يبدو أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد بلغت مرحلة كانت تنتظر منذ سنوات طوال،إذ من رحم كبريات المؤسسات السياسية الموجودة في البلدان الصانعة للقرار السياسي العالمي ولدت كتب سياسية صخبة تقعد لأهم النظريات المؤطرة لكل التحولات الماكرو سياسية الحاصلة في هذه الأقطار و في العالم ؛وأزعم أن نظريات سياسية من طينة "صدام الحضارات" "لسمويل هنتنغتن" و-" نهاية التاريخ والإنسان الأخير" لفرنسيس فوكوياما ثم نظريات أخرى لا تقل أهمية كنظرية" الفوضى الخلاقة" و"نظرية النافذة المفتوحة"...والتي يعود الفضل في إرسال قواعدها العلمية لمنظرين كبار أمثال برنارد لويس كان لها قصب السابق في التنظير لعالم الألفية الثالثة،عالم ما بعد سقوط جدار برلين وميلاد أطروحة النهايات كنهاية التاريخ ونهاية الفلسفة ونهاية الايدولوجيا ونهاية المشترك...و بالتالي التسويق لمفاهيم مركزية كاقتصاد السوق وتقديس الربح ودعم فكرة الفر دانية. لعل ما يقع حالياً في العالم على مستوى التقعيد لاتفاقية سايكس-يكو الثانية،مع وحدة المضمون واختلاف اللاعبين،وذلك في مضمار إعادة رسم مناطق النفوذ في الساحة الدولية وتحويل العالم إلى ملعب شطرنج كبير لخدمة المصالح الجيوستراتيجية للقوى العظمى مع السماح لقوى الهيمنة باللعب على جميع الأوتار بغية ضبط ميكانيزمات السيطرة على خيرات المناطق المستهدفة،فلا غرو أن يشكل إعدام الرئيس صدام حسين لحظة تؤرخ لبداية المؤامرة الكبرى التي ترنو إلى إعادة تقسيم البلدان لتجديد عمر الرأسمالية التي تقتني دواءها من صيدلية الشعوب لكي تقاوم مرض الشيخوخة الذي ينذرها بالزوال.ولا جناح أن نعترف أن تقسيم السودان كفكرة قديمة / جديدة طالما تراود صناع القرار الإستراتيجي في العالم من جهة للتعجيل بتنفيذ قرارات خطيرة كانت موضوعة في رفوف مكاتب اللاعبين الكبار منذ ما قبل وما بعد كسينغر ومن جهة ثانية لكبح جماح منطقة الشرق الأوسط خاصة بعد الحسم في حرب السيطرة على منطقة قزوين وتوجيه الأنظار نحو مناطق ما تزال بكرا على مستوى الثروات الطبيعية التي تثير لعاب الشركات الضخمة التي تحتكر أرقام معاملات أكبر بكثير من عشرات الدولة الإفريقية !! إن آليات التحليل العلمي الرصين إذاً تنقضي التسلح ببنادق المعرفة الإستراتيجية لفك طلاسم العلاقات الدولية المعاصرة المتداخلة العناصر.لست أشك إذاً أنا منطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا ستعرف مستقبلاً عدة مخاطر مما يهدد الأمن الإقليمي ويقتضي بالضرورة التسريع باتخاذ اللازم من الإجراءات حتى يتسنى تحصين الاستقرار والحيلولة دون الاستسلام أمام مختلف أنواع الضغوط التي تمارس، وستمارس بشراسة أكثر، في القادم من الأيام، وبناءً على ذلك يسترعي الوضع الإطلاع على المنتوج الفكري وعلى السياسات الكبرى التي تناقش في ردهات المصانع السياسية للدول العظمى.ولا نستغرب إذاً علمنا أن الرئيس باراك اوباما قد تحمل في أخر عطلة استفاد منها عبء قراءة خمسين كتاباً من تلك الكتب التي تؤطر ما يمكن أن نسميه بالعقل الإستراتيجي المعاصر.