قبل الحديث عن العلاقة بين الإنتخابات و السياسية وعن الخلط الذي يحاول البعض إقامته بينهما، أود في البداية التطرق إلى كل واحدة على حدة . فالإنتخابات وسيلة عملية للتعبير عن رأي بالقبول أو الرفض. و يمكن أن يكون هذا الرأي سياسيا، كأن أختار أو أرفض شخصا لتولي منصب سياسي، كما يمكن أن يكون غير ذلك وفقا للهدف الذي تتم العملية من أجله. و للإنتخابات شكل و مضمون يحضران أو يغيبان معا في بعض الأحيان و يغيب أحدهما و يحضر الآخر في أحيان أخرى.أما السياسة فهي بصفة عامة تدبير و رعاية لشؤون الدولة و المجتمع. و تعنى في هاته الحالة الأخيرةبالعلاقة بين الممثِّل و الممثَّل في ما يتعلق بتسيير الأمور و التوفيق بين الإمكانيات و الطموحات. و لا علاقة لها بأي حال من الأحوال بالنفاق و الإنتهازية كما نلاحظه للأسف في مجتمعنا. و للسياسة قواعد يجب احترامها من طرف كل من يهدف إلى امتهانها أو يبغي ممارستها. فلكل مجال سلوكه و ضوابطه. و لأن وجهات النظر في التسيير و التدبير تختلف من فاعل سياسي إلى آخر فإن صراعا سياسيا ينشأ بينهما و يصبح كل منهما خصما للآخر يهاجمه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. و يصبحالتكتيكي و الإستراتيجي ، انطلاقا من الهدف الذي يريد كل واحد منهما الوصول إليه و الإمكانيات التي يتوفر عليها، رؤية ينتصرمن يحسن لهما التوظيف. إلا أن البعض، عن قصد، يجعل الإنتخابات و السياسية مرادفتين، و يسمي السياسة انتخابات و الإنتخاباتسياسة! و يجعل السياسة موسمية عوض تربية المواطن على الممارسة اليومية لها أملا في بناء ثقافة سياسية أسسها القيم الإنسانية العالية. تتولد عنها أخلاق و سلوكات ينضبط إليها المثقف و غيره و السياسي و خصمه و تكون قاعدة يسير على نهجها كل أفراد المجتمع. و يقيممن الإنتخابات ،عن سوء نية، غاية و مقصدا بدل اعتبارها وسيلة من بين طرق التعبير و الفرز بين وجهة نظر و أخرى و لحظة من لحظات الديموقراطية التي يمارس فيها كل فرد من أفراد المجتمع حقه في التفكير و الإختلاف. و لهؤلاء الأشخاص أغراض من وراء هذا النوع المبتذل من التفكير الذي يروجون له و الممارسة التي يقومون بها. فهم يستفيدون من جهل الآخرين، و يغتنون من إفقارهم و يحكمون بانصياعهم و امتثالهم. لا يبصرون غير مصالحهم و لا ينشغلون إلا بها. يجددون الإستعداد على مدار الساعة للدفاع عنها و الحفاظ عليها بكل الوسائل ،المشروعة منها و غير المشروعة.يترشحون و يستعملون نقودهم و يستغلون نفوذهم و ينجحون. يهزمون المهزومين أصلا، و يكرسون سيطرتهم و سلطتهم على المحكوم عليهم بالرضوخ و الإنصياع.يمارسون بهم و عليهم السياسة، هم "الأذكياء" يفكرون و يخططون، و الأغلبية "أغبياء" ينقذون و يطبقون، يقتادونهم كقطيع من الأغنام التي لا تسير إلا حيث يريد حارسها.يتبادلونالأدوار بينهم و المسؤوليات و يحافظون على الأفكار و الذهنيات، يغيرون الخطط و المشاريع، و يواظبون على النهب و الإستغلال... يشكلون الأقلية و يستفيدون من جل الخيرات.فمتى يعلم من يشكلون الأغلبية أن أكبر الرساميل بأيديهم و أن أقوى السلط لديهم؟عندما يحصل الوعي لدى هؤلاء المحرومين، و يعرفون أنهم مستغَلين، و أن كل ما يقومون به ليس في صالحهم، بل يزيد من تكبيلهم و عرقلة تحررهم، و أنهم بأفعالهم هذه يرهنون مستقبل الأجيال المقبلة. وقتئد فقط، سيستشعرون عسر الوضعية التي يوجدون فيها و سيتساءلون عن سبل الخروج منها. بعد ذلك ستكون لديهم أهداف تخصهم يريدون الوصول إليها، و سيبحثون عن الوسائل التي قد تمكنهم من تحقيقها. فيذلك الوقت بالتحديد، سيعلمون أنهم يملكون كل شيء، يملكون الحرية في التفكير و في الفعل، يملكون إرادتهم التي تشكل منبع قوتهم و كرامتهم.يملكون أنفسهم. أنذاك، سيجدون أفكارا تعبر عن آرائهم ، و ينتجون ثقافة تنسجم مع طموحاتهم، و يمارسون السياسة ضدا على خصومهم و سيذوقون طعم و حلاوة التأثير و الفعل في المجتمع ، لأنهم يشكلون الأغلبية، و يملكون الحرية في القرار و الإختيار.فيا من تنقصه هذه الملكة، تحرر من غياهب أفكارك و أوهامك، واخرج من صمتك و ارفع صوتك، إن ذلك عليك يسير.