حتى كادت أن تُلقي النبي عليه الصلاة والسلام من على ظهرها لشدّة نفورها وانزعاجها.

ثانيا: النفاق، والعمدة في إثبات ذلك قوله تعالى: { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم} (التوبة:101)، وأغلب ما ورد من أقوال المفسّرين أن إحدى المرّتين هو عذابهم في البرزخ قبل الآخرة، كما ورد عن قتادة وابن جريح وأبي مالك وغيرهم.

ثالثا: عدم التنزه من البول والنميمة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على قبرين، فقال: (أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله)، فدعا بعسيبٍ رطب فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال: (لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا) متفق عليه واللفظ لمسلم، والمعنى أن أحدهما كان لا يستر جسده ولا ثيابه من مماسة البول فيصيبه شيءٌ منه، ثم هو يٌصلّي بثيابٍ نجسه، فكان تركه لتمام الطهارة الحسيّة سبباً لبطلان صلاته، ولذلك استحقّ العذاب في القبر.

وأما الآخر فقد عُذّب بسبب النميمة، ولا عجب فالنميمة بما فيها من نقلٍ للكلام بين الناس على جهة الإفساد سببٌ لانعدام الثقة في المجتمع، وكم قُطِّعت من أرحام، وأثيرت من ضغائن، وهدّمت من بيوت، واشتعلت من فتن، بسبب هذه البليّة.

رابعاً: الغيبة: ورد فيها حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: بينا أنا أماشي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بيدي، ورجلٌ عن يساره، فإذا نحن بقبرين أمامنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، وبلى، فأيكم يأتيني بجريدة؟) فاستبقنا، فسبقته، فأتيته بجريدة، فكسرها نصفين، فألقى على ذا القبر قطعة، وعلى ذا القبر قطعة، وقال: (إنه يهون عليهما ما كانتا رطبتين، وما يعذبان إلا في البول، والغيبة ) رواه أحمد، ويُحتمل أن تكون هذه الواقعة تختلف عن الواقعة السابقة، والتي أخبر فيها النبي عليه الصلاة والسلام أن صاحب القبر عُذّب بسبب النميمة، لكن الظاهر اتحاد القصّة كما ذكر الحافظ ابن حجر.

الخامس: الغلول، وهو ما أخفي من الغنيمة عن القسمة، جاء فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: افتتحنا خيبر، ولم نغنم ذهباً ولا فضة، إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى وادي القرى، ومعه عبدٌ له يقال له مدعم، فبينما هو يحط رحل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه سهم عائر، حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئاً له الشهادة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بل، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارا) فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي -صلى الله عليه وسلم- بشراك أو بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (شراك أو شراكان من نار) رواه البخاري، والشملة هي الكساء الذي يلتحف به الرجل، والشراك هو السيور الذي يشدّ به النعال، والمقصود أن الحديث بيّن أن الغلول سببٌ من الأسباب المستوجبة للعذاب في القبر، ولذلك أوردها الإمام البيهقي في كتابه المتعلّق بإثبات عذاب القبر، وبوّب على الحديث بقوله : " باب ما يخاف من عذاب القبر في الغلول".

سادساً: عدم نصرة المظلوم، عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أٌمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه قال: علام جلدتموني؟، قالوا: إنك صليت صلاة بغير طهور, ومررت على مظلوم فلم تنصره) رواه الطحاوي في مشكل الآثار، وصدق الإمام القسطلاني إذ قال: " إن كان هذا حال من لم ينصره، فكيف من ظلمه؟".

سابعا: الكبر والخيلاء، خصوصاً إذا كان في المشية واللباس الطويل ونحوهما: ودليله ما رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خُسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ) راوه البخاري، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (بينا رجل يتبختر في حُلّة، معجب بجمّته –أي بشعره-، قد أسبل إزاره، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) رواه مسلم، والمعنى أنه يُخسف به في القبر ويغوص في باطن الأرض بحركةٍ تُحدث جلبةً وأصواتاً لا يسمعها البشر، ويظلّ على هذه الحال من العذاب والخسف إلى يوم القيامة.

ثامناً: الكذب، ففي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (..فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى) قلت: (سبحان الله! ما هذان؟) فكان الجواب كما في آخر الحديث: (إنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق) رواه البخاري ومعنى يشرشر : أي يقطع، والشدق: هو جانب الفمّ.

والحديث يبيّن خطورة الكذب، ولما كانت أعضاء الكاذب من عينه وأنفه تساعده على ترويج باطله وقعت المشاركة بينهم في العقوبة كما ذكر الإمام ابن هبيرة .

