اندلعت مواجهات عنيفة منتصف شهر نونبر الماضي ، ليس بعيداً عن مدينة العيون في الصحراء الغربية . هذه المواجهات أحيت ملفاً كان يغرق شيئاً فشيئاً في غياهب النسيان . ومن الواضح أن مسألة الصحراء الغربية التي أُثيرت منذ زوال الاستعمار الإسباني عام 1975 ، تمثّل " نزاعاً مجمّداً " لم يعرف إلا نادراً ، منظوراً للحل ، رغم جهود منظمّة الأممالمتحدة . وإذا كان هذا النزاع يعني مباشرة المغرب وجبهة البوليساريو ، فإنه يندرج في إطار منافسة إقليمية بين المغرب والجزائر ، وحيث تتداخل كذلك مصالح فرنساوإسبانيا والولايات المتحدة . ثمّ إن محاولات معالجة المسألة فقط على أساس مبادئ القانون الدولي ، تبدو اليوم غير كافية ، ذلك أن الاقتراحات الأولّية للتسوية قد فقدت جزءاً من معناها في أرض الواقع . والطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات ، يرمز للأسف إلى عدم قدرة التوفيق ، كما يبدو ، بين المواقف التي تدافع عنها أطراف النزاع . جبهة البوليساريو تطالب باستقلال الصحراء الغربية منذ عام 1976 ، حيث أنها أعلنت في تلك السنة إقامة " الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية " . ولم تتخلّ منذ ذلك الحين عن هدف حق تقرير المصير، وعن خيار الاستقلال في خطط حلّ النزاع . ولم تبتعد باسم القانون الدولي عن مواقفها الأولى ، واستطاعت أن تسيطر على جزء من المنطقة المتنازع عليها . وتعتبر المغرب أن الصحراء الغربية تشكّل جزءاً من جنوبها ، وتؤكّد الروابط التاريخية مع القبائل الصحراوية. والحكومة المغربية ، المدافعة عن وحدة ترابها ، استثمرت الكثير في هذه المنطقة من أجل إبقائها تحت سيطرتها ، ومن أجل تشجيع تنميتها . وبعد أن عارضت المغرب بداية أي حل غير بقاء الصحراء الغربية كمنطقة مغربية كغيرها ، قبلت بحلّ الحكم الذاتي الذي يعترف بخصوصية الشعب الصحراوي . المسألة العالقة منذ سنوات ، تخص تنظيم الاستفتاء، وخاصّة فيما يتعلّق بمن سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع . البوليساريو تريد الاعتماد حصراً على إحصاء عام 1974 . أمّا المغرب فإنها تطالب أن يشارك في الاستفتاء العديد من الناخبين الذين قدموا منها ، منذ خروج إسبانيا عام 1975 . وبالرغم من وقف إطلاق النار المفروض من قبل الأممالمتحدة منذ عام 1991 ، وتشكيل لجنة الأممالمتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية ، فإن جميع اللقاءات والمفاوضات بقيت في الطريق المسدود ، ولم يتوصّل أي مبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى دفع الوضع إلى الأمام . وآخر دورة للنقاش في شهر نونبر2010 ، لم تؤد سوى إلى اتفاق الأطراف ، بالإضافة إلى الجزائر وموريتانيا ، على تسريع إجراءات الثقة ، خاصّة فيما يتعلّق بتسهيل تبادل الزيارات بين عائلات اللاجئين . وبالإضافة إلى الخلافات العميقة بين الخصمين ، تساهم التدخلات الإقليمية والعالمية في زيادة الوضع توترا . إن وجود نظام صديق للجزائر في الصحراء الغربية ، يؤمّن لها منفذاً على المحيط الأطلسي ، مما قد يوفّر سبل تصدير جديدة لمواد الطاقة ، هذا إلى جانب إمكانية الاستثمار المشترك للفوسفاط في الصحراء الغربية . وموريتانيا التي تخلّت عن طموحاتها في الصحراء الغربية ، ظلت لسنوات طويلة تدعم كذلك البوليساريو للحد من تعاظم قوّة المغرب . إن فرنساوإسبانيا والولايات المتحدة ، تدعم كلها المغرب لأسباب مختلفة. وهي ترى فيه بلداً عربياً معتدلاً ، وشريكاً فعّالاً في مكافحة الإرهاب . هكذا حصل المغرب عام 2004 على مكانة " حليف غير أطلسي " من قبل واشنطن. والأممالمتحدة متمسّكة بالاستفتاء ، في الوقت الذي أقرّ فيه الممثلون المتعاقبون للأمين العام للمنظمّة الدولية ، أنه من الصعب تصوّر إمكانية تنظيمه عمليا ً. ومجلس الأمن يساهم في حالة الجمود بعدم تبنّي أي قرار حاسم حول هذا الملف . وفي ظل ابتعاد منظور الحل السلمي ، قد يتبنّى قسم من الصحراويين العودة إلى الكفاح المسلّح؛ الأمر الذي قد يتم طرحه في مؤتمر البوليساريو المرتقب عام 2011 . هذا بالإضافة إلى خشية أن يدفع اليأس بعض الشباب الصحراويين إلى الانضمام لتنظيمات متطرّفة . وأحداث العنف التي عرفتها منطقة العيّون قبل فترة وجيزة، هي إنذار على المجموعة الدولية أن تدرك دلالته الخطيرة . * مركز العلاقات الدولية والإستراتيجية باريس المصدر : صحيفة " البيان " الإماراتية