مفتي القدس يشيد بدعم المغرب تحت قيادة جلالة الملك لدعم صمود الشعب الفلسطيني    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟        إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وحدة الحركة الطلابية المغربية هل هي ممكنة؟ وبأي معنى؟(2)
نشر في هسبريس يوم 28 - 12 - 2010


الجزء الثاني:
الوحدة...إشكاليات متعددة
رأينا في الفصل الأول من هذا المقال، كيف تنطرح الأزمة عبر الخطاب الطلابي، ووصلنا، عبر بيان ذلك، إلى خلاصة مفادها أن خطاب الأزمة، هو خطاب سياسي، يحاول ملامسة الأزمة، دون أن يكون ذلك بالطرق العلمية (لم يكن يهمني المنظور العلمي للأزمة بقدر ما همني الطرح الطلابي لها). بالمقابل يلاحظ ذلك البحث المستمر، وان كان بكلام معاد ومكرر، عن سبل الخروج من هذه الأزمة، ولهذا دلالته الواضحة تماما، وهي أن الكل يشترك بنصيب في الأزمة. قد يكون نصيب طرف أقل أو أكثر من نصيب طرف آخر في تكون الأزمة، رغم أن مسألة النصيب لا يمكن تحديدها بشكل دقيق، ما دام أن للجامعة تأثيراً على محيطها سياسيا واقتصاديا وتربويا... المهم إذن أن الكل يعترف بموقعه في الأزمة، وهذا قول له جرأته، لكن البعض يحاول الخروج منها لوحده. وكأنه يمتلك المفاتيح السحرية لحل تلك الأزمة. وعلى العكس من ذلك تماما، تعالت نداءات ودعوات إلى الوحدة، وحدة الحركة الطلابية، والعمل المشترك. فعن أية وحدة يتم الحديث؟ وهل هذه الوحدة وحدة أطراف طلابية؟ أم وحدة جماهير طلابية؟. وهل يمكن أن ننجز عملاً مشتركا بدون فكر وحدوي؟؟ وإذا كان كذلك، فماهي الصعوبات التي يواجهها هذا الفكر؟. هذه بعض من الأسئلة الشائكة التي تحتاج إلى أجوبة مدققة، لن أدعي أنها ستخرج من بين يدي، ولكني سأقول ما علمته منها، فما لا يدرك كله لا يترك جله، على رأي المثل.
من نافل القول، أن نؤكد على شكل الواقع الذي تحدثه كلمة « وحدة» أو« اتحاد» على مسمع الواحد منا، فمند الصغر يتعلم الإنسان ويلقن ايجابيات الوحدة والاتحاد، وكلنا في ما أعتقد لازال يردد جملة: في الاتحاد قوة. وأكيد أيضا أن البعض منا قرأ أو سمع عن وصية المهلب بن أبي صفرة، كيف ضرب لوُلده مثلا عن الاتحاد، حينما طلب من أحدهم أن يكسر عودا منفرداً، ثم يحاول كسر حزمة عيدان مجتمعة. إذن كلمة وحدة أو اتحاد كلمات مألوفة ومتداولة بين الناس، لكن ليس كل مألوف، على حد رأي هيجل، ليس كل مألوف معروفاً:(Ce qui est familier ,nest pas pour cela connu).
تعتبر المسألة التعليمية من بين المسائل التي تكتسي أهمية بالغة، وذلك بحسب تأثيرها في شدة الصراع في المجتمعات، خاصة وهي تلعب الدور المهم في تشكل العلاقات بين الأفراد و بين الطبقات. و هذا ما أشار إليه مفكرون من أمثال ألتوسير و بورديو و بولانتيزاس. المجتمع المغربي لم يكن استثناء في هذا المجال، و اتخذ الصراع حول المسألة التعليمية أشكالا مختلفة، كانت حادة جداً في بعض الأوقات، حتى وصلنا إلى مثل هذا الوضع الذي نعيشه. و لا أحد راض عنه، فمن جهة طرف يريد مزيدا من تكريس الهيمنة والسيطرة، وطرف آخر يدافع ويقاوم ضد بلوغ ذلك، الطلبة المغاربة- عبر إطارهم النقابي: الإتحاد الوطني لطلبة المغرب لم يكونوا سلبيين من ذلك الصراع، ولم يقفوا حياديين، بل شاركوا فيه، وكانت لمشاركتهم أثر واضح في توجيه دفة الصراع، لذلك وجب على الطلبة إدراك أن هناك ملفات طلابية يلزمهم أن يولوها نضالهم وجهدهم فكريا وعضليا، وهناك ملفات تطرح نفسها بشكل فوق طلابي، وبطبيعة الحال لا يمكنهم إلا أن يكونوا مساهمين فيه بقدر.
