عرضت الحكومة المغربية فيلماً وثائقياً للأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة "العيون"، كبرى مدن إقليم الصحراء المتنازع عليه، يصور عملية قيام أجهزة الأمن بتفكيك مخيم احتجاجي، وهي العملية التي أثارت انتقادات حادة للسلطات المغربية، وتسببت في نشوب "حرب صور" بين الرباط والإعلام الإسباني . وأظهر الفيلم، الذي عُرض في ندوة مشتركة لوزيري الداخلية والخارجية أمام ممثلي وسائل الإعلام المحلية والدولية، ما قالت السلطات المغربية إنها "تحركات وعمليات عنف وتخريب، ارتكبتها جماعات مؤيدة لانفصال الإقليم، ضد قوات الأمن والممتلكات العمومية . كما عرض لهجمات شنتها عناصر ملثمة مسلحة بالسكاكين والسواطير والقنينات الحارقة، على عناصر الأمن، أثناء تدخلهم لتفكيك المخيم، وتضمن مشاهد للتنكيل بجثث عناصر أمن سقطت في المواجهات، ليبلغ التوتر مداه في لقطة تعرض إقدام أحدهم على ذبح رجل أمن مغربي، وأخرى يظهر فيها شاب وهو يتبول على جثة آخر . وكانت وسائل إعلام إسبانية قد نشرت صوراً لأطفال قتلوا في الحملة الإسرائيلية على غزة عام 2006، وتقديمها على أنها لضحايا سقطوا في الصحراء برصاص قوات الأمن المغربية، ليفيض كأس العلاقة المتأزمة أصلاً بين المملكة والإعلام الاسباني، وهي الصور التي وصفتها الرباط في أكثر من مناسبة ب"المضللة والحاقدة " . ودخلت السلطة الفلسطينية على خط القضية، حين أدان كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، "استغلال القضية الفلسطينية المقدسة ومعاناة الضحايا الفلسطينيين"، من قبل وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية "إيفي"، التي عممت الصورة، معتبراً أن الأمر يتعلق بافتراء وكذب عار عن الصحة موجه للمس بالمغرب . ولم يقنع اعتراف بعض المؤسسات الإعلامية الإسبانية بالخطأ الرباط بحسن نيتها، خصوصاً أنها عمدت مرة ثانية إلى تداول صورة مزعومة لبعض "الصحراويين ضحايا القمع المغربي"، قبل أن يتبين أنها لقتلى جريمة عائلية، كانت قد هزت مدينة الدارالبيضاء قبل عدة شهور، حيث أعلنت الصحيفة المغربية مصدر الصورة وأسرة الضحايا، عزمهما على ملاحقة القناة الإسبانية الثالثة، التي عرضتها بشكل مغلوط . كما قامت وزارة الاتصال المغربية بسحب اعتماد مراسل صحيفة "أ.بي.سي" الإسبانية، بسبب ما وصفته بسلوكيات "التحامل والزيف والأسلوب المنحرف"، في تغطية أحداث العيون، وخصوصاً بعد "الادعاء بوجود مئات جثث القتلى المدنيين بشوارع العيون " . وقالت الوزارة في بيان إن بعض المراسلين الإسبان فضلوا "الاعتماد كلياً على مصادر من شرذمة المجرمين، أصحاب السوابق، ومقترفي أفعال إرهابية، مع لجوء هؤلاء المراسلين إلى إعادة بثها بشكل متكرر، وبصيغ مختلفة، وذلك في تجاهل تام ومقصود لوجهة النظر المغربية، التي كانت متاحة لهم عبر كل الوسائل وفي كل الظروف " . وشاطرت الهيئات السياسية والنقابية ومختلف أطياف الصحافة المغربية السلطات الرسمية استياءها من الحملة الإعلامية الإسبانية، التي فضلت حكومة مدريد النأي بنفسها عنها، حفاظاً على جودة العلاقات مع الرباط . وقال يونس مجاهد، رئيس نقابة الصحفيين المغاربة، إن ما يلفت النظر في هذه "الحملة غير المسبوقة في تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية"، عنصران جديدان، أولهما "استخدام الكذب والافتراء في ترويج المعلومات عن الوضع المغربي"، وثانياً "وجود إجماع ساحق لدى وسائل الإعلام بإسبانيا على مهاجمة الموقف المغربي " . وفسر مجاهد، في تصريح ل " سي إن إن " بالعربية ، سلوك الإعلام الإسباني، المعروف بتوجهه القومي، بالأزمات الأخيرة التي عرفتها علاقات البلدين، خصوصاً فيما يتعلق بمشكلة المدينتين المحتلتين "سبتة" و"مليلية"، وكذا بالضغط الذي تمارسه أوساط اليمين والجهاز العسكري، المهووسة بإضعاف المغرب، الدولة التي ينظر إليها بوصفها التهديد الإستراتيجي الأول لإسبانيا . ويرى مجاهد أن هذه الدوائر الإسبانية تتبنى فكرة إلهاء المغرب بالوضع في الجبهة الجنوبية، من أجل ضمان التهدئة على واجهة المطالبة باسترجاع "سبتة" و"مليلية"، وأيضاً لثني "الجار المزعج"، في إشارة للمغرب، عن مواصلة المشروع الضخم للتنمية الاقتصادية بشمال المملكة، وبالتالي إجهاض تحويل المنطقة إلى قطب استراتيجي منافس للجنوب الإسباني . ورغم تأكيد السلطات في البلدين حرصهما على تطوير العلاقات الثنائية، فإنه يبدو من المستبعد تلافي تداعيات وخيمة لأحداث العيون، حيث أوردت صحيفة "الأندلس بريس" الإسبانية الناطقة بالعربية، أن العصبة الإسبانية لحقوق الإنسان قررت رفع دعوى قضائية ضد مسؤولين كبار في الدولة المغربية، بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية في الصحراء، بعد مقتل مواطن يحمل الجنسية الإسبانية " .