علاقات المغرب وإسبانيا.. دعم للحكم الذاتي وتكريس للتعاون الإستراتيجي    شوكي: المعارضة تمارس "التضليل" وحكومة أخنوش الثانية قادمة في الطريق    أزيد من 120 مشروعا في 6 مدن.. المغرب يسرّع وتيرة الاستعداد ل"كان 2025″    باها: اللاعبون عازمون على كتابة التاريخ بأول لقب إفريقي للمغرب تحت 17 سنة    حكيمي لعب 41 مباراة سجل 6 أهداف وقدم 14 تمريرة حاسمة    توقيف شقيقين ينشطان في ترويج "القرقوبي" بمدينة القصر الكبير    ليلة البيض والحجارة : شباب يلهو .. وعدالة تبحث عن الحقيقة    ولاية أمن أكادير تفند ادعاءات سوء معاملة ممثل هيئة حقوقية بأولاد تايمة من طرف رجل أمن    عرض عربي أول للفيلم المغربي الجرح وتفاصيل منافسة أربعة أفلام أخرى بمهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة    صناعة السيارات: افتتاح الدورة الثامنة لملتقى "طنجة المتوسط أوطوموتیف میتینغ"    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    هل يسرع تصنيف المغرب ضمن الدول الآمنة ترحيل المهاجرين من أوروبا؟    الأبيض والأسود من تقرير دي ميستورا    "التراث الثقافي المغربي في سياق الذكاء الاصطناعي ومقاربة الهوية الإفريقية" محور ندوة علمية    تعيين مدراء جدد لمراكز دراسات الدكتوراه في جامعة شعيب الدكالي    الصين تدعو واشنطن للكف عن الضغوط وتؤكد استعدادها للتعاون دون تنازل عن مصالحها    بوريطة: علاقات المغرب وإسبانيا إيجابية.. والحكم الذاتي يحظى بإجماع دولي    الصناعة التقليدية المغربية تطرق أبواب العالمية من خلال اتفاقية جديدة    آيت ملول تحتضن مهرجان سينما الأسرة    تراجع جديد في أسعار المحروقات بمحطات الوقود    المندوبية السامية للتخطيط…توقعات بمعدل نمو يصل إلى 3,8 في المائة خلال الفصل الثاني من سنة 2025    العمال الموسميون يرفعون حالات الإصابة ببوحمرون بإسبانيا    "كان" الشباب... الاتحاد الإفريقي يعلن عن برنامج مباريات المنتخب المغربي    خطابي: الإعلام العربي يتصدى للعدوان    أكثر من 20 قتيلا ضمنهم أطفال في قصف همجي إسرائيلي على مخيم نازحين    بعد "ميتا" و"إكس".. "تيك توك" ينضم إلى محاربة المعلومات المضللة    وزارة الداخلية تتخذ قرارا مفاجئا في حق "قائد تمارة"    فرقة الأخلاق العامة بطنجة توقف أزيد من 20 شابة للاشتباه بقيامهنّ ب "الدعارة والفساد"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    محمد السادس للرئيس السوري أحمد الشرع: أنتم تديرون هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ بلدكم الشقيق    قيوح يستعرض تجربة المغرب في تطوير النقل الجوي خلال مؤتمر "الإيكاو"    إسبانيا: "الحكم الذاتي" يظل الحل الأكثر مصداقية وجدية لتسوية النزاع حول الصحراء    رسميا.. فيرجيل فان دايك يجدد عقده مع ليفربول    سعد لمجرد لن يشارك في الدورة 20 من موازين    الاتحادات الكروية ترفض مقترح أمريكا الجنوبية المتعلق بتنظيم كأس العالم 2030 بمشاركة 64 منتخبا    بلقشور يعلن عن رفع المنع في حق حسنية أكادير ويؤكد أن العصبة ستقوم بتسوية الملفات المتبقية    نصائح طبية لمرضى حساسية الحيوانات الأليفة دون الحاجة للتخلي عنها    شي جين بينغ يجري مباحثات مع رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم    هيئة حقوقية تندد بتوالي حوادث العنف داخل المؤسسات التعليمية    مغربيات يتظاهرن في سلا تضامنا مع المرأة الفلسطينية