النضال، كيفما كان نوعه وأصحابه، يتم عبر أداة النضال، وغياب الأداة يعني بشكل مباشر، تخبط للفاعلين، تشتت للقوى، فوضى في التسيير والتقرير، لذلك لا يمكن أن يكون للنضال الطلابي شأواً وذو بال، إلا إذا تم صهره في أداة النضال (النقابة الطلابية في هذه الحالة).
غياب الهياكل الشرعية ل (أوطم) مند المؤتمر السابع عشر، وخاصة بعد اعتقال ما تبقى من أعضاء اللجنة التنفيذية للمؤتمر السادس عشر، كان له أثره على سير النضال الطلابي، ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فقد سعى الطلبة إلى إنجاز نضالهم عبر أشكال ووسائل مختلفة، وكانت على أجندة كل طرف طلابي مسألة الوحدة والعمل المشترك.
طرح «الأطراف الطلابية» لمسألة الوحدة والعمل المشترك، كحل للخروج من الأزمة، أو على الأقل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، يعتبر إلى حد بعيد شيئا جميلا، مادام أنه يحمل في حدوده الدنيا الاعتراف بالتعددية، وبدور الآخر في تطور الذات وتقدمها.
طرح المسألة من هذا المنظور يجد دليله في تاريخ الحركة الطلابية، ألا يمكن أن نعتبر أنه من بين أسباب انسحاب /غضب بعض « الأطراف الطلابية» من بعض جلسات المؤتمرات (13-15-17) هو ناتج عن غياب أية رؤية للعمل الوحدوي المشترك وإيجاد صيغ ملائمة لمقررات النقابة الطلابية.
لكن إذا كانت نية الوحدة، أو العمل المشترك، على الأقل ظاهريا، موجودة عند كل الأطراف، فما هي المعيقات التي تقف وراء تنفيذ ذلك؟. في جزء من تلك المعيقات يجيبنا نديم البيطار، وهو يتحدث عن أزمة الفكر الوحدوي، في أحد بحوثه المنشور في مجلة الوحدة، وهو يرد ذلك « إما إلى كون التراكمات والتحولات الفكرية التي يحتاج إليها لم تتطور بدرجة كافية، إما إلى كون المجرى التاريخي الذي يفرزه لم يتكامل وإما إلى كون الاستعدادات النفسية المنفتحة له لم تتوفر بعد». على أنه يمكنني أن أضيف إلى ذلك، والحديث عن حركتنا الطلابية، وجود تناقضات تخترق بعض الأطراف داخليا، ثم وجودها بين الأطراف نفسها. زد إلى ذلك نظرة الأحزاب نفسها، فيؤدي تحالف أو تنسيق بين أحزاب معينة إلى نفس الشيء بين قطاعاتها، مع العلم أن الحركة الطلابية قد توسعت جغرافيا وكميا.
