المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    المغرب التطواني يهزم اتحاد طنجة    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    دينامية السياسة الخارجية الأمريكية: في نقض الإسقاط والتماثل    أنشيلوتي يدافع عن مبابي.. "التكهن بشأن صحته الذهنية أمر بشع"    الجزائر تعتقل كاتبا إثر تصريحاته التي اتهم فيها الاستعمار الفرنسي باقتطاع أراض مغربية لصالح الجزائر    مكتب "بنخضرة" يتوقع إنشاء السلطة العليا لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب في سنة 2025    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    موتسيبي "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة بالجديدة يحتفل ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط        كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاصرون بالثلوج: لو ترشح عندنا البغل لصوتنا عليه
نشر في بوابة إقليم ميدلت يوم 01 - 02 - 2015

هنا المعاناة مضاعفة.. قسوة الطبيعة تتحالف مع ضعف البنيات التحتية لتنتج مأساة تتجدد كل عام. «نحن محكورون»، هكذا يتكلم سكان «المغرب المتجمد»، الذين زارت « اليوم24» قراهم ومداشرهم التي حاصرتها الثلوج، فانقطعت أخبارهم وانقطعوا هم عن العالم. نساؤهم الحوامل يمتن قبل الوصول إلى المستشفيات، وأبناؤهم ممنوعون من الدراسة حتى «إشعار آخر»، فيما الحصول على حطب التدفئة المكلف يصير «ترفا» في أوقات كثيرة.
منذ ثماني سنوات والصحافة تكتب عن حال سكان المنطقة، إذ في كل سنة من فصل الشتاء يصبحون أبطال الصفحة الأولى، وبعدما يذوب الثلج، تذوب معه كل الوعود ويختفي كل الاهتمام، لقد أصبحوا يائسين وكارهين للإعلام والصحافة ورجال السياسة الذين يسوقون الوعود أمامهم، ويلتقطون الصور مع مآسيهم، «لم يتغير شيء، عشت هنا أربعين عاما ولم أر أي شيء يتغير ولم يطرأ أي تحسن على حالتنا الاجتماعية»، هكذا تكلم مصطفى العلاوي، وهو يقودنا نحو تيقاجوين أشد مناطق الأطلس برودة وقساوة وفقرا وتهميشا.
الطريق إلى الموت الأبيض
تستغرق المسافة بين خنيفرة المدينة، ومنطقة اغبالو حوالي ساعة من الزمن في أحسن الظروف، وإذا توافرت لك سيارة في منطقة يحاصرها الثلج منذ ثلاثة أسابيع، ويعزلها إضراب سيارات الأجرة وسيارات النقل المزدوج، الذي يستمر للأسبوع الخامس، فأنت من المحظوظين. الطريق المتعرجة، والتي تم فتحها مؤخرا بعدما أغلقت لأيام، آخذة في الصعود نحو قمم بيضاء تخفي وراءها مئات الأسر المحاصرة، إذ تكلف التوصيلة، ثلاثين درهما، «الخطافة» يستغلون الوضع ويرفعون السعر، وكراء سيارة نحو تلك المنطقة تكلف اليوم 400 درهم ذهابا فقط، انطلاقا من خنيفرة، من أجل الوصول إلى «اغبالو» آخر نقطة تحمل معالم الحياة .
هنا كل شيء أبيض مثل كفن عملاق، والناس يرمقونك، وفي عيونهم نظرة توسل علك تحمل بارقة أمل تخفف عنهم هذا الحصار الأبيض البارد. يصل مرافق « اليوم24» الفاعل الجمعوي مصطفى العلاوي الذي سيكون دليلنا نحو المناطق التي تعاني من التهميش والحصار. التعارف هنا يتم فقط، من خلال الملامح، فالتغطية تتقطع بشكل مستمر ما يجعل التواصل أمرا صعبا، لننطلق في رحلة أخرى، رحلة نحو أقسى المناطق المهمشة في عمق الأطلس، استعد سندخل طريقا وعرة نحو تيقاجوين، على الجنبات يرتفع الثلج الذي لم تزحه جرافة أو شاحنة مخصصة لإزالة الثلوج (حوالي 50 سنتيمترا)، وأغلب المسالك الممتدة على مسافة 22 كلم فتحتها سواعد الشباب والرجال الذين كانوا يجاهدون الثلج، فالطريق عندهم هي الجسر نحو الحياة..