وذلك حتى ينجح في استيعاب أهم القرارات التي ستدافع عنها الولاياتالمتحدة مستقبلاً لضمان موطئ قدم في حلبة المصالح الحيوية لصالح الرأسمال أو لنقل لصالح رأسمالية الكازينو في إطار ما يمكن أن نسميه " المجال الحيوي الإستراتيجي لقوى الهيمنة الدولية". لا جرم، إذاً بناءً على ما سلف، أن نعيد التأكد على أن ما يقع الآن في منطقة الشرق الأوسط من همجية يتضارب فيه الاستبداد العسكري والإبادة الجماعية باسم الدين وما يرافق ذلك من تدمير مقصود،استنادا إلى دراسة علمية،في سياق الحروب الحضارية،للمآثر الحضارية العريقة واستنزاف خيرات الشعوب التاريخية في أهم تجليات الدفع بحركة الشعوب إلى الأمام لكن مع تركها في مفترق الطرق من خلال ضبط دقيق لمعادلة التغيير حتى يكون الربيع خريفاً وتتحول المعادلات رأسا على عقب بما يسهل عملية الاحتكار التي تضبطه قوى الهيمنة لصالح نصف حلول لا غالب فيها ومغلوب اللهم فتح باب جهنم على مصراعيه وبالتالي تيسير عملية الولادة القيصرية لعالم جديد الرابح فيه معروف منذ البداية والخاسر فيه كذلك يبقى خاسراً مع عمق الخسارة هذه المرة. إن هكذا تحليل لا ينبني على معالجة صحفية سطحية بل على أدوات علمية رصينة تعيد قراءة التاريخ السياسي والعقل الإستراتيجي لقوى الهيمنة الدولية منذ ما بعد نهاية الحرب الدولية الأولى و توريط الإتحاد السوفياتي في لعبة الحسم مع طوطاليتارية أدولف هتلر.وفي الوقت عينه الانقلاب على حليف الأمس في ظل الحرب المسمى باردة وهو ما انتهى فعلاً بانتصار الليبرالية التي استطاعت حماية الثورة المسماة إسلامية وتوظيف عراق صدام حسين لفرملة ثورة الخميني،وعليه فتح المجال أمام العقيدة والمذهبية كأدوات لصب الزيت على نار الشرق الأوسط ودعم الانقسامات المذهبية لصالح حروب طائفية تكرس أزمة الشرق الأوسط كهدف إستراتيجي.ويصعب أن نتصور الآن صراعات الشرق الأوسط من دون استحضار أهمية المذهبية/ العقائدية في صناعة الحروب وإن كنا ننتصر للاقتصاد كأداة وكهدف لكن العلاقة تبقى جدلية مع باقي أدوات التحليل وعناصر الفهم و التركيب. أما بالنسبة لشمال إفريقيا فالأكيد أن نهاية نظام استبداد العسكر بليبيا والقضاء على الدولة في هذا القطر الشمال الإفريقي، وخصوصاً مع بناء ركائز الدولة على أساس الولاء القبلي، وأداء الجماعات الإسلامية الولاء لنظام داعش الدموي الذي يمارس الإبادة الجماعية ويتفنن في ابتكار أدوات قتل وإبادة جماعية وفردية لم يسبق لها مثيل، أكاد أقول، وإذا أخذنا بعين الاعتبار العلاقة المشبوهة بين البوليساريو وبين مافيات السلاح في سياق جيوستراتيجي خطير في منطقة الساحل و الصحراء خاصة مع شساعة المجال الصحراوي لدولة الجزائر التي تعيش الاحتقان بسبب الانخفاض الكبير لأسعار البترول والمرض المزمن للرئيس بوتفليقة. كل هذه العوامل تقتضي وضع منطقة شمال إفريقيا في الوضع اللائق بها والذي لا يختلف كثيراً عن وضع دول أخرى مثل المملكة السعودية والبحرين.. وضعية المغرب في سياق التحديات الجيوسياسية لمنطقة شمال إفريقيا. يشكل المغرب الاستثناء في منظمة شمال إفريقيا و المغرب الكبير. فالمغرب هو القطر المتميز في تعامله مع مناخ ما يعرف ب " الربيع العربي" بحيث شكل المغرب الاستثناء بإعلانه رزمة من الإصلاحات في ثنايا الوثيقة الدستورية التي صوت لصالحها المغاربة بنسبة مرتفعة بما يعكس استيعاب الشعب المغربي لدقة المرحلة، و فعلا نجح المغرب في بناء تعاقد ديمقراطي جديد بين الملك و الشعب في إطار توافق جديد يوسع صلاحيات السيادة الشعبية، و لن نكون منصفين إذا بررنا جملة الإصلاحات هذه فقط بتأثيرات "الربيع العربي" بل من باب الإنصاف يجب القول إن المغرب شكل الاستثناء في "العالم العربي" منذ تأسيس هيئة الإنصاف و المصالحة وبناء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومن نتائج ذالك مسألة الماضي السياسي بجرءة و إنصاف الضحايا في إطار ما يعرف بجبر الضرر الفردي و الجماعي، وبصدق لعب صاحب الجلالة دورا طلائعيا في دعم مشروع المصالحة لصالح الحاضر