ساذج هو ذاك الذي يعتقد أن مقتل بن لادن دق ناقوس نهاية الإرهاب والنزعة الإرهابية. فبالنسبة للقاعدة ، كانت قد أصبحت ، ومنذ وقت طويل عبارة عن إسم أو صفة، أكثر منها هيئة أو كيانا متجانسا خاضعا بشكل ممركز لأوامر وتعليمات بن لادن. وكما لاحظ ذلك ماتيو كيدار، أحد المتخصصين في الجغرافيا السياسية على المستوى العملي ، فإن هذه الميتة لن تغير في الأمر شيئا ؛ وذلك لأنه ” لسنوات عديدة ، أخذ بن لادن في التراجع وترك أمر القيادة الإيديولوجية والعملية لنائبه الأول أيمن الظواهري. زيادة على أن حركة اللامركزية والجهوية مكنتا من ضمان الاستقلال الذاتي الكلي لكل فرع ، وبالأخص الفرعان الأكثر نشاطا : AQPA (تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية) ومقره اليمن، والقاعدة في المغرب الإسلامي (تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي) ومقره شمال إفريقيا والساحل. “ أيضا ، فإنه سيكون من الدقة أكثر الحديث عن سديم تنظيم القاعدة ؛ وهو نوع من الفضاء الذي تعمل فيه عدة فروع متباينة بشكل مستقل بعضها عن البعض الآخر. وبذلك فلم يعد بن لادن لوحده في مواجهة الولاياتالمتحدة – ونتيجة لذلك - يشكل أي تهديد حقيقي. وبالإضافة إلى ذلك ، فقد فقدت المنظمة وزعيمها كل جاذبية في أعين الشعوب العربية التي انتقلت أعينها مفتونة، أيما افتتان، صوب رجال من قبيل نصر الله الذي حقق في الميدان، ولأول مرة، نصرا واضحا على الجيش الاسرائيلي المعروف حتى ذلك الحين بأنه الجيش الذي لا يقهر. وجدير بالذكر أيضا أن الشعوب العربية قد انتفضت في الآونة الأخيرة ، لا باسم الإسلام أو الجهاد، وإنما باسم الديمقراطية والحرية والعدالة والكرامة ، محطمة بذلك أطروحات بن لادن التي ترى أن انهيار الحكام العرب غير قابل للتحقيق إلا عن طريق العنف. ألم يتم طرد بن علي ومبارك إثر انتفاضتين سلميتين؟ وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن بن لادن هو صنيعة أمريكا؛ ألم تكن الولاياتالمتحدة قد كونت وسلحت ودربت الآلاف من الجهاديين للقضاء على الوجود السوفياتي في أفغانستان؟ أولئك الجهاديون الذين ما إن عادوا إلى بلدانهم حتى تمردوا على قادتهم وأنظمتهم. إذن ، فبن لادن هو نتيجة وعاقبة من عواقب سياسة الولاياتالمتحدة. لكن أمريكا بقتلها لبن لادن لم تكن تستطيع أن تقدم له ميتة أكثر شرفا ومجدا من الموت في ميدان الوغى ويده تحمل السلاح ، فتلك ميتة تحمل بين ثناياها احتمال خطر فتح باب سلالته على مصراعيه في الأجيال القادمة. لكنه سبق للولايات المتحدة أن قتلت غيفارا ، أليندي ، لومومبا ، لكنهم اليوم أحياء بيننا أكثر من أي وقت مضى. الإرهاب المناهض للولايات المتحدة هو فعل المقهورين، وبقايا الحساب الناجمين عن سياسة أمريكية متغطرسة وقليلة الاكتراث برفاهية الشعب العربي، سياسة لم تتوقف عن دعم جميع الأنظمة الفاسدة ، فهل يكفي أن تضمن مصالحها ومصالح محميتها إسرائيل.. إن وفاة بن لادن لن تنسي الناس مئات الآلاف من الأبرياء الذين قتلتهم القوات الأمريكية في فيتنام والعراق وأفغانستان، أو تنسيهم أيضا دعم سكان البيت الأبيض المستمر للإرهابيين الإسرائيليين الذين يواصلون قتل الفلسطينيين طيلة النهار والليل. لن تعرف الولاياتالمتحدة حظوظ عدم ظهور أمثال بن لادن إلا عندما تنهي سياسة الكيل بمكيالين، وتعامل كل الإرهابيين بنفس الصرامة ، و تسحب دعمها للمستبدين في العالم. وفي انتظار ذلك، فإن اختفاء الزعيم الأسطوري لتنظيم القاعدة لن يكون له تأثير كبير وحاسم في أفغانستان؛ وذلك لأنه ، ولفترة طويلة ، كانت العلاقات بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة قد توترت. لكنه بالمقابل ، سيرغم أوباما على تسريع سحب قواته من هذا البلد، وذلك تحت ضغط الشعب الأميركي الذي لم يعد يرى سببا لبقاء أبنائه في تلك البلاد البعيدة. وعلاوة على ذلك ، فإن هذا “النجاح” في نظر رئيس البيت الابيض هو صفقة من المؤكد أنها ستعزز موقفه في مواجهة خصومه في الحزب الجمهوري. لقد أعلن أوباما وفاة بن لادن بهذه العبارات : “العدل beendone” وترجمتها “لقد تحققت العدالة”؛ ومن ثمة فقد يظن البعض أن بن لادن حوكم وأدين وأعدم بعد استنفاد جميع وسائل الانصاف، وذلك بعد تسليمه من قبل بلد من المفترض أن يكون بلدا ذا سيادة. لكن الأمر لم يكن كذلك، وذلك لأن الولاياتالمتحدة تصرفت بشكل منتهك للقانون الدولي، تماما كما فعلت حين أسرت الجنرال نورييغا ببنما وصدام حسين بالعراق ...!.