طريق أم عقاب
ساعة نحو اغبالو وساعة إلا ربع نحو تيقاجوين، تفصل هذا المدشر الطيني المعزول عن أقرب مركز حضري، مع التنبيه إلى أن الرحلة تجري في سيارة جيدة، مسافة قد تطول لأربع ساعات أو أكثر إذا كنت فوق جرار أو كانت السيارة قديمة..
الطريق المهترئة تبعث اهتزازات قوية داخل السيارة التي يقودها «محمد بن العربي»، وهو فلاح من المنطقة، يقود وهو يشير إلى مدرسة معزولة وسط تلة ثلجية ويقول: «على الأطفال أن يقطعوا ثلاثة كيلومترات مشيا على الأقدام مهما كانت أحوال الطقس، آباؤهم أوصوهم بعدم الركوب مع من يعرض «توصيلة»، خوفا عليهم من الاختطاف»، بينما يجلس في الكراسي الخلفية « الشيخ حدو»، وهو حكيم أمازيغي ينظم شعرا لاذعا يبكي فيه حال منطقته. تستمر الطريق صعودا فيما برد قارس يلفح الوجه. أشعة الشمس المنعكسة على البياض الممتد تكاد تخطف الأبصار. بعد مرور 45 دقيقة بدأت المنازل البنية والرمادية تظهر في الأفق وخلفها صحراء من الثلج تتوسطها غابة من الأرز
ما يلفت الانتباه قبيل ولوج مدشر تيقاجوين، بناية أنيقة أحاطت بها أيضا الثلوج، وعليها لافتة كبيرة «المركز السوسيو ثقافي تيقاجوين»، ينطق حدو بالأمازيغية مشيرا بيده إلى المركز، فيترجم مصطفى، «هذا ما كان ينقصنا» سخرية لا تنقص سكان المنطقة التي تضم 465 أسرة منسية على علو يناهز 2500 متر عن سطح البحر.
وسط الحصار
على قارعة الطريق يصطف الرجال والنساء والشبان والأهالي وهم ينظرون إلى الوافد الغريب. نترجل من السيارة لنمشي فوق أرض طينية غير معبدة، ما يجعل خطر الانزلاق وارد في أي لحظة. يأتي الصوت العارف بالمنطقة منبها «الانزلاق هنا يعني الانحدار نحو الأخاديد والحواف الموجودة بكثرة في هذا المدشر وهو ما سبق حدوثه وتسبب في كسور ورضوض لبعض الأهالي..»
نبدأ في اكتشاف الوجه العميق للمأساة، تأخذنا الطريق المتعرجة المنحدرة نحو بطن الدوار، الثلج يرابط في عتبات المنازل ويعلو الجدران، وبعض المنازل لازال الثلج يجثم فوق أبوابها ونوافذها، كم استمر الحصار تسأل «أخبار اليوم»، يجيب مصطفى العلاوي، «استمر أربعة أيام .. أعقبتها ثلاثة أخر..وكلما أزحنا الثلوج إلا وأتت بعده عاصفة، فتعيد الثلج إلى مكانه، هكذا قد نستمر في هذا الصراع لمدة تفوق الشهر الواحد، لكن الخطير هو تعرض بعض المنازل إلى الانهيار ولما تُعلن حالة طوارئ داخل المدشر، نتوجه جميعا لإنقاذ الأسرة التي هدم الثلج منزلها».