عبر تجاوز مشكلات الماضي السياسي وبناء على ذلك نعترف بأهمية المكتسبات التي جاء بها الدستور الجديد في باب دمقرطة الدولة. ودعم مقولة الديمقراطية التمثيلية و التشاركية بما يعمق الاستثناء المغربي. قضية الصحراء المغربية على ضوء ما سلف. إذا اعتمدنا على مقولات سياسية كبرى مثل الدولة الأمة نجد المغرب أيضا يشكل الاستثناء، فالجزائر التي ربطت أمنها القومي بالمغرب منذ حصولها على الاستقلال لم تكن سوى قطرا تابعا للباب العالي العثماني تحت حكم الدايات في وقت لم يطأ فيه الحكم العثماني تراب المغرب. وتاريخيا تشكل الصحراء المغربية الامتداد الطبيعي للدولة المركزية منذ المرابطين إلى الآن. وتشكل سنة 1975 محطة حاسمة في إعادة الصحراء إلى حضن الوطن و توقيع معاهدة مدريد وهو ما شكل لحظة مفصلية في علاقة الجنوب بالشمال المغربيين،ومنذ 1975 والمغرب يسعى إلى بناء تنمية حقيقية في أقاليمه الجنوبية إنصافاً لساكنة الربوع الوفية بعقد البيعة مع سلاطين الدولة المغربية العلوية المجيدة ،ويبدو مؤكداً أن العودة إلى التاريخ السياسي للمنطقة يثبت صحة مقولة مغربية الصحراء.فعقود الزواج والطلاق وخطبة الجمعة وعقود الشراء والبيع كانت تسجل بشرعية المغرب. كما أن مقاومة قبائل أيت باعمران وقبائل الصحراء المغربية خاصة الركيبات للمستعمر الإسباني كانت حتى قبل خلق الكيان الوهمي المعروف بالبوليساريو،فهل يا ترى كان جنوب المغرب يوما أرض خلاء ؟؟؟ الأمر غير صحيح جملة وتفصيلاً فجيش التحرير المغربي و مقاومة احمد الهبة بن ماء العينين و أخوه مربيه ربه كانوا يقاومون الاستعمار منذ بداية القرن العشرين. أما تأسيس ذلك الكيان الوهمي فجاء في سياق الحرب الباردة وتأثرا بمقولة القومية العربية التي أرسى أسسها ميشيل عفلق ونفذها جمال عبد الناصر والقذافي وبوميدان في أرض مغربية لم تكن عربية يوماً. إن العودة إلى الطوبونيميا في منطقة الصحراء تؤكد صحة مقولة الأرض المغربية.ومن باب التأكيد يأتي مقترح الحكم الذاتي كحل قانوني/متحضر لحلحلة المشكل المفتعل، ولا يسعنا إلى أن نثمن عاليا الزيارة الملكية لأقاليم العيون والصحراء المغربية لتجديد أواصر البيعة بين الشعب المغربي والعرش العلوي المجيد والملك المناضل كله عزيمة وقوة للمضي قدماً في مسيرة البناء والتحديث. ولا شك أن الميزانيات الضخمة التي خصصها حفظه الله في هذه الزيارة إلى العيون تؤكد عزمه مواصلة تنمية الصحراء المغربية في ظل وطن يمتد من طنجاه إلى الصحراء،وسيواصل هذا الملك المناضل زيارته لمختلف الأقاليم الصحراوية الجنوبية من أجل صلة الرحم مع تلك الربوع المغربية العزيزة علينا ولإرساء لبنات تنمية بشرية حقيقية. فهنيئا لسكان الصحراء المغربية بصلة الرحم مع صاحب الجلالة وهنيئاً لنا المغاربة بهذا التميز المغربي الذي نحن جميعاً مطالبين بتثمينه وتقويته لتحصين البلاد من كيد الكائدين. ولا ريب إن ندعم عاليا ما ورد في الخطاب الملكي الأخير من صرامة و قوة وإصرار في رفع التحدي في وجه أعداء المغرب الذي أصبح واعيا بمقولة التقسيم التي تستهدف منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، والمغاربة كلهم عزم لتحصين بلادهم. فنحن المغاربة قد نختلف في تقديرنا للسياسات العمومية الوطنية، وقد نختلف في كل شيء لكن لا ولن نختلف أبدا في تقديس ثوابت الأمة. وعودة ميمونة لصاحب الجلالة لمواصلة صلة الرحم مع أهل الصحراء ولإتمام المشاريع الكبرى. فما على مغاربة تلك الربوع إلى الالتفاف وراء هذا القائد المناضل لإنجاح مسلسل بناء مغرب العهد الجديد. يتبع...