لقد رسخ مفهوم الوحدة، المتبنى عن طريق نموذج ذاتي، عند البعض، وهماً مفاده أن الوحدة هي كل شيء. وتكفي لكل شيء، هي الصيغة الوحيدة القادرة على فتح الأبواب المغلقة وإيقاف كل التيارات الجارفة. وبذلك يتم تمثلها بطريقة توشي بكونها « سحرية »، إنه استمرار لبعض تمثلات المجتمع البدائي حيث للكلمة سلطة. أو أنه البحث عن أسر المصير /المستقبل. والتحكّم فيه، مادام أنه مستعصٍ، منفلت، ومن هنا لن أجازف إذا قلت أن أزمة الحركة الطلابية مستندة على قاعدة عريضة من أزمات مترابطة ومتشابكة تشابك بيت العنكبوت. وحلُّها يعني حل أزمة الحركة الطلابية ومن بين تلك الأزمات: أزمة الفكر/ العمل الوحدوي.
حينما أقول بالفكر الوحدوي، فإني لا أعني بذلك« وحدة الفكر»، والقول بذلك هو شكل من أشكال التحنيط والرجعية! لأنه يأسر الفكر في نمط واحد منه، ويمنع تقدمه، مادام أن تطور الفكر تطور كيفي، تصحح فيه الفكرة اللاحقة الفكرة السابقة وتلغيها. وإنما أقصد بالفكر الوحدوي مجموع الإواليات التي عبر ترابطها واستعمالها، ستؤسس لما يمكن أن نسميه ب « وضعية وحدوية»، انطلاقا من تعددية إشكالية، مادام أن هدف هذا الفكر، من حيث هو فكر وحدوي، هو تركيب هذا التعدد، في صيغة ما، لأجل برمجة عمل ما، كي يتم تغيير واقع ما. هذا الفكر- وليس ذلك مقتصرا عليه فقط- يجب أن يحدد موقفه بصراحة من مسائل من مثل: الحقيقة، الشخصية، النقد، الحوار.. والفلسفة ( لست أقصد هنا بالفلسفة ذلك النمط من التفكير بما هو تأملي، شمولي، تساؤلي، وإنما أقصد بالفلسفة هنا روح العمل).
غياب الفكر الوحدوي هذا عند « الأطراف الطلابية» أثر على سير النضال الطلابي، وإذا كانت هناك تنسيقات أو تحالفات بين أطراف طلابية، فإن هذه التنسيقات والتحالفات وقعت بشكل قسري، تحت ظروف ضاغطة، مكرهة، وعادة ما تفشل أو تفشل. عندما تفكر « الأطراف الطلابية » في وحدة الحركة الطلابية، فهي تعني بذلك وحدة هذه الأطراف نفسها، مادامت تعتبر نفسها، تعبيراً عن هذه الجماهير الطلابية وتوجهاتها، بذلك تقع هذه الأطراف في مجموعة أخطاء، خطأ منهجي يتجلى في تماثل الحركة الطلابية « بالأطراف الطلابية». متناسيةً أن الحركة الطلابية وجود موضوعي خارج ذوات الأطراف، ومستقل عنها. فعل« الأطراف الطلابية » في الحركة الطلابية يغير شكل هذا الوجود، إنما لا يلغيه. اختزال الحركة الطلابية إلى أطرافها، يسقط في معتقديه تولد وهماً بأن المعرفة ب« الأطراف الطلابية» هو في حد ذاته معرفة بالحركة الطلابية. وذلك بعيد عن الصواب مادام أن تطور الإطراف الطلابية مرتبط إلى حد بعيد بتطور التنظيمات السياسية، التي منتمون أو تابعون لها، في حين أن تطور الحركة يتخذ أشكالا مختلفة كمية ونوعية نفسية وسلوكية.