ورفضا للعدوان على غزة    تقرير: المغرب في المرتبة 81 عالميا من حيث زخم التحول الرقمي    هيومن رايتس ووتش: السلطات التونسية حولت الاحتجاز التعسفي إلى ركيزة أساسية في "سياستها القمعية"    أمريكا.. إلغاء الامتيازات الصحفية لوكالات الأنباء الكبرى    رئيس برلمان أمريكا الوسطى في زيارة للعيون    بنك المغرب بالجديدة يستقبل في لقاء تربوي    تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم لأقل من 17 سنة إلى نهائي كأس إفريقيا..نادي موناكو يشيد بأداء موهبته إلياس بلمختار    البندقية تنفتح على السينما المغربية    واكي: الرقمنة تدعم تنمية المغرب .. و"جيتيكس إفريقيا" يخدم الشراكات    دوائر أمنية بالجديدة في وضع مقلق... مطلب استعجالي لإعادة الإعتبار لهذا المرفق الحيوي    "تمغرابيت" تزين معرض الكتاب في باريس .. إبداع وذاكرة وشراكة متجددة    تسجيل ثالث حالة إصابة بداء الكلب في مليلية خلال أقل من أسبوعين    جامعة عبد المالك السعدي تُثري فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب ببرنامج ثقافي متنوع في دورته ال30    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زعيم البوليساريو يراسل الملك محمد السادس قائلا : ضعوا يدكم في يدنا الممدودة للسلام
نشر في مرايا برس يوم 09 - 12 - 2010

وجه زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية ، رسالة مفتوحة إلى الملك محمد السادس ، أوردتها صحف جزائرية اليوم الخميس ، ونعيد في " مرايا بريس " إعادة نشر الرسالة كما وردت ما دام المغاربة معنيون بنصها ، وكذلك لعرض وجهة النظر الأخرى كطرف يفاوض المغرب بخصوص النزاع حول الصحراء .
رسالة مفتوحة إلى جلالة الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية
بئر لحلو في 09 دجنبر 2010
نص الرسالة :
في تطور بالغ الخطورة على مسار التسوية السلمية للنزاع في الصحراء الغربية ، وعلى الاستقرار في المنطقة وعلاقات الأخوة وحتمية حسن الجوار بين الشعبين المغربي والصحراوي كخيار استراتيجي كنا نسعى دائما إلى توطيده وتكريسه بعيدا عن كل التجاذبات ، وبالتزامن مع أول أيام اللقاءات المباشرة بين طرفي النزاع تحت رعاية الأمم المتحدة في نيويورك ، فتح العالم عينيه صباح يوم الاثنين 08 نونبر 2010 ، على صور المخيم السلمي في منطقة "أكديم ايزيك" وهو يحترق؛ نساؤه وقد هتكت حرماتهن في هزيع الليل الأخير، شيوخه وقد عُفر وقارهم في ثرى الاحتقار، أطفاله وقد وجدوا أنفسهم وجها لوجه مع جيش لا يجد حرجا في التحلل من كل مقتضيات النخوة وهو يواجه المدنيين العزل بالرصاص والتعذيب والاغتصاب والتنكيل والاختطاف .‬
جلالة الملك ،
كل هذا بسبب جريرة واحدة، وهي أن 30 ألف مدني صحراوي ، قرروا ، منذ مطلع أكتوبر ، التجمهر والتعبير سلميا ، وبأسلوب حضاري ينتمي إلى روح القرن الواحد والعشرين ، عن مطالب مشروعة تتعلق بالحق في العيش الكريم في أرضهم والتمتع بخيراتها واحترام حقوق الإنسان الصحراوي في التعبير الحر عن إرادته في تقرير مصيره بنفسه .
مباشرة بعد الاعتداء السافر على المخيم ، تعمد السلطات المغربية إلى الزج بالمزيد من مختلف التشكيلات الأمنية والعسكرية لممارسة القمع الأعمى ضد كل من هو صحراوي دون تمييز، من خلال الاغتيالات ، الاختطافات الجماعية ، التعذيب الوحشي ، الاغتصاب ، مداهمة المنازل والاستقواء بالمدنيين المغاربة للإمعان في ترهيب إخوانهم الصحراويين.
