نحن أبناء جيل غريب.. ندخل اليوم منتصف العقد الثالث و نحن ننظر خلفنا بحزن و أمامنا بغضب.. إننا الجيل الذي كان شاهدا على وصول المغرب إلى دور الثمن النهائي بمكسيكو86 و فوز عويطة و نوال بالذهب وانهيار الاتحاد السوفيتي و هدم حائط برلين و حرب البوسنة و الهرسك و انفجار تشر نوبل و ظهور فيروس الايدز و سقوط بغداد و مذبحة جنين و انفجار برجي مانهاتن وتغول القاعدة و انتشار انفلوانزا الطيور و الخنازير وكارثة تسونا مي وتابعنا بمرارة حرب غزة.. نحن الجيل الذي لا زال يتذكر أهداف مارادونا و إقالة البصري ووفاة الحسن الثاني و استشهاد جمال الدرة وإعدام صدام يوم عيد الأضحى ...عاصرنا وفاة ياسر عرفات و استشهاد احمد ياسين و اجتياح بيروت وفوز اوباما و نهاية الأميرة ديانا. نحن جيل بداية "لحريك" الجماعي و استفحال البطالة و الرشوة و الجريمة و إدمان القرقوبي و القنب الهندي .تابعنا بخوف قضية الحاج تابت و تضامنا بخمسة دراهم ضد الحاجة.!!ويمتلك كل واحد منا بيتا في الجنة حين ساهمنا في بناء مسجد الحسن الثاني ولازلنا نحتفظ بوصل الأداء لعل و عسى!! نحن جيل المسيرة الخضراء وأغاني ناس الغيوان ورقصة "السمورف " و خطب كشك رحمه الله وثورة العالم قرية صغيرة. تلقفتنا المدارس صغارا فعلمونا قرد و بقرة وبرتقالة .لم ندرس في قراءة بوكماخ بل في قراءة مجهولة المؤلف من أبدع نصوصها:"كان لنا حمار نربطه أمام الدار باع أبي الحمار لماذا باع أبي الحمار؟؟؟" باعوا لنا مجلة العندليب و بحثنا عن مجلة ماجد و"ابحث عن فضولي"و عرفنا العراق من خلال مجلة المزمار وانهالت علينا قصص مصرية للجيب فعرفنا رجل المستحيل" أدهم صبري" و الرومانسيون منا التهموا قصص عبير و زهور إلى أن ظهرت المختار و الموعد فاكتشفنا صور الممثلات اللبنانيات الشبه عاريات.. نحن جيل القناة الأولى "ا- ت - م "التي ارتكبت اكبر جريمة ضد الانسانية حين قولبتنا جيلا بلا لون و لا طعم و لا رائحة.. نحن جيل جيمي القوية و ستارسكي و هيتش و "زورو" و ليالي الحلمية و رأفت الهجان وجزيرة الكنز ،خمسة عشر رجلا ماتوا من أجل صندوق،و "غراندايزن انطلق" و الضفدع الشجاع وركن المفتي (يحدثنا أن من أكل في صحاف من ذهب في الدنيا لم يأكل فيها في الآخرة ونحن مطحونون يا شيخنا الطيب.) نحن جيل سراويل الجينز و تيشورتات" لاكوست "و" اديداس"، تلقفنا في بداية المراهقة أغاني الراي و انتبهنا بشدة لما يقوله مارسيل خليفة و فيروز و مع ازدياد وطأة المراهقة فتحنا الباب لأم كلثوم و العندليب الأسمر ثم أصبحنا بلا مطربين مع راقصات مش حتقدر تغمض عينيك".. نحن جيل ظهور الفيديو عرفنا "فان دام "و" رامبو "و" ترميناتور" و لازالت موسيقى فيلم الرسالة تثير فينا رهبة غير مفهومة واليوم، حين يذكر حمزة ابن عبد المطلب نفكر في عبد الله غيث وحين يذكر أبو لهب نفكر في حسن الجندي. كل واحد منا عنده ذكرى لا تنسى مع تجربته الفيلمية الأولى بكل ما فيها من لذة أو صدمة..فقد انتشرت في أحيائنا الصغيرة، آنذاك، مقاهي الفيديو التي تغلق أبوابها من الداخل لعرض الأفلام الجنسية فدمرت معظم أبناء جيلنا بشكل جماعي و في مكان عام بمباركة السلطة وأعوانها !! مع بداية التسعينات ظهر" البارابول" فاكتشفنا القنوات التركية و الايطالية .. ومع انتشار الحاسوب انقرضت تجارة أفلام الفيديو و أصبحت "السيديات "هي الحل و مع مجيء اتصالات المغرب أصبح عالم جديد يناديكم!! نحن جيل السكتة القلبية والمخطط الهيكلي و التناوب السياسي و الانتقال الديمقراطي و بترول "تالسينت" و استضافة كاس العالم و المعرض الدولي بطنجة .. باعوا لنا أوهاما معلبة فاحتضناها بدفء و حين حولتها الأيام بضاعة زائفة صرفنا النظر و لم نحص خسائرنا المادية و المعنوية..باعوا لنا ملايين الأحلام و الآمال ولدت ميتة فدفناها بلا كفن و لا صلاة.. نحن الجيل الذي استيقظ في منتصف الليل و خبأ أحلامه وهو يتمنى أن يعود طفلا كي يبيع أحزانه بقطعة من الحلوى.. إننا الجيل الذي ولد مباشرة بعد رسالة" الإسلام أو الطوفان" فمنا من استغشى ثيابه واستكبر استكبارا ومنا من هاجر الديار ومنا من آوى إلى جبل يعصمه من الماء ومنا من يصنع الفلك بأعين الله ومنا من جاء من أقصى المدينة يسعى.