نستمر في النزول وسط أزقة طينية يكسوها الثلج الممزوج بالطين وقد ازداد قساوة بسبب الندى الصباحي،
ازدحام كبير على السقي
رغم أن التوجه إلى العين ليس طقسا يوميا، فالمنازل مزودة بصنابير الماء الصالح للشرب، لكن العاصفة تسببت في انقطاع الماء بسبب عطل في «محرك» ضخ المياه المشغل للخزان، وذهبت معه سدى كل المحاولات والاتصالات من أجل إصلاح هذا العطل.
يستوقفنا مصطفى أمام منزل علاه الثلج حتى أصبح في مستوى سطحه، ومنزل آخر يصل الثلج إلى نوافذه، يقول امبارك أوعدي:» قد يصل الثلج إلى أزيد من متر وعشرين سنتمترا في بعض الأزقة، المنازل الطينية الهشة بهندستها البدائية لا تصمد أمام متر من الثلج».
على وقع حديث امبارك، نطل على رابية بيضاء تماما، يظهر منها خطوط ومربعات، يبدو أنها أرض فلاحية، وأد الثلج بذورها، وهو ما يعني موسما فلاحيا هزيلا، في بلدة ليس لها مورد سوى زراعة بضع حقول صغيرة من البطاطس، إذ يستمر العمل فيها مدة أربعة أشهر لتستمر بعدها البلدة وسكانها في سباتهم السنوي الذي يستمر 8 أشهر في السنة. هناك بضع رؤوس من الماشية ربطت بجانب المنازل ولا علف أمامها..
نهم ما يزالون محاصرين
نبدأ في الصعود، الطريق هنا مقطوعة تماما، لا شيء سوى الثلج والصقيع، الغابة تصنع حزاما في الأفق، وقد وضع الأهالي أحجارا ضخمة وسط الطريق. نستمر في التوغل أكثر في اتجاه المرتفعات، حيث يسكن محمد ايزم، وهو فلاح يعيش وحيدا، معزولا بعيدا عن تيقاجوين بحوالي 2 كلم، يظهر «ايزم» فوق بغلته، التي تغوص قوائمها حتى الركب في الثلج. يبدأ في الحديث إلى مرافقنا بالأمازيغية، وأنفاسه توشك أن تنقطع من شدة التعب. يبدو منزعجا يترجم مصطفى، لقد ضبط ايزم شخصا قطع أربعة شجرات أرز، وقد تطوع أحد الشباب لمطاردته وسط الغابة المكسوة بالثلوج.. مغامرة غير محمودة العواقب..
يتجه «ايزم» نحو المدشر ليتلقى إرسالية من صديق له عبارة عن دواء للنعاج التي بدأت في النفوق بسبب البرد. إنه مضطرب وقلق على نعاجه التي تعد مصدر رزقه.
ليس هناك ما يربط ايزم بالعالم الخارجي، حتى السكن، فإنه يقطن بعيدا عن الدوار، لكن ايزم هو «بوابتنا» نحو المناطق الأكثر عمقا. يحدثنا ايزم قائلا، «هناك عدة مناطق محاصرة تماما إلى يومنا هذا، مداشر اومزا وبوزال وترايرا وتافراوت المرابط، وهي كلها مناطق تبعد عن تيقاجوين بمسافة تتراوح بين 5 و8 كلم، ليس لديهم ماء ولا كهرباء ولا طريق، حتى الطريق التي يحفرونها أغلقها الثلج».
85 أسرة محاصرة إلى حدود كتابة هذه السطور، ايزم يساعد المرضى بحملهم فوق أكتافه أحيانا والخوض بهم في الثلج، وهو يعرض أيضا بغلته للمساعدة، بعد أن نفقت بغلته السابقة منذ سنتين بسبب الثلج، عندما انزلقت وسقطت. ثمن بغلة هنا ألفي درهم، وهو ما يوزاي حوالي ربع مداخيله السنوية.