بالموازاة مع ذلك ، ودون أدنى مبالاة لتغير العالم من حواليها ، تنخرط السلطات المغربية في حملة مواجهة مع المجتمع الدولي ، أبعد ما تكون عن وعود الانفتاح والشفافية واحترام الحقوق الأساسية التي قطعتم على أنفسكم منذ سنة 1999 ، من خلال إحكام إغلاق الإقليم أمام المراقبين الدوليين والإعلاميين والبرلمانيين ، وفقدان أدنى شروط اللياقة أثناء عمليات الطرد المهينة الممارسة بحق العديد ممن حالفهم الحظ النادر في دخول مدينة العيون .
الحصيلة؛ آلاف الجرحى ومئات المعتقلين والمفقودين ولائحة غير مكتملة للوفيات ، إضافة إلى مواقف التنديد المعبر عنها من مختلف أصقاع العالم ، والتي تشير بالبنان إلى بلدكم بكل أوصاف القمع والقتل وانتهاك حقوق الإنسان ومصادرة حرية التعبير، وإذكاء نار الحقد والضغينة والعنصرية بين المغاربة والصحراويين.
أتصور، أن لحظة كهاته ، ينبغي أن تشكل مبررا كافيا لجلالتكم للبحث المتبصر في الإجابة عن سؤال من يتحمل مسؤولية هذا الانزلاق ، ولمصلحة من يعمل أولئك الذين لا يترددون في استغلال كل سياق لتعقيد النزاع أكثر، والاجتهاد في تلقف كل سانحة للدفع به تجاه نقطة الانسداد ، التي لن تحمد عقباها بالتأكيد.
جلالة الملك ،
بدلا من أن تبادر الحكومة المغربية إلى محاسبة المسؤولين عن تحويل تجمع سلمي على أطراف مدينة العيون المحتلة إلى الجرح الغائر الذي مازال نازفا إلى يومنا هذا ، عمدت إلى تبني سياسة قديمة في "الهروب إلى الأمام" وخطاب مغالط، ساهم ويساهم ، ما لم نتحمل مسؤولياتنا أمام التاريخ ، في إنتاج أسباب انزلاقات جديدة قد تكون أكثر كارثية على الجميع.
فعلى مستوى الرأي العام الدولي ، وبالرغم من وضوح الطبيعة السلمية والمسالمة لمخيم " أكديم ايزيك " منذ اليوم الأول لتشييده بشهادة الجميع وعلى رأسهم الحكومة المغربية ، إلا أن السلطات المغربية لم تتوان في تبني خطاب شاذ عنوانه الصيد في المياه العكرة من خلال اتهام أعضاء اللجنة التنظيمية للمخيم بالانتماء لتنظيم إرهابي ، ووصفهم بالمجرمين وتجار المخدرات والمطلوبين للعدالة.
إن كل هذه التهم وغيرها، وبقدر ما تعكس رغبة في صرف النظر بسرعة عن أطوار ومسرح الجريمة وإخفاء قرائنها الواضحة في غبار التلفيق والتزوير، توضح عدم توفر أدنى إرادة لدى الحكومة المغربية لبذل جهد مسؤول أمام العالم ، وأمام الشعبين الصحراوي والمغربي ، من أجل تحمل وتحميل المسؤوليات إزاء اعتداء سافر من هذا الحجم.‬
لقد كانت الرواية الرسمية المغربية للأحداث مدعاة للاستغراب ، حيث استحالت بقدرة " المغالطة والتحريف والضحك الفج على ذكاء العالم " جحافل الجيوش والتشكيلات الأمنية المدججة بجميع أنواع الأسلحة أثناء عملية الاقتحام ، إلى آلاف من الفنانين التشكيليين مرهفي الحس يرسمون بالألوان طريق الرجوع السلس لمدينة العيون ، وأضحى آلاف النساء والأطفال والشيوخ المرابطين في المخيم منذ 30 يوما قتلة عنيفين ومصاصي دماء وخارجين عن القانون في قبضة إرهابيين خطيرين.
