لقي اجتماع كل من الاقتراح المغربي الأخير بإقامة "منطقة صحراوية تتمتع بالحكم الذاتي"، والاقتراح المقابل الذي قدمته جبهة البوليساريو باستقلال الصحراء مع ضمانات للمصالح المغربية فيها، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1754 الداعي إلى مفاوضات مباشرة بين الجانبين ، ترحيباً واسعاً بصفته اختراقاً مبشراً في نزاع الصحراء الغربية الذي طال به الزمن كثيراً. وقد يكون هذا التفاؤل محقاً في آخر المطاف، لكن الأرجح أنه سابق لأوانه، فالآليات الكامنة خلف النزاع ما زالت على حالها لم تتغير. وما زالت الشقة بعيدة بين المواقف الرسمية لكل من المغرب وجبهة البوليساريو؛ كما أن موقف الجزائر لا يزال غامضاً بما يجعل التعامل معه صعباً؛ فضلاً عن أن الأممالمتحدة، وهي مسؤولة عن حل النزاع، ما زالت مستمرة في حرمان نفسها من وسائل حله. إن الخروج من المأزق يتطلب بالحد الأدنى تغير الإطار العام الذي ما زال يحكم المساعي الرامية إلى حل النزاع حتى يومنا هذا. وعلى مجلس الأمن إما أن ينهض بالمسؤولية التي اضطلع بها لتأمين حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية نهوضاً تاماً، أو أن يقرّ بعدم قدرته على ذلك ويشجع كلاً من المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر على حل الأمر فيما بينهم وفقاً لأي أساس يستطيعون الانطلاق منه. وتمكن نسبة المأزق، في جزء منه، إلى عدم رغبة الأطراف الرئيسية في تقديم تنازلات بشأن العناصر الأساسية في موقف كل منهم. وهذا عائد بدوره إلى عوامل كثيرة: مدى ما تجده بعض العناصر في قيادات كل من المغرب والبوليساريو والجزائر من مصلحة لها في الوضع القائم؛ وضيق مجال المناورة أمام الملكية المغربية والرئاسة الجزائرية فيما يتصل بعلاقة كل منهما مع قادتها العسكريين خاصةً؛ وكذلك قلة الضغط الذي يمارسه الرأي العام المحلي من أجل تغير السياسات في الجزائر والمغرب؛ وعزلة جبهة البوليساريو المتمركزة في تندوف عن الرأي العام في المنطقة؛ وحقيقة أن الكلفة السياسية للبقاء على المواقف غير المهادنة تبدو، منذ سريان وقف إطلاق النار عام 1991، أقل من الكلفة السياسية المحتملة للابتعاد عن تلك المواقف. لكن، وإذا كانت هذه العوامل ميالة إلى تعزيز بعضها بعضاً وإلى الاجتماع معاً ضمن دائرة مفرغة، فهذه هي عاقبة عجز مجلس الأمن الدولي قبل أي اعتبار آخر. لقد انطلق تحمل الأممالمتحدة المسؤولية أساساً من فرضية مفادها أن مسألة الصحراء الغربية مسألة من مسائل نزع الاستعمار، ومن مبدأ مفاده أن مستقبل المستعمرة السابقة يجب أن يتقرر على أساس حق تقرير المصير للسكان المعنيين، وهو ما يمارسونه عبر استفتاء تنظمه الأممالمتحدة. وحتى يكون هذا الاستفتاء قائماً على مبدأ تقرير المصير حقاً، فلابد له من عرض الخيارين الأساسيين على الأقل (الاندماج بالمغرب، والاستقلال). لكن الأممالمتحدة عجزت إجمالاً حتى الآن عن وضع هذا المبدأ موضع التطبيق وعن تنظيم الاستفتاء. على أنها لم تتوصل بعد إلى استخلاص الدرس من هذا الفشل، وهو تحديداً: إذا لم تستطع الأممالمتحدة تجاوز فشلها، فلا سبيل إلى حل المسألة على أساس مبدأ حق تقرير المصير. ويعمل رفض الأممالمتحدة استخلاص هذا الدرس على الحيلولة بين الأطراف المعنية وبين استخلاصه أيضاً. وبدلاً مما تقدم، تخلت الأممالمتحدة ضمنياً عن موقفها المبدئي السابق، لكنها