في هذه المناطق ليس هناك سوى الظلام، فالإنارة التي يمكن استعمالها هي إنارة قنينات الغاز، وفي مثل هذه الأسابيع وصل ثمن قنينة الغاز الصغيرة، إلى ثلاثين درهما، في منطقة لا يملك سكانها ثلاثون درهما لسد الرمق..
نستمر في الصعود لمسافة كلمتر واحد لتقطع بعدها كل أسباب الحياة، لا نملك لهذه الدواوير البادية في الأفق شيئا، فبيننا وبينهم صحراء من الثلوج، نعود أدراجنا كي لا يدركنا الظلام، نصادف في الطريق موحا وهو يقود بغلته، يقدمه مصطفى إلينا، إنه موحا بائع الحطب، الذي يخرج يوميا في الخامسة صباحا، ليعود في المساء وهو يحمل أثقالا من الحطب.
« الحطب هو أهم شيء في المنطقة»، يقول موحا الذي لا يتكلم العربية، شأنه في ذلك شأن الكثيرين من السكان المحليين، «حزمة واحدة من الحطب تساوي 60 درهما وهو يكفي ثلاثة أيام، لكنه سعر للأيام العادية فقط، حين يكون الجو صحوا، لكن الثمن قد يصل إلى 150 درهما». المديرية الجهوية للمياه والغابات كشفت أن معدل استهلاك الأسرة الواحدة من الخشب يصل إلى 10 أطنان سنويا، لكن مصطفى العلاوي يصحح هذا المعطى قائلا، «لقد قمنا بعمل إحصائي ميداني تطوعي، إذ يعتبر المعدل السنوي لاستهلاك الحطب هو 25 طنا لكل أسرة». يودعنا موحا بالأمازيغية.. بينما يعلق مصطفى «البغل كائن ضروري، إنه عماد حياتنا ولا أحد يقدم لنا المساعدة من دونه، «لو ترشح البغل عندنا لصوتنا عليه».
حديث المحاصرين
نعود إلى المدشر المنكوب، هناك الكثير من الشباب يجلسون على ناصية الطريق، ومراهقون أزاحوا الثلج من مساحة مربعة ليلعبوا كرة القدم، بينما الأدخنة ترتفع من كل بيت وكوخ. الشمس شارفت على الغروب والليل قاس وبارد، ندخل فناء مسقفا بالخشب، حيث يتحلق رجال حول موقد حطب بدائي، إنه ما يمكن تسميته مقهى القرية، يتحدث علي أوعدي، وهو ناشط جمعوي وحقوقي وكاتب الحالة المدنية للجماعة القروية سابقا: «نجلس هنا 8 أشهر في السنة، فلا عمل لنا.. فالنشاط الوحيد الذي نقوم به هو جلب الحطب في الصباح، ثم تمضية باقي اليوم حول الموقد».
المشكل أعمق بالنسبة إلى باسو أوعدي، الذي سبق أن كان عضوا منتخبا في الجماعة القروية للمنطقة: «نحن لا نريد صدقة، نحن منطقة لنا مواردنا ولنا غابتنا، لقد أمضوا أزيد من أربعة عقود وهم يأخذون من غاباتنا لتنمية مناطق أخرى، لذلك منعناهم منذ 2003 من قطع الأشجار أو اقتطاع المساحات من غابتنا، لأنها تحتاج إلى راحة بيولوجية، ولذلك كونا لجانا لمراقبة الغابة بعد أن تضع مأمورية المياه والغابات علامتها، نأتي نحن وننزعها، لذلك يبدو أن رسالتنا قد وصلت. فغاباتنا تقتطع منها مربعات تُسمى «les coupes» تباع بملايين الدراهم لمستثمرين لا يلتفتون إلى تيقاجوين ونواحيها. فهناك 34 قطعة قطعت، ولك أن تحصي المبلغ، إنها تعد بالملايير التي لم تستفد منها المنطقة بأي شيء».