لكن ألا يعتبر نقد «الأطراف الطلابية» في غياب فكر وحدوي لديها لا معنى له، مادام أنها تستقي أفكارها من مقررات حزبية هي الأخرى لم تستطيع بلورة فكر وحدوي، وعرفت انشقاقات متتالية؟.. نقد «الأطراف الطلابية» في مجال تصور الفكر الوحدوي، يحمل وجهين: وجهه الأول نقد متعد، يسائل الأحزاب الوطنية والتقدمية منها على الخصوص، ويقارب تجربتها الزمنية عبر المرور بمحطات حرجة عجزت هي نفسها عن إيجاد صيغ وحدوية بين الأجنحة المتصارعة، وانتهت إلى فك الارتباط تنظيميا. وإذا كان من تعاطف اتجاه «الأطراف الطلابية» فلأن تنظيماتها قلما تجتمع في مؤتمرات، تطرح فيها رؤاها الفكرية. لتبقى مقررات المؤتمر المرجع الوحيد في غياب أي اجتهادات فردية أو جماعية، وغياب المراصد أو المراكز التابعة لهاته التنظيمات (حتى عندما تناقش الدولة في موضوع معين فهي تناقشها من خلال معطيات رسمية). مع العلم انه من ينبغ منها، في تلك الأحزاب، من شخصيات فكرية ينتهي به الأمر إلى الانزواء بشكل أو بأخر، فرجال السياسة ليسوا دائما راضين عن رجال الفكر. الوجه الثاني لهذا النقد: نقد منكسر كان يروم هدم الشجرة الواحدة، لكنه اكتشف بأنها الشجرة التي تختفي وراءها الغابة.
لقد أشرت فيما سبق، وتم توضيح ذلك في حينه، بأن وحدة الحركة الطلابية هي وحدة الجماهير الطلابية، وقناة ذلك هو العمل المشترك بين «الأطراف الطلابية»، إلى حين إنجاز المهمة المركزية المتجلية في عقد المؤتمر الاستثنائي. وبعدها سينخرط الطلبة في النقابة، لا على أساس الانتماء السياسي، ولكن بانتمائهم الفئوي. ولكن السؤال المهم هنا، الذي لم تتم الإجابة عليه بشكل صريح لحد الآن: ما معنى وحدة الحركة الطلابية ؟ وبأي شكل سيكون ذلك؟.
أشير بداية إلى أن الوحدة ليست انفصالا، وهي إن كانت كذلك فهو إذن انفصال لحظي. فالانتقال من البنية /الحالة الراهنة، إلى بنية الوحدة ، لا هي بالعملية السلسة ولا هي بالتجربة البسيطة. وهي مرهونة (أي الوحدة ) بمدى تصاعد التعارضات المتواجدة، وتطورها إلى مستوى تناقضات، وهي الحالة التي ستلغي فيها الفكرة نقيضتها. معنى ذلك بكلام مباشر أن وحدة الحركة الطلابية تحتاج إلى أشواط محددة، هي محفوفة بالمخاطر والصعوبات، لذلك أسميتها بالتجربة، ليس معنى ذلك أني أدعو إلى ممارستها بشكل امبريقي، ولكن لأنه مفكر فيها بشروط اليوم التي قد تستحيل غدا إلى شيء أخر. لذلك إذن وجب أن نميز بين نوعين من الوحدة، التي يمكن الحديث عنهما: وحدة ذاتية وأخرى موضوعية.
اقصد بالوحدة الذاتية وحدة في اتجاه الذات envers soi) (unification ، في وضع أشبه ما يكون بالعزلة المطلقة. وكأني أتصور فقط وجود هده البنية، وبهذا التصور تكون الوحدة، وحدة الذات، متمثلة في وجود أداة نقابية واحدة، مع إمكانية تأسيس جمعيات من طرف النقابة، التي تشرف على سير عملها وذلك بغية تسهيل عمل هده النقابة. وكل ذلك محكوم بقواعد ومبادئ متفق عليها. بهذا المعنى تكون وحدة الحركة الطلابية غير متحققة، مادام أن الساحة الجامعية مازالت تعرف تعددية نقابية صريحة وضمنية. وأنه لا في المنظور القريب أو المتوسط، ينتظر من بعض النقابات أن تحل نفسها، رغم أنها ميدانيا متجاوزة.