تاسعا: هجر القرآن بعد تعلُّمه، والنوم عن الصلاة المكتوبة: ففي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال في رؤياه: (أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى، قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟) فكان الجواب كما في آخر الحديث: (أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة) رواه البخاري، ومعنى يثلغ رأسه: أي يشقّه، ويتدهده: يتدحرج.

وقد تعلّق العذاب السابق بأمرين، كان الأوّل منهما: الأخذ بالقرآن ثم رفضه، والمقصود بذلك كما ذكر بعض العلماء أن يرفض تلاوته حتى ينساه، أو أن يرفض العمل به، قال الإمام ابن هبيرة: "رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة ؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه ، فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس ".

وأما النوم عن الصلاة المكتوبة فهو ما يكون على وجه العمد والإعراض عن القيام بها في وقتها، لاسيما صلاة الصبح ، لأن الله تعالى أكّد المحافظة عليها، وفيها تجتمع الملائكة، وأما من نام من غير تفريط وإصرارعلى الترك، فهو خارج من هذا الوعيد والله أعلم.

عاشراً: أكل الربا، فقد جاء في حديث سمرة رضي الله السابق: (فانطلقنا، فأتينا على نهر أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر له فاه فيلقمه حجراً فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجراً، فقلت لهما: ما هذان؟) فكان الجواب كما في آخر الحديث: (وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر، فإنه آكل الربا) رواه البخاري.

ووجه المناسبة بين الذنب والعقوبة، ما ذكره الإمام ابن هبيرة بأن آكل الربا عوقب بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة؛ لأن أصل الربا يجري في الذهب؛ والذهب أحمر؛ وأما إلقام الملك له الحجر؛ فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئا؛ وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد؛ والله من ورائه يمحق الربا.

الحادي عشر: الزنا، فمن المشاهد المذكورة في حديث سمرة رضي الله عنه : (..فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور، فإذا فيه لغطٌ وأصوات، فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، فقلت لهما: ما هؤلاء؟ ) فكان الجواب كما في آخر الحديث: (وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني) رواه البخاري، ومعنى (ضوضوا): أي صاحوا، واللغط: هي الأصوات المختلطة التي لا تُفهم.

ويلوح للمتأمّل وجه الملاءمة بين العقوبة والذنب، فقد عوقبوا بالتنوّر لتتقابل نار الجحيم بهيجان الشهوة ونيرانها، والتي جرّأتهم على مقارفة الذنب، وحُشروا في التنّور عراة لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة فعوقبوا بالهتك ، والحكمة في إتيان العذاب من تحتهم كون جنايتهم من أعضائهم السفلى.

الثاني عشر: أمر الناس بالبر وعدم الامتثال له، وفيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( رأيت ليلة أسري بي رجالاً تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم ، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون ؟! ) رواه أحمد، وتُقرض بمعنى تُقطّع. وعند البيهقي في شعب الإيمان: (خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون ، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به).

والذمّ المتوجّه في النصين السابقين لا يتعلّق بالأمر بالبرّ كما يتوهّم البعض، وإنما محطّ الإنكار مذكورةٌ في قوله عليه الصلاة والسلام: (وينسون أنفسهم)، فكان التوبيخ على المباينة الحاصلة بين الأقوال والأفعال، والاستنكار على علومهم المقرونة بترك أعمالهم، كما قال عزّ وجل: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} (البقرة:44)، وفي آيةٍ أخرى:{كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (الصف: 3).

الثالث عشر:الإفطار في رمضان من غير عذر، وفيه حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ( بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان ، فأخذا بضبعيَّ ، وأتيا بي جبلاً فقالا لي : اصعد . فقلت : إني لا أطيقه . فقالا : إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، فقلت : ما هذه الأصوات ؟ قال : هذا عواء أهل النار، ثم انْطُلق بي، فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قلت: من هؤلاء؟ قال: هم الذين يفطرون قبل تحلة صومهم) رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه، والضبعين: العضدين، والشدق: جانب الفم.

وبالجملة فإن عذاب القبر مقدّمةٌ للعذاب الأخروي، وما يُقدّره الله تعالى من العقوبة إنما هو أثر من آثار غضب الله وسخطه على عبده: " فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار، ثم لم يتب ومات على ذلك، كان له من عذاب البرزخ، بقدر غضب الله وسخطه عليه، فمستقل ومستكثر، ومصدق ومكذّب" .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.