تلك الادعاءات سرعان ما تم الرد عليها من العديد من الأطراف الدولية والمنظمات الحقوقية والمراقبين المستقلين والتقارير الصحفية من داخل مدينة العيون ، والتي تضع العملية الاحتجاجية في سياقها الطبيعي ضمن مسار المقاومة الشعبية السلمية القائمة في الصحراء الغربية منذ ماي 2005 ، والرافضة لتراجع الدولة المغربية عن التزاماتها الدولية فيما يتعلق باستفتاء تقرير المصير ولسياساتها في التهميش الممنهج للصحراويين وإضعاف مقدراتهم الاقتصادية واستغلال ثروات بلدهم الطبيعية.
ها هنا نستحضر، خاصة ، تقارير المنظمات الحقوقية الدولية الكبرى حول الطبيعة السلمية للمخيم ومطالبه الحضارية وحس المدنية والحوار السلمي الذي ارتضته اللجنة التنظيمية منهاجا واضحا منذ اليوم الأول . يضاف إلى ذلك ، مواقف التفنيد المعبر عنها من طرف ممثلين لأطراف دولية وازنة من خلال التأكيد على انعدام أية أدلة ولا دواعي إستراتيجية تدعم ادعاء المغرب بوجود خطر إرهابي في الصحراء الغربية ، ووصفها لمواجهات يوم 08 نوفمبر 2010 بمظاهر من العنف السياسي القائمة في الإقليم منذ سنوات.
أما على مستوى الرأي العام المغربي ، فالسلطات المغربية ، وتحديدا بعض الدوائر المتنفذة ، لم تزل تخوض مباراة من فريق واحد في اللعب بالنار، من خلال تأجيج نار الأحقاد ومشاعر النعرات الشوفينية والاستقواء بفئات من المدنيين المغاربة ضد المدنيين الصحراويين وتأليبهم عليهم وتشجيعهم لارتكاب الجرائم البشعة بحقهم وحق حرماتهم وممتلكاتهم بغرض إشعال نار فتنة ، أغلب مفرداتها ، مستعارة ، للأسف الشديد، بشكل حرفي وربما أخطر، من قاموس الأبارتيد خلال حقبة الفصل العنصري المقيتة في جنوب إفريقيا .
تلك الدوائر، استعانت وتستعين اليوم بالعديد من وسائل الإعلام المغربية الرسمية لاختراع " كباش فداء " من المنطقة ومن خارجها ونفث سموم العنصرية ونقل مشاعر العداوة للصحراويين إلى داخل البيوت المغربية . وكانت النتيجة المؤلمة هي سريان نار الأحقاد ، حتى وصلت إلى قاعات الدرس بين الطلاب وعمّت نقاط التعايش بين الصحراويين والمغاربة ، في أركان شوراع المدن ومنعطفات الزقاق وعتبات المقاهي وأطراف الساحات العمومية في تطور بالغ الخطورة ، ليس على مستقبل التسوية السلمية للنزاع فحسب وإنما على استقرار البلدين والمنطقة بكاملها .
جلالة الملك ،
إن الفرصة مازالت ماثلة أمامكم للتبصر في ما آلت وقد تؤول إليه الأمور إذا ما استمرت الحكومة المغربية في عدم إيفائها بالتزام التسوية الدولية على أساس استفتاء تقرير المصير المتفق عليه بين طرفي النزاع ، والمصادق عليه من طرف مجلس الأمن الدولي يونيو 1991 ، باعتباره الحل الديمقراطي العادل والوسط الذي يتجاوز موقف الطرفين بالاحتكام الشفاف لإرادة الشعب الصحراوي ، بعيدا عن أي شكل من أشكال الضغط.
فحين وقف والدكم المرحوم الحسن الثاني أمام الدورة ال37 للجمعية العامة للأمم المتحدة (شتنبر 1983) ، متوجها لرؤساء وملوك العالم بأن : " المغرب يشهدكم أنه يريد الاستفتاء ، ومستعد لتنظيمه غدا إذا شئتم ، وجاهز لوضع كل التسهيلات أمام انتشار المراقبين الدوليين ووقف إطلاق النار من أجل حصول استشارة شعبية عادلة ونزيهة... المغرب يتعهد أمامكم باحترام أية نتيجة يفضي إليها الاستفتاء " ، كان ذلك تجسيدا لبداية تحول واثق في قناعته باستحالة نجاح منطق القوة في إسكات صوت الشعب الصحراوي وبضرورة الاحتكام الديمقراطي إلى إرادته .
