الشعب المصري وكل الشعوب التي دخلت سكة التغيير التاريخي بدأت تتعلم الدروس لا من الكتب و المحاضرات و الخطب فحسب بل من تجاربها اليومية المريرة، فالتعبيرات العامة المجردة التي تكتسي اللباس الديني و الاخلاقي لم تعد تجدي او تقنع الملايين التواقة الى الحرية و الكرامة و الحد الأدنى من العيش الكريم . ان خروج الملايين مرة اخرى الى ساحة التحرير هو بداية القطيعة الابستمولوجية السياسية مع الوهم السياسي الاخواني ومن يدور في فلكهم من السلفيين و الاصوليين ، ومن سخرية التاريخ و جديته في ان معا التي لاترحم ان يجمع قدرهم مع قدر الديكتاتوريات و ليس مستبعدا ان يلتقي رموزهما معا في السجون . ان الشعب المصري كان ذكيا عبقريا لأنه ادرك انه يمتلك عربة واحدة لنقل ازبال التاريخ ، لذلك اقتصر بداية في حمل كومة حسني مبارك وبعد افراغها عاد لحمل كومة الاخوان في زمن قياسي. وهاهم اليوم نزلوا ليجددوا ثورتهم كما يجددون وضوءهم قبل كل صلاة لان الثورة شان البدن تحتاج الى الطهارة متى دنست . مخطئ وواهم من يعتقد ان الاخوان يؤمنون بالديمقراطية لانهم لم يقرؤوا الف بائها و غريبة عنهم غربتهم عنها ،و بالأمس القريب اعتبروها كفرا و معتنقوها كفارا وجب اقامة الحد على رقابهم .قتلوا فرج فودة وكفروا ناصر حامد ابو زيد وطلقوا منه زوجته التي التحقت به فورا الى منفاه وهم لا يدركون ولا يفهمون ان الزواج للروح قبل الجسد و اعلى وارفع من عقد يسمونه عقد النكاح ... الديمقراطية و الشرعية ليست هي الصندوق كما يروجون حاليا وانما هي اولا الايمان بمركزية الانسان في الكون ولاشيء يسمول عن حقوقه الكونية و الشمولية في وحدة لا تتجزأ. الديمقراطية هي القطيعة السياسية و الاقتصادية مع الامبريالية العالمية التي يستحيل دونها تحقيق العيش الكريم ، هي حرية التعبير و المعتقد، ام الحريات و اصلها . ولايمكن ان ننسى ان الاخوان بالأمس القريب اعتبروا الديمقراطية كفرا و معتنقوها كفارا . لم يكن هم الاخوان سوى الوصول الى السلطة لذلك كانوا اول المغادرين لساحة التحرير بعد سقوط مبارك مسرعين لعقد الصفقات مع الجيش و كان ذلك حاسما في اجهاض جوهر الثورة ، فعجزوا عن اتخاد القرارات التاريخية الحاسمة لانهم لا يقرؤون و لا يستنطقون التاريخ و لا يرون ابعد من انوفهم لان الشعب في نظرهم ليس سوى قطيع و ارقام و اصوات انتخابات ، فالمجتمع يختزلونه في مجالسهم و شيوخهم ، اهل الحل و العقد ، و لا يتقنون الا لغة الافتاء و التحريم و التكفير . يتحدثون الان عن الشرعية لانهم عاجزون عن فهم كون مصر تعيش زمن الثورة الذي لا يعترف الا بالقرارات الشعبية الثورية و يختصرون كل شيء في انفسهم و المعارضة و الجيش، و كل هؤلاء وان كانوا الان يؤثرون في الأحداث فانهم لن يحسموا ابدا مصير الثورة التي يقودها البائسون المحرومون و الجياع و البسطاء و الفلاحون و العمال و المعطلون و الشرفاء من المثقفين. لقد سقط الاخوان و اذيالهم و حتما سيعودون الى قدارتهم ليفجروا الكنائس و المقاهي و يغتالوا السياح و كل الرموز التي تخالفهم ، لان لغة الارهاب هي الوحيدة التي يتقنون ، لكن الشعب المصري لفظهم كما لفظ الديكتاتور السابق ، ولن تنطلي عليه بعد الان خدع السياسة المغلفة بثوب الدين . وهاته بدورها ليست سوى حلقة من مسلسل الثورة التي تنتظرها فصول عديدة ،و الاكيد هو ان الشعب بدأ يعرف طريقه و سيضيف قبضته الى كل شعوب العالم في ثورة لن تحسمها الا عالميتها . ابراهيم سلاك