مواجهة كلامية بين ترامب وزيلينسكي    المغرب يستضيف 12 مباراة إفريقية    تازة تحتفل بيوم الوقاية المدنية    تعيين أعضاء دعم الإنتاج السينمائي    فاتح رمضان في المغرب يوم الأحد    وفاة وزير الخارجية المغربي الأسبق ورئيس جماعة أصيلة محمد بنعيسى    الرئيس الأوكراني يغادر واشنطن دون توقيع اتفاق مع الولايات المتحدة    قراءة في كتاب: "في الخبرة والتنمية" سيرة خبير دولي يوسف ثابت    التعادل السلبي ينهي قمة نهضة والوداد    الاتحاد الإفريقي..رئاسة المغرب لمجلس السلم والأمن لشهر مارس تندرج في إطار استمرارية التزامات المملكة من أجل إفريقيا تنعم بالسلام والاستقرار والازدهار    محمد بنعيسى يغادر إلى دار البقاء    وفاة محمد بنعيسى وزير الخارجية الأسبق ورئيس جماعة أصيلة    الحاج عبد المالك أبرون يحط الرحال ببوجدور ويسلم بحضور عامل الإقليم ملعب الوحدة الترابية    الدار البيضاء .. تنظيم أبواب مفتوحة احتفاء باليوم العالمي للوقاية المدنية    كازاخستان تفتح أبوابها لحاملي جواز السفر المغربي بدون تأشيرة    موطنون يشيدون بالقرار الملكي القاضي بإلغاء شعيرة الذبح في عيد الأضحى لهذا العام (فيديو)    ترامب ينهي مبكرا اجتماعا مع زيلينسكي بعد اشتباك لفظي في البيت الأبيض    البطولة: الرجاء البيضاوي يتعادل مع المغرب الفاسي والفتح الرياضي يرتقي إلى المركز الرابع بانتصاره على الزمامرة    رقم هاتفي جديد لتلقي شكايات المواطنين حول أسعار وجودة المواد الاستهلاكية    أكثر من 40 مليون مشترك ضمن خدمات الإنترنت بالمغرب سنة 2024    الحكومة تتطور: من التغوُّل.. إلى التحوُّت!!    إدريس المريني يعرض فيلمه الجديد جبل موسى بالعرائش    أمطار الخير تعم عدة مناطق بالمغرب وهذه مقاييسها خلال 24 ساعة الأخيرة    ارتطام جسم مجهول يؤخر رحلة "البراق" نحو طنجة    باتشوكا المكسيكي يجدد للإدريسي    خسائر مادية محدودة.. الوقاية المدنية تُخمد حريق سوق الجملة بتطوان    عطل عالمي مفاجئ يصيب تطبيق "واتساب"    السبت بداية رمضان في دول عديدة    موازين يستعد لبدء فعالياته بالتفاوض مع ألمع نجوم العالم    أكرد بخصوص كيفية الحفاظ على لياقته: "رمضان شهر مقدس بالنسبة لنا ومع خبراء التغذية فإنه يسير بشكل جيد للغاية"    خط جوي مباشر بين أتلانتا ومراكش بمعدل 3 رحلات أسبوعية ابتداء من أكتوبر 2025    توقعات الطقس ليوم غد السبت: أجواء باردة وتساقطات ثلجية متوقعة    حجز 1160 قرصا طبيا وتوقيف شخص يشتبه في تورطه في قضية تتعلق بحيازة وترويج المخدرات والأقراص المهلوسة    موسوعة "أنطولوجيا الكاتبة المغربية" للكاتب حسن بيريش    المكسيك.. رئيس لجنة التنسيق السياسي لكونغرس مكسيكو يدعو الحكومة لمراجعة موقفها بشأن قضية الصحراء المغربية    الصين تتهم الولايات المتحدة بالابتزاز    حوامض المغرب تصل السوق الياباني    الكلفة ترتفع في الصناعة التحويلية    تقديم خدمات استشارية في إسبانيا يطيح بالمدير العام لميناء طنجة المتوسط    "مورينيو" يعاقب بالإيقاف والغرامة    النائب البرلماني محمد لامين حرمة الله يشيد بهذا القرار الملكي    هذا هو موضوع خطبة الجمعة    "نصاب" في الرباط يقنع متابعيه في فايسبوك بجمع المال بهدف بناء محطة بنزين واقتسام الأرباح!    