. معرض الحادمي بمراكش والقبض على الألوان الهاربة . محمد القنور . على إيقاع هارمونية العازف المغربي المعروف مصطفى الريحاني ، وتحت بريق ألحانه الإنسيابية الممتدة من أريج الموشحات الأندلسية إلى مقطوعات فيروز الغنائية،إحتضنت قاعة المعارض الفنية بكولف المطار، على تراب مراكش المنارة فعاليات إفتتاح معرض للصور الفوطوغرافية للفنان مولاي يوسف الحادمي، تحت عنوان “جدبة الألوان” والذي يستمر من 16 نونبر إلى غاية 12 دجنبر من السنة الحالية، وهو المعرض الذي يختزل الإنتقال الإبداعي الجديد في فن الصورة ضمن مسيرته الإبداعية حيث يقدم الفنان المذكور من خلال الصور المعروضة زخما من الوجدانيات المتناسقة والأحاسيس المتماوجة التي تفرض على المتلقي المكوث أمامها لوقت غير قصير. من جهة أخرى، إستطاعت اللوحات المعروضة من طرف الحادمي أن تشد الحضور لكونها تعرض مشاهد من الأثواب المصبوغة والمعلقة في سوق الصباغين ، كفضاء يختزن قواسم اللاوعي الجمعي للشعب المغربي، حيث إستطاع الحادمي أن يتسلل بمهارة فنية حاملا آلته وسط الدروب وبين المنعرجات والمتاهات في رحاب الصباغين، وفوق سطوح دكاكينها وورشاتها ليقتنص ماتجود به الحبال المشدودة الحاملة لمنسوجات ولفائف الأقمشة والأصواف المغزولة والخارجة مباشرة من حرارة المراجل المنصوبة على أتون النيران، والتي حولتها السواعد المضمخة بكل الألوان الداكنة والزاهية، قبل أن تختطفها عدسة الحادمي في لحظات ولادتها الوجودية ، ولتنأى بها عن التلاشي الذي يتهددها ومن النسيان الذي قد يحاصرها . صور تطرح حزم ولفائف وشالات منسوجة ومصبوغة ، لتقدمها للمتلقي على أطباق من التداعيات والتأويلات والرؤى التي تزيد من وهجها شمس مراكش الآخذة بنصيب ضمن نسقيات الصور المعروضة ، إذ تخترقها الأضواء الشفيفة التي تزيدها عمقا دلاليا ومنحى جماليا توطده عدسة الحادمي بشكل، حيث يبدو داخل الصور تلاعب النسائم الذاهبة والرائحة بهذه المصبوغات ، وهي تحملها على أجنحة الترنح نحو عوالم لامتناهية من الإحالات المغمورة بكل ألوان الفرح والسعادة، والنجاة. وكأن المواد التي تتضمنها الصور الفوتوغرافية في هذه التجربة الأخيرة،والتي هي ليست سوى أثواب وأقمشة رحبة الصباغين بمراكش، تستشرف الآتي ، في كونها ستعانق الصدور والنحور والهامات ،لذلك تقدم نفسها وكأنها أطياف راقصة من حصص “باليه” مضمخة بضبابية مشرقة ومتوهجة. إلى ذلك ، يشكل هذا المعرض قيمة فنية وجمالية لذاكرة سوق الصباغين بمراكش بكل مقوماته الجمالية والتراثية، وبما له من أبعاد أنطولوجية واجتماعية فضلا عن الأبعاد الفنية والحضارية وكأن هذا الفنان يستمد وجوده التشكيلي من خلال جذوره التاريخية في هذا الحقل الفني، كما يحتضن لحظات زمانية ومكانية تلملم مسارات الحادمي نحو إنطلاقة جديدة من دون شك أنها ستستقطب اهتمام النقاد والدارسين والمختصين في الفن الفوطوغرافي، ولايستبعد في أن تؤسس لتوجه فني متميز بتيماته المتجذرة في تربة المدينة العتيقة. فمعرض الحادمي هذا؛ أعاد بناء حبات ذلك العقد المنفرط من بهجة الأمكنة في المدينة، تكتنفه وحدة موضوعاته بتمايزات فردية انفرادية في الأسلوب والتقنية والتشكيل، وإستثمار الظلال والأطياف وذاك التلاقح والتبادل الذي عرف الفنان الحادمي كيف يوظف من خلاله محصلات وتجارب وخبرات مخزونه البصري،والثقافي ليعبر عن فنية خلابة وصناعة تشكيلية تبلورت من خلال حياة الفنان وممارساته التطبيقية، التي تمرس عليها في صناعة اللوحات الفوطوغرافية، الممزوجة بسباكة الصورة البصرية التشكيلية الناطقة بلغة اللون والزوايا المضيئة والمعتمة في تيماتها. مما يجعل عين المتلقي وهي تتجول بفضاء المعرض، تكتشف هذه الوحدة وهذا التنوع في ذات اللحظة عبر تموجات اللوحات الفنية المعروضة، ومدى ضبطه للمقامات اللونية، وخصوصيته في تركيب بنياتها الجمالية إضافة إلى طريقته وأسلوبه في معالجة التفصيلات والتمفصلات والمواقع التي يشتغل عليها بعدسته وبرؤيته الخاصة للحياة والإنسان والأشياء والأمكنة والزمان، حيث يستلهم الحادمي الرمز والعلامة المتلاشية في بنيات لونية واهية، بالمفهوم السيميائي الدلالي عن مكنون الدال والمدلول ، وفي ترابطهما بعلاقة السياق الزمني الواقعي في المشهد الفني الشعبي التقليدي، ضمن الفضاء المعماري لسوق الصباغين المراكشي ، بهندسته المتميزة في الأبعاد والأحجام والعمق، وبخاماته وأشكاله وزخارفه الفطرية والتلقائية على الجدارات وبفسيفسائها الفطرية، المبثوثة في العصي والمراجل والطين المحموم وعلى الأجساد وفي الحكايات والمرايا والمنافذ والأعماق وغيرها من التموقعات والمشاهد المنطلقة من الواقع المعماري والبصري ، ومن المسافات الدلالية والرموز التعبيرية.