وهنا يتدخل مصطفى ليقول: «لقد نظمنا في نهاية السنة الماضية وقفة ومسيرة ضد إحداث بقع غابوية بغابة «إيدكل» بمنطقة أمالو نتوجوط من أجل قطع أشجار البلوط الأخضر، لأن ذلك يهدد الغطاء الغابوي بالمنطقة ويضر بالبيئة.
وفي هذا السياق وجهنا مراسلة إلى عامل إقليم ميدلت وإلى المدير الإقليمي للمياه والغابات من أجل التدخل لوقف العملية التي ستستنزف غابتنا، وكلما علمنا أن هناك عملية تهيئة بعض المناطق لإحداث بقع غابوية لقطع أشجار البلوط، نرفض ذلك بشدة..».
علي أوعدي، رئيس جمعية ايت حنين، يدلي بدلوه ويقول: «هل تريدنا أن نتركهم يخربون غابتنا ونصمت. لقد نهبوا خلال الآونة الأخيرة حوالي 1000 شجرة وهو السبب الذي جعل الساكنة تتحمل المسؤولية لتحمي الغابة. وهنا أطرح سؤالا أين هي المراقبة وردع المخالفين الذين يقطعون أشجارا عمرها يزيد عن 600 سنة،
ويخربون البيئة ويتسببون في دمار مخزونها الغابوي، الذي تعول عليه الساكنة المجاورة؟» ثم يخلص علي إلى القول: «كيف يعقل أن تستغل غابتنا لتنمية منطقة أخرى، ونحن في أحوج إلى تنمية نعتمد من خلالها على مواردنا الطبيعية التي تعرفها منطقتنا. إن اختفاء الغابة يجعلنا نفضل الهجرة بدل أن يقتلنا البرد القارس».«العزوف» هو الكلمة التي تتردد على كل لسان هنا، فالسكان هنا عازمون على مقاطعة الانتخابات المقبلة، يقول الشيخ باسو، نتيجة للتهميش والإقصاء وسياسة الأذان الصماء، والعزلة القاسية في كل فصل شتاء.
وفيات الحوامل والالتهاب الرئوي الحاد
السكان ينصتون إلى الشيخ باسو باحترام، وعند انتهائه من الكلام يتكلم ابن أخيه امبارك، هناك 465 أسرة خصصوا لها مستوصفا ليس به حتى مرهم للعيون، وممرض واحد مغلوب على أمره كأنه «تعيين عقابي»، يتدخل مصطفى بمناسبة الحديث عن الصحة: «قبل حوالي أسبوع، وفي إطار الحصار الثلجي، فاجأ المخاض سيدة حامل، قررنا المغامرة وحملها على جرار حتى أقرب نقطة في اتجاه «بومية»، كنا نسير قليلا وعند انقطاع الطريق ينزل الشباب ليزيحوا بمعاولهم الثلوج من الطريق، إذ كادت المرأة تموت».
يتقدم كهل أمازيغي يتحدث إلى مصطفى مرافق «أخبار اليوم»، يطول الحديث بينهما، تمتلئ مقلتي الرجل دموعا، فيشرع مصطفى في الحديث: «الشيخ سعيد آيت عزيز، وزوجته هي إيطو ايزم. منذ مدة تزيد عن ثلاثة أسابيع وهي تتقيأ دما، وليس له أي درهم لينفقه عليها أو يدفعه لمن يوصلها إلى المستشفى، إنها مصابة غالبا بالتهاب رئوي حاد بسبب البرد وهو مرض يصيب الكثير هنا».
يتدخل أحد السكان من الشباب قائلا: «أنا أيضا لدي مرضى في عائلتي بالمرض نفسه، لقد شاهدنا المساعدات تصل إلى أحد المداشر في التلفزيون، نحن لسنا حشرات نحن «محكورون».. بينما يقول سعيد أيت عزيز بالأمازيغية: أرجو منكم أن تكتبوا اسمي..
