من الطرائف المضحكة المبكية أن مؤسسة حكومية اتفقت مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان " سابقا " ( و "سابقا " هاته تعود على المجلس وحقوق الإنسان معا ) على تحويل المعتقلات " السرية " السابقة القائمة على امتداد أربعة عقود إلى مزارات ومتاحف وأماكن لحفظ الذاكرة المغربية الموشومة بالثقل الرمزي لمقابر الأحياء في تازمامارت وأكدز وقلعة مكونة ودرب مولاي الشريف واللائحة طويلة ، وما خفي كان أعظم ، خصوصا بعد أن فكت عقدة لسان المغاربة ، وأصبح الخوف يخاف على نفسه . وكان المغاربة يتحدثون عن هذه المعتقلات همسا إلى أن انفجرت فضيحتها عالميا ، وتم تصنيفها في خانة أكبر المعسكرات الحاطة من كرامة الإنسان في النصف الثاني من القرن العشرين ، وأدرجتها المنظمات الحقوقية الدولية ضمن لائحة الوصمات المخجلة على جبين الإنسانية جمعاء ، وسارعت السلطات إلى إغلاقها بعد أن كانت تنفي ، تماما ، وجودها ، بل إنها أكدت ، يوما ما أن قلعة مكونة ، التي كانت تأوي معتقلا رهيبا ، لا تنبت فيها سوى الورود ، فهل نبتت هذه الورود بعدما سقتها دماء المناضلين الأحياء والشهداء ؟ . لكن هذه السلطات ، التي محت شامات المعتقلات في المناطق النائية المحروسة ، أبدعت وشما جديدا على مرمى حجر من العاصمة الرباط . ويتعلق الأمر بمعتقل " تمارة " ، أو " تمارانامو " ، الذي ذاع صيته عالميا ، بعد أن تحول ، لفترة من الفترات ، إلى ملحق لمعتقل غوانتنامو ، كما أوردت ذلك الصحافة الدولية التي كشفت أن الطائرات الأمريكية كانت تحمل معتقلين من غوانتنامو إلى بعض البلدان ، ومنها المغرب ، بعدما استعصى استنطاق هؤلاء المعتقلين على المحققين الأمريكيين ، لعل " الخبراء " المغاربة ينجحون في إنطاق الأبكم . وقد أثير ، خلال الأيام الماضية ، موضوع معتقل تمارة ، في سابقة فريدة من نوعها من سوابق البرلمان المغربي ، الذي هو الآخر معتقل لإرادة الشعب ، وقد طالب فريق برلماني بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول ذلك المعتقل ، إلا أن العجيب هو أن باقي الفرق قد رفضت ذلك جملة وتفصيلا . ما فشل فيه البرلمان ، الفاشل أصلا ، حاولت حركة شباب 20 فبراير إنجاحه ، عبر تنظيم " نزهة احتجاجية " إلى غابة تمارة ، حيث يوجد المعتقل سيئ الذكر بين الأدغال ، وذلك يوم الأحد 15 ماي ، فحالت الآلة القمعية ، التي استنفرت كل قواها ، دون وصول المحتجين ، وذلك بمطاردتهم في شوارع العاصمة الرباط ودروبها ، والتنكيل الجسدي بالشباب والحقوقيين والصحافيين وعائلات المعتقلين وكل الفعاليات التي حاولت أن تشعل شمعة في ظلام المعتقل الرهيب ، الذي تقول السلطات إنه مجرد مركز إداري تابع لجهة أمنية ، لكنها لم تذهب إلى حد القول بأنه مشتل لزراعة الورود والأزهار وإنتاج العطور ، فيما يؤكد منتدى لحقوق الإنسان أن أغلب حالات الاختطاف والتعذيب تتم في معتقل تمارة ، وأنه خلال عام 2010 تم رصد 19 حالة اختطاف ، في اتجاه " تمارانامو " . والخوف كل الخوف هو أن تقوم السلطات ، بفعل ضغط الشارع والمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية ، بإغلاق معتقل تمارة ، وتعويضه بمعتقلات سرية جديدة مبثوثة على طول وعرض الوطن ، في إطار " جهوية متقدمة " ، سيتم تجريبها على المستوى القمعي ، فيما هي وضعت أساسا ، وعلى ما يبدو لضمان التنمية المتوازنة والمتضامنة لكل الجهات ، سواء تعلق الأمر بجهات " المغرب النافع " ( النافع لمن ؟ ) أو المغرب غير النافع ، حسب التصنيف الذي وضعه عراب الاستعمار الفرنسي الجنرال ليوطي . لكن ليوطي غادر ، وظل تصنيفه قائما ، إلا في المجال الزجري ، حيث ستتساوى كل الجهات ، قمعيا ، وهو المخطط الذي ستفشله ، حتما ، نضالات حركة شباب 20 فبراير وكل المغاربة ، إلى أن تتوقف آلة الاستبداد والفساد والقمع عن إنتاج المزيد من الشطط والظلم في استعمال السلطة ، وتنتهي عهود الاختطاف القسري والتعذيب ومصادرة الحق المشروع في الجهر بالرأي ، بعيدا عن فزاعات المعتقلات السرية والعلنية ، وقريبا من عدالة لا تغمض عيناها عما يجري حولها من تجاوزات مجحفة عرفتها ما أطلقوا عليه " سنوات الرصاص " ، التي تم الإعلان رسميا عن نهايتها ، لكن رصاصها عصي على الذوبان ، وعصي على أن تتطابق الحقيقة مع الإنصاف ، والشعارات مع ما يقع فوق الأرض وتحتها .