في جانب آخر، تعني الوحدة الموضوعية للحركة الطلابية، سيادة توجه عام وسط الجامعة والطلبة، يكون جانبه الفكري وعي مطابق للواقع، يعرف موقع الجامعة في المجتمع، وأي جانب يمكن أن يؤديه النضال من داخلها. ووعي مطابق للمرحلة التي تمر منها البلاد، بما هي مرحلة بناء الديمقراطية(اقصد الدولة الديمقراطية)، وليست مرحلة تجسيد مثالية ذاتية أو تاريخية. أرى أن هذه الوحدة الموضوعية_ وهي الدافعة الحقيقية للنضال الطلابي_ لا يمكن أن تقوم إلا إذا كانت لها ركائز. وحتى لا يختلط على البعض الأمر، فاني اقصد الحركة الطلابية، أي ركائز للحركة الطلابية. و لست اقصد الإطار الطلابي: الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، بمبادئه الأربعة، و إن كان من شيء يقال في هذا الصدد، هو حبذا لو أن الأطراف الطلابية تلتزم بالمبدأ الصفر _الضمني _ وهو الالتزام بالتطبيق الشمولي لهاته المبادئ، عوض ممارستها بانتقائية مكشوفة. اعتقد أن هذه الركائز _ ركائز الحركة الطلابية _ لا يزيد عددها عن ثلاث: الديمقراطية، الوضوح، المسؤولية.
الديمقراطية: هي أول هذه الركائز، و أساسها. و هي هنا لا تعني آليات تسيير و تدبير الشأن الطلابي، عبر أجهزته التمثيلية أو ما يعوضها، و ما يستتبع ذالك من أقلية و أغلبية و نسبية و حرية إبداء الرأي و الاختلاف و غيره. و إنما تحمل الديمقراطية هنا معنى فكريا و سياسيا بالأساس. من نافل القول التذكير بأن لكل عصر فكرته المركزية، التي تهيمن على كل الحقول المعرفية، و فتح صفحات التاريخ شاهد على ذلك بشدة، فمرة إصلاح ديني، و مرة سلفية، ومرة استقلال سياسي، و أخرى فكر توفيقي، ثم اشتراكية قومية...عصرنا الحالي، لديه هو أيضا فكرته المركزية، و هذه الفكرة لا تعدو أن تكون: الديمقراطية. فكرة الديمقراطية كما أكد على ذلك أحد الرواد، هي المفتاح الفكري للعصر الجديد، لأنها ليست مجرد شعار سياسي، بل هي في العمق قضية فكرية. معنى ذلك أن المهمة الملقاة على الفاعلين السياسيين هي بناء الديمقراطية، والتأسيس لفعل الانتقال الديمقراطي بالطرق الصحيحة والسلمية. في صلب ذلك وجود مجتمع مدني قوي، بريادة جمعياته ونقاباته ومنتدياته. وأي تفكير عكس ذلك، هو ضرب من ضروب مجانبة الفهم الصحيح. قد تلعب الحركة الطلابية هذا الدور أو ذاك، ولكن ذلك لن يكون إلا بشكل إرادوي تعسفي، كما أريد لها فيما سبق. لكنها لن تفجر الطاقات المخزونة ‘إلا إذا امتلكت الفهم والوعي الجيد، لموقعها في المجتمع وفي الصراع الدائر بالمغرب وتفرعاته العامة والخاصة، وعصب ذلك الصراع الديمقراطي الجماهيري العام.
الوضوح: هذه الركيزة لا تنفصم عن نظيرتها الأولى: الديمقراطية، بل توجد في القلب منها. وذلك عبر ممارستها في اتجاهين: اتجاه الذات، ذات « الأطراف الطلابية» واتجاه الآخر، أي الجماهير الطلابية، ومن تم ستكون ممارسة في اتجاه الموضوع وخاصة في شقه المتعلق بالأهداف. ولأجل البلوغ إلى ممارسة واضحة ( وهذا هو الهدف ) يجب طرح السؤالين التاليين، والإجابة عليهما بشكل سليم، أي اعتماد منهج للتحليل قويم، والانطلاق من أصول فكرية متينة.