وحين يعلن والدكم ، بالتزامن مع زيارته إلى لندن (يوليوز 1987) ، " عن استعداد المغرب لفتح سفارة في المدينة التي يختارها الصحراويون عاصمة لوطنهم في حالة ما إذا أفضي استفتاء تقرير المصير إلى استقلال الإقليم " ، كان في ذلك يصدر عن فهم واسع لطبيعة النزاع وللثمن الباهظ الذي دفعه الشعبان الصحراوي والمغربي خلال سنوات الحرب القاتلة.
أما حين يرد والدكم على المبعوث الشخصي الأسبق للأمين العام للأمم المتحدة السيد جيمس بيكر خلال أول لقاء لهما (أبريل 1997)، بتكرار " لا أريد إلا استفتاء تقرير المصير" ثلاث مرات ، فهو ، باستشرافه المعروف ، يعلن حتمية الفشل المسبق لكل تصور لتسوية النزاع خارج إطار استفتاء تقرير المصير.
فبعد سنوات عديدة من المواجهات الدامية وهدر إمكانات الشعبين المغربي والصحراوي في تمويل آلة القتل ، توصل والدكم إلى تلك القناعة الراسخة وقرر، بكل شجاعة ، الدخول معنا في شراكة لتحقيق السلام العادل ، على ذلك الأساس .
وبالرغم من اعتقادنا الدائم في أن الوقت مازال مواتيا أمامكم لاستخلاص العبر الضرورية من سلسلة الأحداث المأساوية المتتالية في الإقليم منذ إعلان الحكومة المغربية عن رفض استفتاء تقرير المصير وآخرها ما جرى خلال اقتحام " مخيم أكديم ايزيك " ، وما ترتب عنه من فظاعات ، وبالتالي لاتخاذ القرار المطلوب بالعودة إلى روح التسوية السلمية العادلة ، إلا أننا نخشى ، أكثر ما نخشى ، أن يدفع البعض بمملكتكم للاستمرار في الطريق الخطأ ، الذي قد يقود ، لا قدر الله ، إلى سنوات أخرى من التصعيد والمواجهة قبل الاهتداء ، من جديد ، إلى أن لا سبيل لتسوية النزاع بمعزل عن ترك الطريق سالكة أمام الصحراويين للتصويت في استفتاء حر، ديمقراطي ونزيه تحت إشراف الأمم المتحدة.
لقد شكل "أكديم ايزيك" نتيجة طبيعية لموقف الحكومة المغربية في التراجع عن التزامها الدولي ، وبالتالي فهو لم ولن يكون حدثا معزولا ، لا في الزمان ولا في المكان ، وإنما تتويجا مؤلما لتراكمات عديدة ودليلا على صدقية التحذيرات التي كنا قد نبهنا جلالتكم إليها في مناسبات ماضية فيما يتعلق بجملة المخاطر المحدقة بنا جميعا جراء تراجع الحكومة المغربية عن مسار تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير .‬
إنها محاذير لخصها تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة (شتنبر 2006)، والذي أكد في الفقرة الأولى من توصياته أن جميع انتهاكات حقوق الإنسان المسجلة في الصحراء الغربية مترتبة بشكل مباشر عن مصادرة حق تقرير المصير بالنسبة للشعب الصحراوي . وما لم يبادر جلالتكم إلى تسديد أكبر دين للمملكة المغربية مع التاريخ من خلال السماح بتنظيم الاستشارة الديمقراطية الشعبية ، فإن الإقليم والمنطقة ، بما فيها المملكة المغربية ، يبقيان مفتوحين على جملة من الاحتمالات الخطيرة.
