في مرحلة بائدة من العصور المندثرة يحدثنا التاريخ عن طبقة النبلاء التي سادت في عصر الإقطاع والاستعباد ، فكانت مظاهر ذلك العصر تتمثل في الأسرة المالكة التي يتزعمها الإمبراطور وطبقة النبلاء التي تحتكر المناصب والمواقع وإدارة الدولة باسم الإمبراطور ، وطبقة الرعاع أو الرعية أو العامة كما يقال اليوم وهذه الطبقة ( العامة ) إما أن يكونوا رقيقا ( عبيدا ) ملكا خاصا للنبلاء يجلدونهم ويحرثون عليهم ثم يبيعونهم في سوق النخاسة عندما يبدر منهم أي تمرد ولو طفيف حتى شاع بين هؤلاء النبلاء قول مشهور ” لا تشتري العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس منا كيد “، وشريحة أخرى من العامة هم العمال والموظفين والخدم وجامعي الضرائب والصداحين و التجار والصناع والزراع والحِِذاء ( الذين يصنعون ويركبون أحذية الخيل وأسرجتها ) وهكذا ...إلا أن هناك شريحة من الرعاع أو العامة يسمون البلهاء وكانوا يتباهون أنهم بلهاء لأنهم في خدمة النبلاء مباشرة وأعلى منزلة من العبيد تماما كما النبلاء يتباهون أنهم نبلاء ويضعون على رأسهم ريشة لأنهم في خدمة الإمبراطور مباشرة ويحتكرون المناصب والمال والجاه والسلطة وليسوا من عامة الشعب .. وهؤلاء البلهاء يملكون لسانا حادا وعقلا فارغا ولا عمل لديهم سوى أن يستخدمهم النبلاء مقابل حفنة من المال أو رأس من البقر أو ربما لحسة من دهن أو عسل ليسلطونهم على بعض العامة ممن ترتفع عقيرتهم أو يفكروا وان يطالبوا بحقوقهم أو أن حتى أن يصرخوا من الألم لان القاعدة في هذا المجتمع أن يجلد النبلاء العامة في أرزاقهم وأوطانهم وأعراضهم وكل شيء وما على العامة إلا السمع والطاعة وتحمل الألم دون صراح حتى لا يجرح مشاعر النبلا ء... ومع ذلك فان طبقة النبلاء في تلك العصور على استعبادها للبشر واحتكارها للسلطة وتوارثها للمناصب والمكاسب والجاه والمال والإقطاع إلا أنها كانت لديها قواعد للسلوك تعاف أن تمد يدها لما هو بأيدي العامة وترفض أن تقاسم العامة وظائفهم وأرزاقهم وأتعابهم لأنها تترفع عن ذلك وتضع على رأسها ريشة تميزا لهم ولا تتمسكن ولا تتوجهن ولا تصطنع التواضع ولا تدعي الفقر وهم يأكلون في ملاعق من ذهب بل كانوا يتباهون بأنهم نبلاء يتركون للعامة تجارتهم وأرزاقهم ووظائفهم ولا يتوسطون لأحد على حساب احد حتى غدت الوظائف وان صغرت بناء على توصيتهم ورنين هواتفهم . أي بالعربي الفصيح طبقة النبلاء في عصر الأمس وليس اليوم بعد أن عادت من جديد لم يأكلوا الأخضر واليابس ولم يكونوا جشعين وبلاعين وأكالين ومكارين وكذابين ومخادعين، ولا يقولون ما لا يفعلون ولا يتجملون بالتواضع ليضحكوا على ذقون العامة ولا يدعون الكفاءة والمثابرة والعبقرية وهم يتوارثون المناصب ويتداو لونها فيما بينهم حتى أن بعضهم يحسب بالسنة والشهر متى يصبح ابنه رئيسا أو وزيرا أو مديرا بمستوى وزير ومتى يوصل أخاه إلى الوزارة أو الرئاسة أو أخته أو زوجته أو, أو, أو... ولن يتسع المقام لذكر الاوات .... والأعظم من ذلك كله طبقة النبلاء في تلك العصور كانت شجاعة ولا تتستر خلف الإمبراطور ولم تكن تخاف وتجبن وتفر عند أول صفرة أو هبة ولم تكن تحول أرصدتها ومتاعها إلى الخارج عندما تهب العاصفة أو يستشعرون الخطر ، بل كانت من الجرأة والصدق أنها لا تأتي بأحد من العامة ليصبح وزيرا أو مديرا لمرة واحدة أو مرتين ذرا للرماد في العيون ثم يطوى مع النسيان على راتبه التقاعدي لان مهمته قد انتهت بينما هم هؤلاء النبلاء يترفلون بالمال والتجارة والسلطة والمناصب من حكومة إلى أخرى ومن موقع إلى آخر حتى يتوفاه الله او يعتزل السياسة...