كثر الحديث هذه الأيام على والي الأمن الجديد الذي يقال أنه تم تعيينه الأسبوع الماضي على منطقة أمنية تضم على الأقل مدن الرشيدية وميدلت والريش وكلميمة وأرفود. خبر التعيين، وإن لم يتسنى لي شخصيا التأكد من صحته، أعاد إلى الواجهة موضوع الجهوية الموسعة وتأثيرها على التقطيع الترابي الحالي. كما جدد مطالب الساكنة المحلية المتعلقة بنفس الموضوع. الحديث عن التقسيم الإداري والجهوية يتخذ بعدين اثنين. الأول متعلق بتحديد الأقاليم والعمالات والثاني مرتبط بإحداث الجهات. والسؤال الذي يطرح نفسه بحدة هو: ماذا سيكون مصير المنطقة الشاسعة الممتدة من تلسينت إلى إملشيل مرورا ببنيدجيت وكرامة والريش وزاوية سيدي حمزة وأملاكو وأسول؟؟ هذه المنطقة التي، رغم الارتباط الوثيق بين مكوناتها على جميع الأصعدة، تم توزيعها على أربع عمالات: الرشيدية وبوعرفة وميدلت وتنغير. عمالات نصفها فتية وتعاني مشاكل ونواقص عديدة في التسيير. بالإضافة إلى أن هذه العمالات هي بدورها مفرقة على ثلاث جهات جد متباعدة وهي: مكناس تافلالت، سوس ماسة درعة والجهة الشرقية. التقسيم الإداري ليس بالإجراء البسيط. بل هو أساس التنمية المحلية. وتأثيره على المعاش اليومي للمواطنين كبير. ففي ضل النظام الجهوي الحالي الذي يغلب عليه الطابع المركزي والذي لا يعطي صلاحيات واسعة للجهات نجد أن الموطنين يتأثرون بشدة بالتقسيم الذي ينتمون إليه. ويبدو التأثر جليا عندما يتعلق الأمر بالخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والتجهيز والفلاحة والأمن بالإضافة لخدمات الإدارة الترابية والمحاكم وغيرها. من هنا يظهر جليا أن التأثير بالإيجاب أو بالسلب سيكون أقوى عندما تعطى صلاحيات أوسع للجهات. لنفهم أكثر علاقة التقسيم الإداري بالمواطنين أعطي بعض الأمثلة. ولنبدأ بأكثر القطاعات أهمية، ألا وهي الصحة. يعرف الجميع أن مدينة الريش لا تتوفر على مستشفى بالحجم الذي يكفي لساكنة تمتد من كرامة إلى إملشيل وتزيد عن 140 ألف نسمة. وكل الحالات الخطيرة التي تصل إليه يتم إرسالها إلى مستشفيات مدن أخرى. في السابق كان مستشفى مولاي علي الشريف الذي يعد الأقرب (66 كلم من الريش) هو الذي يستقبل كل تلك الحالات. لكنه مؤخرا وبحجة الاكتظاظ أصبح يرفض النساء الحوامل اللائي يفدن إليه من المركز الصحي للريش لأنهن لسن ضمن تراب إقليمالرشيدية. الكارثة هي أن ميدلت بدورها لا تستطيع استقبالهن فيكون المصير المحتوم هو الذهاب إلى مدينة مكناس التي تبعد بأكثر من 260 كلم. مثال آخر... وهذه المرة في مجال العدل. فقضايا الاستئناف مثلا يتم إحالتها لمحكمة الاستئناف بمكناس وسجناء المنطقة يتم إيداعهم بسجون نفس المدينة في حين أنه في ضل التقسيم السابق كان كل ذلك بمدينة الرشيدية الأقرب جغرافيا. أما بعد بعض الجماعات عن مقار العمالات التي تنتمي إليها، فحدث ولا حرج. ونعطي هنا مثال بنتدجيت وتلسينت التي تشتكي من بعد مقر العمالة المتواجد ببوعرفة. وكذلك سكان جماعة أسول الذين لا يجدون أي علاقة تربطهم بالعمالة الجديدة بتنغير، فكل احتياجاتهم اليومية يقضونها بمدينة الريش التي تعتبر المركز الحضري الأهم بالنسبة لهم. أما في مجال الفلاحة، فالمشاكل تصبح أكثر حدة وأكثر غرابة. فالكل يعلم أن المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لتافلالت احتفظ بمنطقة نفوذه السابقة (إقليمالرشيدية سابقا). وهكذا فإن أراد مواطن من إملشيل مثلا أن يحفر بئرا فيجب عليه أن يحصل على ثلاث رخص: واحدة من مصالح العمالة بميدلت والثانية من مكاتب وكالة حوض أم الربيع من بنيملال والثالثة من المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بالرشيدية. ولكم أن تتخيلوا ذلك. كثيرة إذن هي تجليات تأثير التقسيم الإداري على المواطنين لكن لا يتسع المجال هنا لذكرها كلها. لتبقى أسئلة كثيرة بدون أجوبة. أذكر منها ما يلي: هل سيبقى تقسيم الأقاليم كما هو حاليا أم أنه سيتم إحداث أقاليم جديدة كإقليم تلسينت بنيدجيت مثلا كما يروج؟ أو إقليم الريش كما يتمنى ويطالب به بشدة سكان ومنتخبي وفعاليات المنطقة؟ وهل سيتم إحداث جهة ورزازات-الرشيدية كما جاء في توصيات اللجنة الاستشارية للجهوية الموسعة؟ وهل سيلتحق إقليم ميدلت بهذه الجهة؟ أم أنه هناك مقترح آخر يقضي بإحداث جهة تضم الرشيدية وبوعرفة وميدلت وربما تنغير كما يروج كذلك مؤخرا؟ قد لا ترغب منطقة ميدلت في الانضمام إلى جهة الرشيدية كما لا ترغب منطقة الريش في الانضمام إلى جهة بنيملال، فهل سيكون ذلك سببا في الطلاق المبكر بينهما؟؟؟ أسئلة وأخرى لا تجد أجوبة لها لحد الساعة في ضل تعتيم على مستوى الحكومة ودواليب الدولة المكلفة بالموضوع. لكن المؤكد هو أنه لا سبيل لنجاح أي تقسيم إن لم يراعي خصوصيات كل منطقة وإن لم ينبني على مقاربة تشاركية. من هنا، أدعو لحوار محلي لدراسة كل المقترحات المعروضة. كما أذكر بالمطلب القديم المتعلق بإحداث إقليم الريش الممتد من بنيدجيت وتلسينت إلى إملشيل وأسول وضمه لجهة يكون مقرها بمدينة الرشيدية. حيث أظن أنه الحل الأنسب لهذه المناطق.