تجنبنا في أكثر من مرة الحديث النقدي عن مسار الجامعة الوطنية للتعليم بالإقليم في انتظار الوقت المناسب أولا وتجنبا لأي تشويش محتمل قد يفهم أو يؤول لصالح اتجاه لايهمه سوى اسر الحركة النقابية وبالتالي سجنها في زنزانة انفرادية . لكن الحقيقة الساطعة التي كنا نخشاها بالأمسأصبحت اليوم واقعا لكثرة السجانين المتربصين الذين افلحوا في اعتقال النقابة المهرة , لكن نؤكد أن هذا السجن ليس حتميا و لا قدرا بل مرحليا لان المهرة لن تروض مهما بلغت الدسائس و الطبخات و الشطحات والسقطات و سينبعث طائر الفينق من رماده . نحن واعون بحجم الأزمة خصوصا حينما يتعلق الأمر بالولادات القيصرية حيث يرتهن مصير التنظيم بمولديه ينتعش بانتعاشهم و يتطرف بتطرفهم و يبدو أملا زائفا بحماسهم العابر لينكمش بيأسهم و يسقط بسقوطهم. هذا هو حال التنظيمات النخبوية العاجزة عن اختراق وعي الجماهير , العاجزة عن رص الصفوف وتوطيد اللحمة و بناء الفكر المناضل و تشييد صرح الثقافة الثورية الهدامة للبناء المهترئ الأيل للسقوط وو ضع اللبنات الأولىللإنسان الجديد و التنظيمات الجديدة بروح لا تلين و لا تخاذل . إن سفينتنا في تيه مزمن في أحسن الأحوال و في أسوئهافإنها تسير في اتجاه ريح صرصار بإرادتهاأو بدونها . فشلت في وضع أجندة خاصة بها وأصبحت تسير وفق أجندات يحددها الغير أو تطارد الساحرات قفزا عن الألف باء الذي تعلمناه في مدارس الحركات النقابية , فلا باس إذن من التذكير بها في حروف معدودة . إن التملك المعرفي للواقع من خلال الفكر والإدراك الواعي للعلاقات الإنسانية المنبنية في أساسها على الاستعباد بمختلف أشكاله واحتكار الحياة من قبل حفنة تنعدم فيها أدنىالأحاسيسالإنسانيةينتج على الدوام أشكال مختلفة من الصراع بين أطراف تسعى إلىإيقاف زحف التاريخ وأطراف تسعى إلى الدفع بعجلة التاريخ إلىالأمام و بالتالي تصبح حركة التاريخ بالضرورة نتاج صراع متواصل بين عبدة الموت وعبدة الحياة . بين طبقة من مصاصي الدماء و بائسين لايملكون سوى قوة عملهم يعرضونها في الأسواق بأبخس الأثمانإن وجدت من يشتريها في زمن البطالة . صراع بين الرداءة من جهة وقيم الحب و الجمال من جهة ثانية. من أشكال الصراع هاته,النضال النقابي بما يعنيه من بناء إحدىأدوات بناء الذات لخلق الوجود و الدفاع عنه في أفق التحول من الوجود بذاتهإلى الوجود لذاته . عملية البناء هاته لها شروطها التي ليست سوى ذلك الفهم المؤطر للممارسة النقابية , أولهاإدراكأهمية التنظيم بما يعنيه تحول أفكار الجماهير إلى قوة مادية ضاربة منصهرة في كتلة و احدة . ففهمنا للنقابة لايعني أولا سوى بناء قبلة تتوجه إليها الجماهير في إطار مطلب مشترك تؤطره فكرة محورية هي الدفع بعجلة التاريخ إلىالأمام وكنس قاذورات النظام البائد من حيث عجزه عن بناء الجديد مهما حاول لان تركيبته و أدواته ودوقه و اختياراته أصابها العفن . فمن حيث التنظيم إذنفشلت الجامعة عن الخطو قيد أنملةإلىالأمام بل انتكست إلى الخلف سنوات إلى الوراء لأنها فشلت في إقناع جماهيرها في عدالة قضيتها و نبل مسعاها بل أبرزت و تفننت بوعي منها أو بدونه في إظهار و جهها القبيح البشع من خلال فيروسات ركبت ظهرها و قفزت دون تأخرإلى مستنقع المخبرين و المسترزقين بدءا بابن عرفة وماثلاه من الخدم الأوفياءلأسيادهم غير مبالين بانكشاف عوراتهم لأنها لاتعني شيئا بالنسبة لهم فالشرف يسقط مرة واحدة بعدها يصبح كل شيء مباح . فبدل أن تشرق الأنوار من قلعة الجامعة وتكون محجا للجماهير المتعطشة للبديل النقابي تناسلت الإشاعاتو تغذت من ممارسات سواء لكون الطبيعة تهاب الفراغ أولكثرة المستنقعات الأسنة وحفر