يحاول عدد من المحسوبين على القومية العربية تسويق صورة سلبية عن الحركة الأمازيغية من خلال اتهامها بالعمالة و الصهيونية. و يستند هؤلاء إلى قراءة فيها كثير من المغالطة و الخداع وقلب الحقائق خصوصا في ما يتعلق بحضور الأرض و العرق في الخطابات الأمازيغية التي يتم تأويلها بشكل " يصهين " الحركة الأمازيغية. من المعروف أن الصهيونية هي حركة سياسية يهودية تشكلت خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وهدفها الرئيسي هو إقامة وطن قومي للشعب اليهودي.و ذلك هو المبدأ الذي نصت عليه مقررات مؤتمر " بازل " الذي أشرف عليه " تيودور هرتزل " بسويسرا سنة 1897، لذلك طالب أقطاب الصهيونية من بعض الدول تقديم المساعدة لتحقيق هذا الحلم اليهودي، فكانت " أوغندا " الخيار الأول الذي طرح بمبادرة بريطانية... لكن الخلافات داخل الحركة الوليدة انتهت إلى تغيير الوجهة حينما تم اختيار " فلسطين " بوصفها " أرض الميعاد " لتشكل موطنا لليهود. ونجحت الصهيونية بعد ذلك في تحويل هذا الحلم إلى حقيقة، وذلك بعد " وعد بلفور " سنة 1917، و تأسيس دولة إسرائيل سنة 1948. وقبل هذا و ذاك و بعدهما كذلك، عملت هذه الحركة على تشجيع اليهود في كل مناطق العالم للهجرة إلى الأرض الموعودة. الذين يربطون بين الصهيونية و الأمازيغية يفعلون ذلك من منطلق أن الحركتين تتحدثان عن الولاء للأرض، لكن هذا الربط ينطوي على مغالطة حقيقية. فالأمازيغية في شمال إفريقيا تفرض نفسها كواقع يستند إلى حقائق التاريخ و الجغرافيا. و هذا هو الأساس الذي يدعم الحديث عن أرض " تامزغا ". و الحال أن الأرض تعتبر المحدد الرئيسي للهوية و الإنتماء. و من أجلها قامت كل الحروب عبر التاريخ. فما العيب في الدفاع عن الإنتماء للأرض؟. و لماذا يصر عرب الجزيرة على رفض الإسم الإيراني للخليج ( الفارسي ) و يتحدثون عن خليج ( عربي)؟. أليس ذلك بداعي الدفاع عن الأرض؟...لذلك لا يمكن أن تكون الأمازيغية استثناء في هذا الإطار. غير أن أصالة الخطاب الذي يهيمن على الحركة الأمازيغية في مستواها النضالي يتجلى في الحديث عن الأرض الأمازيغية، و ليس عن العرق الأمازيغي، وهذا الفصل بين الأمرين يثبت أن الأمازيغية ليست حركة صفاء عرقي. بل إنها لا تؤمن بإقصاء أو نفي "الآخر العرقي ". لذلك فكل سكان شمال إفريقيا هم أمازيغ استنادا إلى الأرض. و واضح هنا أن الإنسان هو مركز اهتمام الحركة الأمازيغية بغض النظر عن لغته أو عرقه أو دينه... أما حضور الأرض في الأدبيات الصهيونية فقد كان بدافع ديني محض، تم استغلاله من أجل إقناع أكبر عدد ممكن من اليهود بالهجرة إلى " أرض الميعاد ". و التوظيف الديني للأرض كان له دور فعال في تحقيق الحلم اليهودي في " إسرائيل" بدل " أوغندا "... هكذا إذن كانت الأرض في المشروع الصهيوني مجرد وسيلة لتحقيق الهدف الحقيقي الذي يتجلى في تأسيس دولة يهودية. و هذا يعني أن الصهيونية تأسست على فكرة العرق، وهنا أيضا كان للدين حضور وازن أضفى على الفكرة مشروعيتها الروحية بإذكاء نعرة " شعب الله المختار " التي لا تخلو من حمولة عنصرية تضع العرق اليهودي في مقام لا ترقى إليه باقي الأعراق... و النقاش الذي بدأ يطفو على السطح في السنوات الأخيرة في الداخل الإسرائيلي يؤكد ذلك، خصوصا و أن دعوات كثيرة ترتفع لتطالب بترحيل جماعي للعرب المقيمين في أراضي 1948... و ذلك تماما هو ما تأسست عليه الصهيونية التي تتحدث عن نقاء العرق اليهودي. و هي بذلك حركة عنصرية بامتياز، عارضها عدد كبير من المفكرين اليهود (أنفسهم ) الذين رفضوا إقامة تجمع خاص باليهود، وقد كان " ألبرت إنشتاين " واحدا من هؤلاء.... إن المحاولات التي تهدف إلى " صهينة " الحركة الأمازيغية من طرف بعض القوميين العرب، تعبر عن إفلاس الخطاب العروبي الذي اعتاد أن يعزف سمفونية " المؤامرة " المشروخة في كل وقت وحين لمداراة هزائمه. و إذا كان هؤلاء يستغلون بعض المواقف التي يعبر عنها مناضلون أمازيغيون ( الذين يمثلون وجهة نظر داخل الحركة الأمازيغية) بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ليهاجموا الأمازيغية و يضعوها في قفص الإتهام، فإنهم بذلك يقولون ما لا يفعلون، ويطالبون غيرهم بأن يكونوا عربا أكثر منهم. و ذلك بالرغم من أن الجميع يعرف أن التطبيع مع إسرائيل بدأته دول عربية قبل أن تعمد إليه جمعيات أمازيغية.