هاذان السؤالان هما: من نحن؟ وماذا نريد؟. واعتقد في هذا الإطار أن كثيرا من الكلام الذي يدور حول الحركة الطلابية الآن، هو في جانب كبير منه يروم الإجابة على هذين السؤالين، وإن لم تكن صياغتهما بهذا الشكل. ضرورة الإجابة على السؤالين ليست متأتية فقط لكونهما سؤالا الحقيقة بالنسبة لذات الحركة الطلابية ولموضوعها، وإنما أيضا للدخول بشكل صحيح في المرحلة الجديدة التي هي الآن في بدايتها. ألم يقل هيجل ذات مرة أنه عندما يستيقظ التأمل فهذه علامة على إن نمطا تاريخيا من الحياة قارب على نهايته.
المسؤولية: إذا كان من شيء يدعو إلى الوضوح، الوضوح في الرؤيا والممارسة، فإنه الإحساس بالمسؤولية، ألا يُشعِر قائد الكتيبة جنوده بالمخاطر التي سيواجهونها قبل الذهاب إلى المهمة، ولا يجبرهم على المشاركة، وإنما يترك لهم حرية الاختيار مقتنعا بأن المهمة الصعبة لا ينجزها إلا صادق ومتبصر. كذلك الأمر بالنسبة للحركة الطلابية فإذا كانت « الأطراف الطلابية» تعتبر نفسها مسؤولة، ولو جزئيا، عن واقع الجامعة المغربية، فإن المسؤولية تعني الابتعاد عن العبث و الارتجالية والهوائية، والانطلاق من فكر واضح لأجل ممارسة واضحة، والقبول بالنقد والمحاسبة من طرف الجماهير الطلابية.
تلك، إذن هي الركائز الثالثة المقترحة لوحدة الحركة الطلابية في شقها الموضوعي. لكن لا الاعتراف بأهمية تلك المرتكزات أو حتى الاقتناع بها، سيعطي للنضال الطلابي زخمه المطلوب، وتوهجه المرغوب، إلا إذا تم إفراغ تلك القناعات في شكل تنظيمي معين. إنه بالنظر إلى واقع الحركة الطلابية، وحال « الأطراف الطلابية » جميعها، وضعف أو غياب المبادرات في تحريك الملف الطلابي ( التعليم العالي، البحث العلمي، التأطير النقابي)، فإنه لا مندوحة للأطراف الطلابية من المرور عبر قناة العمل المشترك بينها، كأنجع وسيلة لتصليب العمل الطلابي. لقد تمت الإشارة سابقا إلى الصعوبات التي يلقاها العمل الوحدوي، تلك الصعوبات المتجلية أساسا في غياب فكر وحدوي، أولا، ثم أيضا، في عدم وجود مناضلين وحدويين. هذه النقطة الثانية عادة ما يتم إغفالها في التحليل، رغم أهميتها، إذ حتى بوجود فكر وحدوي، فإنه بغياب حامليه، لا يمكن البلوغ إلى الوحدة المرغوبة، ألم تفقد فكرة القومية العربية، مثلا، بعضا من أهميتها، بعد رحيل بعض حامليها، والمدافعين عنها، من أمثال جمال عبد الناصر، كمال جنبلاط وآخرون.
العمل المشترك له أسسه ومنطلقاته، وبدون تحديد هذه المنطلقات، عن طريق حوار صريح، في وضع طبيعي، تجد كل ذات فيه نفسها، بدون ذلك فإن العمل سيولد ومعه شهادة موته. في اعتقادي، يمكن للعمل المشترك في الوسط الطلابي، أن ينطلق من/عبر إواليتين، الإوالية الأولى هي آليات العمل والثانية هي الشعار المؤسس لهذا العمل. فيما يخص الإوالية الأولى : آليات العمل، لقد كانت دائما العقبة الصعبة في كل عمل، ويا ما انتهت تحالفات وتنسيقات إلى الفشل، بسبب عدم التفاهم على تلك الآليات، عموما هناك آليتين هما: التراضي والتوافق.