في الحاجة إلى مثقف قلق    في بلاغ توضيحي لأعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب: أغلبية الأعضاء قدموا اقتراحات لحل الأزمة، لكن الرئيس المنتهية ولايته لم يأل جهدا لإجهاضها    ملعب بنسليمان سيكون جاهزا في دجنبر 2027    رحيمي ثالث أغلى لاعبي الدوري الإماراتي    مصطفى الزارعي يكتب: مستحيلان على أرض مستحيلة.. مهما انتصر الغزاة وطال انتصارنهم فإن ساعة هزيمتهم لا ريب فيها    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    الصين تعتزم رفع القدرة المركبة لتوليد الطاقة إلى أكثر من 3,6 مليار كيلوواط في 2025    المياه الراكدة    ندوة تلامس النهوض باللغة العربية    بنسعيد وقطبي يفتتحان متحف ذاكرة البيضاء لاستكشاف تاريخ المدينة    "حضن الفراشة" .. سلاح فتاك لمواجهة التوترات النفسية    شبكة صحية تدعو إلى تكثيف الحملات التطعيمية ضد "بوحمرون"    بعد مليلية.. مخاوف من تسلل "بوحمرون" إلى سبتة    متى تحتاج حالات "النسيان" إلى القيام باستشارة الطبيب؟    دراسة علمية تكشف تفاصيل فيروس جديد لدى الخفافيش وخبير يطمئن المواطنين عبر "رسالة24"    









العربية لغة العلم: من هنا البداية
نشر في مراكش بريس يوم 23 - 01 - 2013


د.فؤاد بوعلي
كثيرة هي المقالات والمصنفات المدبجة لوصف قدرات اللغة العربية الذاتية وإمكاناتها الهائلة في التعبير عن عصر الحداثة والتنمية، وعديدة هي المحاولات التي يقوم بها بعض الباحثين لتمثل الحالة الإبداعية للإنسان المسلم وقدراته العلمية التي جعلته يتمثل علوم الكون المختلفة ويقدمها نبراسا لشعوب العالم القديم، قبل البحث في إمكانية نقلها إلى عربي اليوم. لكن قلة من الأبحاث والدراسات من انتقلت من القول إلى الفعل، وحاولت تمثل قدرات اللغة العربية ومكنوناتها المضمرة في معانيها ومصطلحاتها ونظامها الصرفي والتركيبي بعيدا عن تقديم الوصفات الجاهزة، وعملت من خلال المعالجة الميدانية على سبر أغوار سحر العربية وإمكانياتها التعبيرية المختلفة.
فقد احتضنت رحاب كلية العلوم والتقنيات بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة حدثا تاريخيا بامتياز يؤكد أن النهوض بالعربية ليس مسألة سياسية أو مدنية فحسب بل هي قبل كل ذلك قضية إرادات ومبادرات ذاتية وجماعية. فقد قدر لي خلال الأسبوع المنصرم مناقشة أطروحتين لنيل الدكتوراه في علم الحيوان في إطار وحدة البحث والتكوين “تاريخ العلوم عند العرب والأفكار العلمية” المعتمدة بجامعة عبد المالك السعدي. وقد توقفت الأطروحتان عند: مصطلحات علم الحيوان عند العرب من خلال مؤلفات الأصمعي، ومصطلحات خلق الإنسان من خلال “المخصص” لابن سيده. وأهمية الحدث نابعة من أمرين متلازمين:
1 أنها، على حد علمي، المرة الأولى التي تناقش فيها أطروحة في كلية العلوم بالمغرب باللغة العربية. فبعد توقف عملية التعريب ورهن التعليم المغربي بازدواجية مقيتة قضت على إمكانية الإبداع العلمي في ميادين المعرفة الدقيقة، منذ إقرار لجنة إصلاح التعليم سنة 1958م أن تدريس العلوم يتم باللغة الفرنسية، لدرجة التشكيك في قدرة العربية الإجرائية على توصيل العلم والمعرفة، أتت هذه المبادرة من عروس الشمال لتثبت أن الأمر يرتبط في الجوهر بوجود إرادة فاعلة قادرة على تفعيل المبادئ النظرية والشعارات الكبرى. وقد تمثل الأمر في مجموعة من الأساتذة المؤطرين والطلبة الباحثين، الذين جمعهم إيمانهم العميق بفكرة الانتماء للهوية الإسلامية وقدرة العربية على مواكبة عالم التنمية والتقنية، وبالرغم من أن تكوينهم العلمي كان منذ البدء بلغة أجنبية وفي دول أجنبية، فإن إصرارهم قد دفعهم إلى النبش في التراث العلمي العربي مما كون لديهم رصيدا من الخبرات على الصعيدين الوطني والدولي .