تواصل لعب دور الحكم في النزاع. وقد تبين عجزها على لعب دور الوسيط في التسوية منذ عام 2003. لكنها، وعبر مواصلتها محاولة لعب دور الحكم، تعمل على تشجيع كل من الأطراف المتعادية على مواصلة التركيز على محاولة حشد المواقف داخل الأممالمتحدة حتى تحكم في صالحه. ولعل الاقتراحين الأخيرين المقدمين من المغرب والبوليساريو مثالان على ما نقول: فاقتراح كل من الطرفين ليس موجهاً إلى الطرف الآخر، بل إلى الأممالمتحدة وإلى الحكومات الرئيسية في الغرب. وبالتالي، يحمل كل من المقترحين طابع المناورة الرامية إلى التأثير في المجتمع الدولي وليس طابع الحركة الافتتاحية في مفاوضات صادقة تجري مع الخصم التاريخي. وإذا أبدى مجلس الأمن ميلاً إلى أي من الاقتراحين، فلن تكون النتيجة إلا "حلاً" مفروضاً لا يكون له كبير قوة أخلاقيةٍ لدى الطرف الآخر مما يستبعد احتمال كونه حلاً حقيقياً. وكما يبين تقرير عن كرايسز جروب يصدر بالتزامن مع هذا التقرير، فإن ثمة كلفة عالية لاستمرار الفشل في حل هذا النزاع، وخاصةً بالنسبة لشعب الصحراء الغربية، وبالنسبة لمجلس التعاون المغاربي في ما يخص المجالات الأمنية والاقتصادية، وكذلك بالنسبة لمصداقية الأممالمتحدة. إن التوصل إلى الخروج من المأزق يفرض على مجلس الأمن الدولي أن يتخذ قراراً: إما أن يعثر على ما هو مفقود حتى الآن، أي الإرادة السياسية لتوصل إلى حل النزاع من خلال استفتاء حرّ عادل حقاً، أو أن ينبذ طموحه في لعب دور الحكم ويعمل على حث المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر على حل النزاع فيما بينهم استناداً إلى ما يستطيعون حقاً التوافق على تطبيقه من مبادئ. وقد يبدو مجلس الأمن في تبنيه القرار رقم 1754 الداعي إلى مفاوضات بين الأطراف المعنية وكأنه نبذ نهائياً الخيار الأول واعتمد الثاني. لكن، ومع تحدث القرار في الوقت عينه عن وجوب سعي المفاوضات إلى حل "يحقق تقرير المصير لسكان الصحراء الغربية"، فإن مجلس الأمن في الواقع يصوغ المسألة على نحوٍ فارغ من المعنى مما يمكن أن يلحق ضرراً جدياً بالمفاوضات التي يدعو إليها. يمكن التوصل إلى حل النزاع إذا تُرك أطرافه يتفاوضون على شروط الحل بأنفسهم. وما من شك في أنه يمكن لهذه الشروط أن تستند إلى الحالة القائمة، وأن تتألف من حزمة من التنازلات المتبادلة. وبما أن عودة الجزائر أو جبهة البوليساريو إلى الحرب أمر مستبعد، ولأن جبهة البوليساريو لا تملك الكثير مما تقدمه لتهدئة قلق الرباط من أن يؤدي استقلال الصحراء الغربية إلى زعزعة أركان الملكية، فمن المستبعد تماماً أن تستطيع الجبهة إقناع المغرب بحل النزاع استناداً إلى المبدأ الديمقراطي القاضي بتقرير المصير. لكن، قد يكون بوسع الجبهة والمغرب التوافق على حل النزاع استناداً إلى أرضية أخرى. وإذا توصلت الأطراف إلى اتفاقٍ من هذا النوع، يصبح من الممكن طرحه على سكان الصحراء الغربية للمصادقة عليه. وهذا الإجراء يقصّر شوطاً بعيداً عن تحقيق مبدأ تقرير المصير، فالتظاهر بغير ذلك تحقيرٌ لهذا المبدأ. لكنّ بوسع هذا الإجراء، من خلال تحقيق توافق الآراء، إضفاء الشرعية على الحل المتوافق عليه في أعين الناس الذين يصيبهم أثره على نحوٍ مباشر. لقد أفضى تطاول أمد محاولات حل مسألة الصحراء الغربية على أساس مبدأ تقرير المصير بمعظم الأطراف والمراقبين على حدٍ سواء إلى الإفراط في التركيز على هذا