بخصوص التراضي، يقترح هابرماس، الذي يضيف إليه صفة العقلانية، ليصبح التراضي العقلاني، يقترح هذا الفيلسوف، أن توافقا رشيدا في الرأي بخصوص قضايا تتعلق بالحقيقة والأخلاق يمكن الوصول إليها بالخطاب. في موقف خطابي مثالي» وفي هذا الموقف فإن الظروف يجب أن تتضمن ليس فقط مناقشة مفتوحة، وإنما أيضا خالية من التأثيرات المشوهة، سواء كان مصدرها السيطرة الصريحة أو السلوك الاستراتيجي الواعي أو عوائق الحوار الأكثر خطورة والناتجة عن صراع الذات». ولابد أن يتمتع كل المشاركين بفرص متساوية« للتعبير في اتجاهاتهم ومشاعرهم ونواياهم... وهكذا، وذلك حتى يمكن للمشاركين أن يكونوا صادقين» ولابد أن يتمتعوا بمراكز متساوية إلى حد كاف حتى تصبح «المساواة الرسمية في بدء ومتابعة الحوار أمرا يمكن ممارسته في الواقع» وإذا كانت الاحتياجات والمصالح الذاتية بحثة ومختلفة تجعل من المستحيل الوصول إلى إجماع بخصوصها، فإن هابرماس يطرح مقولة: «أنه لا توجد مصالح خاصة وحسب، بل توجد مصالح مشتركة أو "قابلة للتعميم" وتصبح المهمة المحددة للخطاب العملي هو اختيار أي المصالح يمكن أن تضحى "مقتسمة من خلال الحوار" (قابلة للإجماع حولها) وأيها غير صالح لذلك (قابلة – في أفضل الأحوال –لإمكانية التفاوض للوصول إلى حل وسط بخصوصها ).في الحالة الأولى سيكون لدينا إجماع معلل عقلانيا.
الآلية الثانية هي آلية التوافق وهي لا تقل عن نظيرتها الأولى تعقيدا لأنها تحمل وجهين كما قال بذلك دوركايم: التوافق عبر التشابه أم التوافق عبر الاختلاف. التفكير في التشابه قد يؤدي إلى الاختلاف في حين أن التفكير في الاختلاف قد لا يؤدي إلى لا شيء.
هذا فيما يخص الإوالية الأولى، أما الإوالية الثانية التي سينطلق منها العمل المشترك، فهي إوالية الشعار المؤسس للعمل، لا يمكن دائما، فهم الشعار على أنه شعار فقط وإنما على أنه حامل لرؤية، لتصور ما، إنه دائما مكثف لفلسفة ما. وإذا رجعنا إلى المهام المطروحة على الحركة الطلابية حاليا، والتحديات التي تواجهها، وكذا مجموع التغييرات التي تعرفها الناشئة الطلابية، وعلاقة الجامعة بمحيطها والإمكانيات الواسعة التي بمقدورها أن تلعبها، فإن الشعار الذي يمكن أن يؤطر هذه المرحلة عموما، وضمنها العمل المشترك، ينبني على موضوعتين: التعليم والتنظيم. من يعرف الجامعة وواقعا، والحركة الطلابية وراهنها، فإنه سيدرك لماذا تم اختيار هذين المفهومين – المفتاح. وسيدرك أيضا إلى أي حد أن هاتين المسالتين هما مترابطتين، ولن أتردد، إذن في صياغة ذلك الشعار: الحق في التعليم..الحق في التنظيم. سيقول الذين عرفوا الجامعة منذ زمن أن هذا الشعار صحيح، ولقد كان، كذلك منذ زمن، لكنه قديم، وان كانت صياغته جديدة. لأقول بأن الشعار الصحيح، يحتاج أيضا لطرحه، الوقت الصحيح. قد تختلف المرحلة الحالية في الجامعة المغربية ومناخها عن المرحلة السابقة، بأشياء كثيرة، نفسية سلوكية، معرفية عقلية، لكن إذا كان من شيء يقال في هذه المرحلة فهو أن وعيا جديدا بدا يتدرج وأتمنى أن يتطور سريعا، في مسالة هامة جدا، وهي أن المناضلين هم نقابيون يشتغلون برؤى سياسية، عوض أنهم سياسيون يمارسون في حقل نقابي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.