2 المواضيع المعتمدة هي جزء من مشروع ضخم يستهدف إنشاء معجم تاريخي لعلم الحيوان عند العرب في أفق إنشاء معجم عصري لمصطلحاته والذي سيستمد مادته الأولية من المعاجم العلمية الحديثة ومنتجات البحث المعجمي والعلمي القديم. والغاية الثاوية التي توقف عندها الباحثون في معالجتهم لنصوص الجاحظ والأصمعي وابن سيده أن المصطلح العلمي العربي يتمتع، كما تجلى في صياغاته المختلفة، بالعديد من المميزات التي تؤهله للاستعمال العلمي وإغناء المعجم العلمي الحديث بمصطلحات دقيقة ويجنبنا مخاطر الاقتراض اللغوي والترجمات الحرفية التي أصابت الفضاء العلمي بعقم اشتقاقي مقيت. كما تدفع عن الإبداعات التراثية تهمة القصور والقدم. هل هو حلم ؟
قد يبدو تبرير قابلية اللغة العربية لاستيعاب وصف آلة أو البحث عن أسماء لمخترعات يعطيها القابلية لتكون لغة للعلم تبريرا ساذجا ومبسطا، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن العرب ليسوا في وضع إبداعي للعلم بل في حالة استهلاكية تفترض متابعة ما يستجد للبحث عن مرادفاته بصورة دائمة ومستمرة. لكن مشروع مصطلحات علم الحيوان يؤسس أطروحته على أن في التراث العربي مخزونا علميا لم يستثمر نهائيا حيث توجه الباحثون والعلماء بدل ذلك النبش في نصوص الرسائل والقواميس والمعاجم نحو الاقتراض والترجمة الحرفية. وفي تصنيف إجمالي توصل الباحثون إلى أن المصطلحات المعتبرة في الموضوع التي تتوزع على ثلاثة أصناف: مصطلحات حافظت على معناها الأصلي بسبب كثرة تداولها مثل الحمل والجمجمة والجبين، ومصطلحات حافظت على تركيبها لكن تغيرت معانيها مثل العضلة التي تعني عند المعجميين القدامى عضلة العضد أو بطن الساق في حين تعني في المعجم العلمي الحديث كل نسيج ليف يتميز بالانقباض ويؤمن حركة الكائن يقابله بالفرنسية:muscle، وصنف ثالث يتعلق بمصطلحات ترجمت ترجمة حرفية فأغفلت بذلك المصطلحات المقابلة لها والموجودة أصلا في التراث العربي. ولهذا النوع نماذج كثيرة بل قد نزعم بأنه الأصل المحرك للمشروع بأكمله من نحو(الحولاء) التي تعني عند ابن سيده “السائل المحيط بالجنين” لكن المعاجم العربية الحديثة تطلق عليه (السائل السلوي) وهو ترجمة حرفية لliquide amniotique .
مدخل المعرفة مصطلحاتها. إن أزمة المصطلح العلمي العربي واقع لا يمكن القفز عليه، لعوامل عديدة أهمها حالة الهوان والضعف التي يعيشها العلم العربي نفسه. لكن الاعتزاز بالتراث القديم يجعلنا نتوصل إلى الإجابة عن سؤال عده أصحاب المشروع محوريا هو: هل تراثنا قادر على مدنا باصطلاحات تفيد مجال العلوم الدقيقة؟ إن ثروة اللغة العربية من المصطلحات العلمية لها خصوصية الماضي والحاضر، كانت مفرداتها وعاءً لمصطلحات مختلف العلوم، ابتدع أبناؤها من علومها ما كان فريداً في زمانه، ومن فلسفتها ما كشف عن مرونة اشتقاقاتها وطاقاتها على التعريب والتفاعل مع اللغات الأخرى. لذا فقد أثبتت البحوث المشار إليها دقة العربية في التعبير وقدرتها على وصف الحالات المختلفة وإمكانيات متعددة للتداول تغنينا عن مشاكل التعريب والترجمة الحرفية.
وجملة القول، تثبت هذه المبادرة أن النهوض باللغة العربية لا يتم بتكرار الشعارات عن قيمتها وقدراتها اللا محدودة بل بمشاريع علمية حقيقية تستطيع نقل لغة الضاد من سجون الوجدان والخطب الرنانة إلى ميدان المختبر والتحليل التقني. لذا فمبادرة وحدة البحث في طنجة تحتاج منا إلى الإشادة باعتبارها مدخل البداية إلى سيادة اللغة العربية على كل قطاعات المجتمع أي في التعليم بسائر مراحله وتخصصاته وفي مراكز البحث العلمي الإنسانية والدقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.