قواسم مشتركة كثيرة تلك التي تجمع بين أوضاع مخيمات تندوف، حيث يحتجز آلاف المغاربة الصحراويين في أوضاع لا إنسانية من طرف طغمة مدججة بالسلاح من بقايا آثار الحرب الباردة في منطقة المغرب العربي، طغمة مدعومة من مخابرات الجزائر ونظامه السياسي والعسكري ماديا ومعنويا، وأوضاع قطاع غزة حيث يحاصر مليون ونصف فلسطيني برا وبحرا وجوا من طرف العدو الصهيوني والنظام المصري، وبمباركة ودعم من قوى الاستكبار العالمي، وللأسف من النظام العربي الرسمي أيضا، بل وحتى من نظام عباس – فياض بمقاطعة رام اللهالمحتلة. أول ما يجمع بين الحالتين هو انتساب المحاصرين لملة واحدة ودين واحد ولسان واحد، أمة مسلمة، جعلها الله أمة واحدة، دينها يمقت التفرقة والتشتت، ويكره الظلم والإكراه والتجويع ولو للحيوان، ويحث على الوحدة والحرية والتكافل ومقاومة الظلم، لكن نتائج مؤتمر سايسبيكو المشؤوم، الذي مزق الأمة إربا إربا، وجعلها كمربعات قطعة الشطرنج، والمشاريع الامبريالية التغريبية، التي استبدلت نفس الوحدة، بالحرص على المزيد من التجزئة والتفرقة والاعتزاز بالإثم، واستبدلت شرعية التاريخ والدين والدم واللغة ، بالشرعية الدولية، التي ما هي في النهاية إلا شرعية الظالم على المظلوم، ومنطق الغالب على المغلوب، وحكم العدو على عدوه، كل ذلك أتى على كل القيم الايجابية في خير أمة أخرجت للناس، فجعل الأخ يحاصر أخاه، بل يجوعه ويهدده ويحاربه. إن المرء اللبيب ليقف مشدوها أمام هذا الدرك من الحضيض الذي وصلت إليه أوضاع وتفكير أنظمة تأبى إلا أن تعاكس منطق العقل والحق والإنسانية، فكيف يفهم المرء بناء جدارين جديدين في هذا القرن، الأول فولاذي في عمق الأرض على حدود قطاع غزة مع مصر، لمزيد من إحكام الحصار، وقطع ما تبقى من شريان الحياة عن أناس كل ذنبهم أنهم تشبثوا بأرضهم وحقهم في مقاومة احتلال صهيوني بغيض، و يوجدون تحت حكم حركة حماس التي لا يكن لها النظام المصري أي ود، ما دامت تتقاسم نفس القناعات مع حركة الإخوان المسلمين الأشد معارضة له، والجدار الثاني على مشارف مخيمات اللاجئين المغاربة الصحراويين بتندوف، حتى يمنعوا من العودة والالتحاق بوطنهم، تشبثا بسراب دولة صحراوية مستقلة ، تكون تابعة ذليلة، وممرا لشواطئ المحيط الأطلسي، ومخافة من نزيف في هذه المخيمات، بعد أن التحق المئات من محتجزيها بوطنهم من مختلف الرتب والشرائح، وعوض الاعتبار بذلك واستغلال التغيرات العالمية الايجابية، ومبادرة الحكم الذاتي الموسع، التي تشكل أفضل مخرج لهذه المعركة الخطإ، لأنها لا تجعل في النهاية غالبا أو مغلوبا، وتحفظ ماء وجه الجميع، وتصون حقوق كل الأطراف، وأفضل توفيق بين الاستقلال الكامل أو الاندماج الكامل، ولكنه عمى الألوان، والعصبية العمياء، والاعتزاز بالإثم، ومنطق المقامر الذي يصر على المواصلة رغم التأكد من الخسران. إن الاستغراب ليزداد وهو يرى كل الجدران خارج أمتنا قد انهارت وسويت بالأرض من جدار برلين الى جدار الميز العنصري بجنوب إفريقيا، والكل يسعى للتكتل والوحدة والاندماج، في زمن لا يعترف بالضعفاء ولا يقيم وزنا للكيانات الصغيرة. لقد أصبحت المآسي وتشييد الأسوار والجدران الفاصلة والمحاصرة حكرا على هذه الأمة، لحد أنه كلما سمعنا عن حرب أو تقتيل أو حصار أو تجويع أو انقسام، إلا وعرفنا أن الأمر يتعلق بمسلمين، من كشمير إلى الشيشان إلى أفغانستان إلى الصومال إلى العراق إلى فلسطين إلى الصين ... حتى أصبح وضع امتنا يحزن العدو قبل الصديق. ومع كل القواسم المشتركة بين مخيمات تندوف وقطاع غزة، هناك عنصر فارق بين الحالتين، بما تمثله الحالة الأولى من ذل وهوان وعار، عن شقيق يتاجر بمآسي جزء من إخواننا المغاربة، ويحاصرهم في أوضاع بئيسة، عوض السماح لهم بالالتحاق بأسرهم وديارهم، حيث العيش الكريم والكرامة الإنسانية، وما تمثله الحالة الثانية من عز وصمود وإباء قل نظيره، وشهامة وشجاعة ورباطة جأش لشعب أعزل يأبى إلا أن يواجه، بإيمان قوي وصدور عارية، الترسانة العسكرية العاتية للكيان الصهيوني المدعوم دوليا، تشبثا بحقه في البقاء على أرضه، أرض الرباط، ومقاومة احتلال بغيض تميل كل موازين القوى لصالحه، في مشهد تاريخي حي قل نظيره على مدار الأزمنة، فالتخلف حقا ليس له حدود والإيمان حقا يصنع المعجزات. [email protected] mailto:[email protected]