بسبب الطرق المحفرة والمسالك شديدة الوعورة، وعدم تعبيد الممرات التي تغلقها الثلوج، فإن الدوار والمناطق المحيطة به تشهد كل سنة وفيات في صفوف النساء الحوامل لصعوبة نقلهن، فضلا عن الاحتمال الكبير لحدوث وفيات ناتجة عن الحالات الطارئة التي تصيب الأطفال.
محمد بن العربي يعتبر أن مدخلا آخر يمكن أن يحل المشاكل التي تتخبط فيها فلاحة المنطقة، متسائلا «أين هو مخطط المغرب الأخضر. إذ في كل موسم، وبعد أن نجني المحصول المكون غالبا من البطاطس والتفاح وبعض المنتوجات الفلاحية الأخرى، نضطر إلى بيع منتوجاتنا بأقل الثمن وبالخسارة، أولا لصعوبة وصول التجار لهذه المناطق بسبب عدم وجود طرق معبدة، أو بسبب انخفاض الأسعار عموما. فهل يستطيع مخطط المغرب الأخضر، أن يحافظ على الثمن لكي نحقق الحد الأدنى الذي يضمن لنا العيش الكريم؟»
«آخر مساعدات كانت قد وصلتنا في 2012، بعدها لم نر شيئا»، يقول امبارك أوعدي، قبل أن يضيف «هناك من يروج عن سكان المنطقة أنهم أثرياء وأنهم يملكون هكتارات من التفاح، لقد رأيتَ كل شيء.. منازلنا ترابية تنهار تحت أول زخة مطر، والفئران تقسامنا صحوننا ورغيف الخبز».
نعود نحو خنيفرة، حيث الطريق مظلمة تماما، وصقيع الليل يباغتنا من كل الجهات، مخلفين وراءنا تيقاجوين وأومزا وتيرايرا المعزولة بأطفالها ونسائها، يلوحون بأيديهم نحو سيارة «الخطاف» الذي قبل أن ينقلنا إلى تيغسالين تحت جنح الظلام، ومن بعيد يقف الرجل الذي ينتظر مولودا جديدا وهو يتمنى أن يأتي المخاض زوجته نهارا وفي يوم مشمس..
نرفض الجهوية الموسعة ونرفض إلحاقنا بالراشيدية
سكان المنطقة صدموا عندما رأوا التقسيم الترابي الجديد المندرج ضمن مشروع الجهوية الموسعة، لقد ألحقت منطقتهم بجهة الراشيدية، وهو ما يعتبرونه حيفا حقيقيا. يقول عميد السكان الشيخ «باسو»، أي جهوية لم نُستشر فيها نحن لا نعترف بها. نحن ننتمي إلى خنيفرة وهي الأقرب إلينا، مصالحنا كلها قادمة من خنيفرة، هناك ثلاثة طرق رئيسية بالنسبة إلينا أولها طريق تبدوت، وطريق بوعمود، وطريق أبضغيغ، ثم كيف ننتقل إلى الراشيدية التي تبعد عنا بمئات الكيلومترات ونحن لا نجد ما ننفقه. طلبتنا ومرضانا كيف سنقوم بإرسالهم إلى منطقة تكلف على الأقل 250 درهما، لقد تلاعبوا بنا. هناك مواطنون لهم أولاد كل ابن مسجل في جماعة، يتدخل مصطفى العلاوي: «السكان يطالبون باستقلالية التسيير الإداري وخلق جماعة مستقلة بالمنطقة، إلى جانب عدد من المطالب ذات الطابع الاجتماعي.
ن جماعة ملوية العليا هي الأساس الذي نريد أن يُفتح الحوار من أجله، في أفق إحداث جماعة مستقلة قائمة الذات بدوار تيقاجوين، الذي يعتبر من أكبر المداشر هنا، نحن تابعون لإقليم ميدلت وتابعون لجماعة سيدي يحيا أيوسف، وهي الجماعة التي لا يتجاوز عدد الأسر فيها 200 أسرة، فيما دوار تيقاجوين يحتضن أكثر من 465 أسرة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.