السقوط التي أسقطت من أسقطت . غابت كل الأدبيات المؤطرة للفعل فلا قانون داخلي و لا ورقة توجيهية ولا قرارات قاعدية وحده الهروب إلىالأمام سيد الموقف و الإنابة دون توكيل من أصحاب القضية , فسقطت القضية من الحسابات و أصبح البحث عن شرعية زائفة في مجارات لفاقدي الشرعية من الأساس . وبدا البحث عن أعداء وهميين في حين برز وتقوى العدو الأكبر , عدو الذات و النفسية المريضة . تضخم بروستاتةالذات و أوهمها بتحقيق المكتسبات و بدا يخفي حقيقة أن النظام يفتقد للمشروع المجتمعي فكيف له أن يمتلك المشروع التعليمي ؟ فالتوافق كيفما كان نوعه أو النية من تحقيقه أو مدته قاتل للحركة الجماهيرية و مموه للصراع الذي لن يتوقف إلا بانتفاء أسبابه و ليس بمكتسبات وهمية تتبخر كلما أمعنا النظر في الواقع المرير بعيدا عن النظارات السوداء التي توهمنا بوجود الظلال أو الخضراء التي توهمنا بالربيع في عز الشتاء. إن مهمة النقابة المكافحة أينما وجدت حي تعرية الإدارة و مؤسسات الدولة الفاسدة و إبراز فشلها وفشل شعاراتها المسروقة و الممسوخة , و القضية هنا ليست قضية مسؤولأو مدير بل قضية تتعلق ببنية الدولة التي عجزت عن تحديث وجهها لأنها بكل بساطة لاتملك من اجل ذلك سوى احمر شفاه لاتكاد تمر عنه زوبعة رمل ليظهر قبحه وبشاعته . فالبرنامج الاستعجالي لاتكاد تنتهي صلاحيته حتى تعفن وأصاب ما تبقى من خلايا النظام التعليمي بجرثومته. إن الحقيقة الأكيدةأن الزعامات تموت و التاريخ وحده قادر على تعرية وكشف الأوهام و الوطن ليس عاقرا فإماأن نكون أو لا نكون. إن اتارتنا لهاته النقط استفزازا لعقولنا , لعلنا نكون مع غد مشرق للجامعة الوطنية للتعليم كمنظمة بمشروع فكري تربوي نضالي وبموقف سليم من التنظيم السليم الذي يكون فعلا قادرا على استمالة الجماهير وجعلها صاحبة القرار و ممارسة لنضالها بنفسها باعتبارها صاحبة قضية , فالنضال بالنيابة ليس سوى البيروقراطية و احد أوجهها و قتل للقوى الكامنة و تعطيل للطاقات و قتل للفعل الجماهيري . مهمة المناضل الأساسية هي تربية الجماهير , هي تغيير العادات السيئة هي التربية على الدوق السليم هي زرع ثقافةالأمل و حب الشعب و التضحية ونكران الذات هي الانصراف و الانكباب على الثقافة و التعليم، هي ترسيخ العلاقات الاجتماعية المنبنية على التضامن و الانصهار في الجماعة المناضلة . انه عمل بطيء و يومي و شاق لكن هو التأسيس الفعلي لنواة المناضلين و الأطر النقابية القادرة على حمل المشعل متى بدا الإعياء يتسلل إلى احد أفراد السرب فهو يعود إلى الوراء لياخد أنفاسه لكنه يواصل الطيران برفقة رفاقه في موقع أخر حتى نهاية المسير. إننا لسنا ملائكة منزلة من السماء بل بشر يخطئ ووعينا بالأخطاء و الاعتراف بها يعني اننا أحياء نتفاعل مع شجرة الحياة الخضراء ،أما تصلبنا و تشنجنا والتمادي في السقوط عن سبق الإصرار و الترصد فلن يقودنا سوى إلى طريق بن عرفة السيئ الذكر . فلنستوعب جيدا قوانين الجدل قولا و ممارسة في ترابط السيرورات ووحدة الأضدادو الحركة الدائمة و التناقض العام و الخاص و الرئيسي و الثانوي وشتان بين أن نحفظ قوانين الطبيعة و بين تمرس عقولنا على التحليل و التفكير بواسطتها . صحيح أن أزمتنا في فقر حركتنا من مناضلين متمرسين فكرا و ممارسة و بنفس و أفق بعيدين ، لكن خطأنا الأكبر في عدم تحصين و تقوية ما نملكه من طاقات و حماس قادر على التطور من كم إلى كيف في سيرورة إنتاج الفعل و الفاعل . فهل نجرؤ على بناء مدرسة النضال ؟ انه السؤال الذي ينتظر الجواب في اقرب محطة لائتلاف قوى النضال. فلتعش الجامعة الوطنية للتعليم جماهيرية, ديمقراطية, مستقلة , تقدمية