جلالة الملك ،
إن دقة اللحظة وحِدّة المنعطف المؤلم الذي دخله مسار التسوية السلمية والمنطقة بكاملها على أثر مجزرة " أكديم ايزيك " ، ينبغي أن يشكلا مبررا كافيا أمامكم لتفويت الفرصة على بعض الدوائر التي تدفع ، في اتجاه معاكس للمصلحة الحقيقية لمملكتكم ، إلى المزيد من المنزلقات وخلق وضع من المواجهة والتصعيد الذي لا تحمد عقباه بالنسبة للجميع.
حِدّة المنعطف ، تجعل موعدكم مع التاريخ ، هذه المرة ، أكثر جسامة ، فعمق الجرح النازف الآن في مدينة العيون وباقي المدن الصحراوية ، وروائح الحقد الشوفيني المنبعثة من كل أطراف خارطة الإقليم وداخل المغرب ضد كل من هو صحراوي بناء على قرار من جهات متنفذة في السلطة المغربية ، تحمل مؤشرات مثيرة للانشغال حول مستقبل بلدينا ومنطقتنا ما لم تتدخلوا شخصيا لإيقاف هذا التدهور الخطير.‬
فسفك دماء المدنيين الصحراويين في الأشهر الحرم ، واغتصاب حرائرهن ، والتلذذ بتعذيب الصحراويين والإنصات لأناتهم ، والتنكيل اليومي بهم ، لن تشكل مبرر فخر ولا عنصر مجد بالنسبة لعرشكم .
فالتاريخ القريب ، قبل البعيد ، في تيمور الشرقية وجنوب إفريقيا وناميبيا وغيرها ، علمنا أن ممارسات كتلك كانت دائما مرادفا للطيش في آخر أشواطه ، وللظلامية قبل سطوع شمس الحق. في النهاية ، هي تعبير عن ضعف مستحكم بالرغم من قوة القمع النشاز.
إننا في الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، لا نريد مغربا ضعيفا ، انطلاقا من إيماننا بأن السلام العادل لا يصنعه إلا الأقوياء ، كما لا نريد مغربا معزولا دوليا كما هو الحال الآن ، لأن العزلة تؤدي إلى الانكفاء والانكفاء يؤدي إلى الانتحار.
إن من ينصحون ، سواء أكانوا من الداخل أو من الخارج ، بحجة الحفاظ على استقرار المملكة ، بمواصلة رفض الاحتكام لمنطق العصر والممارسة الديمقراطية المجسد في استفتاء تقرير المصير، إنما يدفعون إلى المزيد من العزلة والمزيد من التعقيدات التي تخلق أجواء التصعيد والانجرار تجاه الانفجار الذي قد يتمخض عن سيناريوهات أبعد ما تكون عن المصالح الإستراتيجية الكبرى للمملكة المغربية واستقرارها .‬
ونحن ، نستعد للاحتفال بالذكرى الخمسين لإعلان الأمم المتحدة التاريخي المتعلق بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة (دجنبر 1960) ، ونتأهب لإرسال وفدينا لجولة جديدة من اللقاءات المباشرة تحت رعاية الأمم المتحدة ، لا يسعني إلا أن أدعوكم إلى استخلاص العبرة الأكبر من التطورات المؤسفة الأخيرة وأن تضعوا يدكم في يدنا الممدودة للسلام الحقيقي ، العادل والدائم ، من أجل معالجة جراح الماضي الدامي ببلاسم المستقبل المشرق ، واغتنام الفرصة التاريخية الماثلة لتجنيب شعبينا المزيد من المعاناة ، ووضع الأساس الضروري لتحقيق حلمنا المشروع في بناء مغرب عربي ، موحد ، مزدهر وحاضن لكل شعوب المنطقة على قدم المساواة.
من أجل كل ذلك ، فجلالتكم مدعو اليوم ، أكثر من أي وقت مضى ، لتشريف ذكرى والدكم المرحوم الحسن الثاني ، والوفاء بالالتزامات والتعهدات والاتفاقات الدولية التي وقعها مع الطرف الصحراوي ، والقاضية بالاحتكام لإرادة الشعب الصحراوي ، من خلال استفتاء ، حر ديمقراطي ونزيه ، تحت إشراف الأمم المتحدة ، يقرر من خلاله مصيره بنفسه ، ‮"‬وكفى الله المؤمنين شر القتال‮".‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.