المبدأ كما لو كان المبدأ الوحيد في المسألة كلها. والواقع أن ثمة مبادئ أخرى ساهمت في الأمر منذ بدايته وعملت خفيةً على توجيه سلوك الأطراف المتعادية الرئيسية. فبالنسبة للمغرب، كان من بين هذه المبادئ مبدأ وحدة التراب الوطني كما يتصوره المغرب، وكذلك شرعية الملكية. أما بالنسبة لجبهة البوليساريو، فهو الحفاظ على هوية الصحراويين في الصحراء الغربية والتمثيل الفعلي لمصالحهم. وأما بالنسبة للجزائر، فهذه المبادئ تشمل مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة من الحقبة الاستعمارية، وحفظ التوازن الاستراتيجي في المنطقة، والحفاظ على التزامات الجزائر إزاء جبهة البوليساريو. وهذه كلها أمور تتصل بمبادئ حقيقية أصيلة في نظر أصحابها من الأطراف المعنية. ولعل بوسع مفاوضاتٍ تأخذ هذه المبادئ بحسبانها أن تثمر اتفاقاً. وأما الاتفاق الذي يقوم عليها، فهو يستحق احترام المجتمع الدولي. توصيات إلى مجلس الأمن الدولي: 1. اتخاذ القرار إما: أ) بإقناع الحكومة المغربية بالموافقة على تنظيم استفتاء لشعب الصحراء الغربية يقوم على مبدأ تقرير المصير، وهو ما يتضمن خيار الاستقلال تعريفاً؛ أو ب) بدعوة المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر إلى التفاوض على حلٍ للنزاع يستند إلى المبادئ التي يستطيعون التوافق عليها، كائنةً ما كانت. 2. الإقرار بأنه إذا كان للخيار (ب) أن يُؤتي ثماره: أ) فلابد أن تكون المفاوضات: 1) مباشرةً من غير قيد، ومن غير وساطة الأممالمتحدة ومن غير خضوعٍ لأي تعريفٍ مسبقٍ للمسألة من جانبها؛ 2) منطلقةً من المغرب على صورة عرض شروط يُعنى جدياً بمصلحة كلٍ من جبهة البوليساريو والجزائر. ب) يجب أن يكون الدور الذي تقوم به الأممالمتحدة مقتصراً على: 1) إقامة وجودٍ لها في الصحراء الغربية يكون عازلاً بين الأطراف المعنية؛ 2) تقديم المساعدة العملية للمفاوضات عندما تطلبها الأطراف الثلاثة مجتمعةً؛ 3) قبول الاتفاق الذي تتوصل إليه الأطراف الرئيسية الثلاثة. إلى الحكومة المغربية: 3. الاعتراف والإقرار بأن استمرار معارضتها حل النزاع من خلال الاستفتاء على تقرير المصير يُلقي على عاتقها قدراً من المسؤولية يفوق ما يلقيه على عاتق الأطراف الأخرى، وذلك للسماح بالتوصل إلى حلٍ من خلال المفاوضات؛ 4. الإقرار بأن اقتراح الحكم الذاتي الذي تقدمت به مؤخراً يقصّر كثيراً عمّا هو مطلوب لضمان موافقة جبهة البوليساريو أو الجزائر على تسوية النزاع استناداً إلى الاعتراف بالسيادة المغربية، والإقرار بأن هذا الاقتراح بحاجةٍ إما إلى تعديلٍ كبير أو إلى الاستعاضة عنه باقتراحٍ آخر، وذلك من أجل: أ) توضيح أن المنطقة التي يجب التوافق على الترتيبات السياسية المستقبلية الخاصة بها تطابق الصحراء الغربية التاريخية (الصحراء الإسبانية سابقاً)؛ ب) تمكين جبهة البوليساريو من حق العمل ضمن نطاق القانون داخل الصحراء الغربية بصفتها حزباً سياسياً تعترف به الحكومة؛ ت) أخذ مخاوف الجزائر بعين الاعتبار على وجهٍ سليم، وخاصةً فيما يتصل بمبدأ عدم جواز خرق الحدود الموروثة عن الحقبة الاستعمارية، وكذلك الجوانب الهامة المتصلة بالحدود بين الجزائر والمغرب. 5. توجيه أي اقتراح مستقبلي أو مبادرة مستقبلية إلى جبهة البوليساريو والجزائر في المقام الأول. * عن مجموعة الأزمات الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة