بقلم: ذ. عبد الواحد ايت الزين لنتصور مفكرا حرا منتميا إلى التيار العقلاني ادعى الادعاءات التالية: إن قتلى أحد طرفي الصراع السياسي في الجنة – الطرف الذي ينتمي إليه- وقتلى الطرف الثاني في النار. إن الوقوف في ساحة ما؛ له أجر يضاعف أجر الوقوف بعرفة. إن جبريل قد نزل إلى هذه الساحة . إن نبي الإسلام طلب من رئيس دولته – دولة هذا المفكر- أن يؤمه في الصلاة. وأن يقول عن أحد أصدقائه السياسيين بأنه مقرب إلى الله عز وجل. ولنتصور حجم «الحملات التكفيرية» التي قد تشن عليه، من طرف «الأئمة ومشايخ الإسلام»، والأكيد أن مثل هذه الادعاءات غير المنطقية، تحمل مبررات عديدة لإضفاء الشرعية على ذلك، طالما أن هناك هجومات عنيفة في حق من قال بأقل من هذا، فما بالك في هذا الذي يطعن في «عقائد المسلمين بشكل مباشر»، باتخاذ هواه (الادعاءات أعلاه) إلهه – بلغة أهل دار الإسلام- كما هو حال المشار إليهم أعلاه، وهكذا إذا وضعنا أنفسنا في مقام مدعي الدفاع عن الملة والعقيدة، فمن الواضح أنه لابد من مواجهة مثل هذه الأفكار لمسها «الحقيقة الدينية» مسا مباشرا، لكن – وهذا من غرابة الأمور في حراك التكفير- أن تمر هذه الأفكار في صمت، دون إثارة الضجيج المعهود حولها، كما عودنا على ذلك المتشددون الدينيون ببلدان شمال افريقيا والشرق الأوسط، رغم خطورتها على عقائد المسلمين، وحتى تعلموا سبب مرورها على هدوء «خطى الحمائم»، فلأن القائلين بها هم جماعة «الإخوان المسلمين بمصر». إن هذه «الادعاءات» المشار إليها سلفا، لهي دليل قاطع على استغلال الإخوان للدين الإسلامي، قصد التأثير على وجدان الشعب المصري، وهي كافية للإنسان المسلم عموما حتى يعلم خطورة «الزج بالمقدس» في «معترك المدنس»، وما حالة الإخوان المسلمين، سوى شاهد على هذا، إذ كيف يعقل أن ينصب إنسان ما نفسه مكان الله، ليخطب في بضعة آلاف أمام ساحة رابعة العدوية، مكفرا الملايين من معارضيه السياسيين، وحاسما في أمر دخولهم إلى نار جهنم –والعياذ بالله- مقابل دخول أنصاره إلى الجنة، ولعل ذلك طعن مباشر في «الذات الإلهية»، وتدخل في أمور غيبية، أجمع الفقهاء وعلماء الدين أن لا علم بها إلا لله. هذا بخصوص الادعاء الأول، أما الثاني والثالث، فهما أفظع وأشد، حيث يعبران عن مدى «الاستغباء الديني»، الذي تنتهجه الجماعة في حق المصريين، إذ كيف يعقل المقارنة بين «رمز تاريخي وديني وثقافي» اسمه عرفة، يمتد لآلاف السنين، وبين ساحة أهم ما فيها اسمها، ذلك الاسم «رابعة العدوية»، الذي يشكل عقدة لجل الجماعات الإسلامية، فإذا به قد صار على طرف لسان كل «متأخون». لتتضاعف درجة «الاستغباء»، عندما توظف أبواق الجماعة «اسما ملائكيا»، له خصوصياته في المخيال الجماعي للمسلمين، خدمة لأغراضهم الدنيوية السياسية، إذ يطرح سؤال حول التبريرات التي أبدعها «الفقه التبريري» لشرعنة كذب فقهاء الإخوان على العامة وحديثهم عن نزول جبريل إلى جموع من الناس، غرر بهم من طرف البعض لحملهم على خدمة «أهواء سياسية للجماعة»؟. لقد صدق ثروت الخرباوي حقا، عندما قال عن هذه الجماعة – وهو الذي كان من أبرز المنتمين لها عدة سنوات، وخبر دهاليز معابدها وطقوسها- بأنها «جماعة دعوية ضلت طريقها إلى السياسة، زعمت أنها تريد أن تصلح السياسة بالدين، فأفسدت دينها بالسياسة» (سر المعبد، دار نهضة مصر للنشر، الطبعة 13، ص 92). لاشك أن الغريق عند شعوره بالإختناق، لايحسب للسانه حسابا، فتجده يخبط خبط عشواء، وذلك ما ظهر جليا في محاولة الإخوان رفع «الرئيس المخلوع» إلى مراتب القداسة، بل وتقديمه على من يعتبر أحسن الخلق لدى المسلمين، فألا يذكرنا كل هذا بأساليب «الكنيسة الوسيطية»؟ لعله من الواضح، وجود تشابهات عديدة بين أساليب الإخوان وأساليب الكنيسة خلال القرون الوسطى، خاصة من حيث استنادهما على الدجل والكذب باسم الدين، فقد رأينا صيغة جديدة من صيغ «صك الغفران»، الذي اعتبر لحظتئذ بمثابة تأشيرة مرور إلى الجنة، من خلال تأشير الإخوان للمواطنين على دخول جنات النعيم، بمساندة مرسي، وجهاد معارضيه، والاحتجاج بساحة رابعة، وسفك دماء المحتجين. إننا نعرف اليوم وجها جديدا من وجوه الاستغلال البشع لمشاعر المسلمين وتوظيفها في صراعات سياسية، لا تمث بصلة للإسلام، ف «جماعة الإخوان»، لا تتوانى في تصوير معارضيها كمعارضين للإسلام، (نحيل إلى الشعارات التي ترفع في المظاهرات المؤيدة للمخلوع مرسي)، ومن يكفر بتعاليمها فهو يكفر بتعاليم الإسلام، ففي عرفهم أن هذه من تلك وتلك من هذه، والواقع أن العكس هو الصحيح، ولعل سابق كلامنا وضح بالملموس حسن توظيفهم لذلك، من أجل تحوير الصراع من صراع سياسي محض إلى صراع ديني، وهو مايزداد وضوحا في تناقضات فتاوى «القرضاوي»، فهو مرة يفتي بجواز الجهاد ضد «الحكام» (خاصة في سوريا)، ومرة يفتي بتحريم الخروج عليهم، مما يؤكد الدور المزدوج للدين في أدبيات «الإسلام السياسي»، حيث يمكن أن يكون بمثابة حبوب منشطة مهلوسة، لتحريض الشارع ضد «الخارجين» عن طوع الجماعات الإسلامية ، كما يمكن أن يلعب دور صمام الأمان/ الكابح لثورة الشعوب في حالة كانت هذه الثورات ضد «ريح الإسلام السياسي». إذن هناك انتقائية جلية لدى الجماعات الإسلامية، في التعامل مع النصوص الدينية، حسب منطق المصلحة والمنفعة، ولابد للبسطاء من الناس من المقارنة بين مواقفهم ومفارقاتهم، حتى يتبين أن الإخوان ومن يلف لفهم من أكبر الخارجين عن دين الإسلام، فإن وافقنا التكفيريين في فتاويهم التكفيرية، فلابد أن نفتي بكفر الإخوان وخروجهم بادعاءاتهم عن العقيدة والإيمان، وذلك خير دليل أن الكفر بالإخوان لا يعني بالضرورة الكفر بالإسلام، كما يحاول «رفاق البل» ط «اجي» إيهامنا، وقد لوحظ ذلك عند خروج كل الفئات العمرية وبكافة انتماءاتهم الدينية، للاحتجاج على مشروع «أخونة» مصر، فالكل يتذكر صورة المنقبات والملتحين الذين ظهروا على شاشات التلفزيون يحمدون الله لأنهم سيقضون رمضان بدون إخوان، وكذا اصطفاف العديد من السلفيين (حزب النور) إلى جانب الثوار، فهل كل هؤلاء كفرة فجرة، والإسلام حكر على الإخوان !!! لاشك أن ذلك صحيح في «دين الإخوان»، الذي يوجد على طرف نقيض عن «دين الإسلام»، فدينهم يدندنون فيه بوصايا وأحاديث «المرشد» (البنا، الهضيبي، سيد قطب، مصطفى مشهور، محمد بديع…)، مقابل حديثنا كمسلمين عن آيات الله، وسماحة الرسول وعدل الفاروق، وعليه يا أخي المسلم المتأخون، فلتجهز سيفك ونطعك فقد كفرت بدينك، نعم أقولها ملء فمي أنا كافر، كافر ب «دين الإخوان»، مؤمن بدين السلام والمحبة والرحمة وذلك هو الإسلام، ف«الكفر بالإخوان» لايعني الكفر بالإسلام…