في رد الناطق باسم الحكومة على قرار تعليق نشاطات مكتب قناة الجزيرة بالرباط ورفض تجديد اعتمادات طاقمها بالمغرب، قال إن القناة انحرفت عن قواعد الصحافة المهنية والمسؤولة. وأضاف بأنها ألحقت ضرراً بالمصالح العليا للبلاد وأساءت الى صورتها. كما اتهمها بالانحياز الى البوليساريو ضد المغرب. وأرفقت القناة خبر تعليق عمل مكتبها في الرباط ببيان وزارة الاتصال المغربية. هي أسباب وجيهة للغاية من وجهة نظر المسؤولين في الرباط لأنهم يريدون قناة تتحيز لهم وتقول بأن الصحراء مغربية رغم أن معظم الدول تعتبرها منطقة موضوع نزاع وأن كل خرائط العالم تقريباً لا تظهر فيها الصحراء كجزء من التراب المغربي. النقطة الثانية التي لم ترق للمغرب هي التقارير التي تنجزها القناة عنه، حيث تعري الواقع البائس الذي يعرفه القاصي والداني، لكنها مع الأسف تريد منها الإنضمام الى جوقة المهللين بالمشاريع والأوراش الكبيرة ومشاريع الخير والنماء. بخصوص هاته المشاريع وقبل أن أرحل عن هذا البلد، كنت أحاول أن أصدقها بالنزول الى أرض الواقع ومحاولة البحث عن العمل بارسال سيرتي الذاتية الى الوزارات والادارات، لكن أؤكد لكم أنه لم يسبق لي أن تلقيت أي رد حتى سلبي، بينما خلال مكوث في الامارات كنت دائما اتسلم ردأ على كل طلب عمل أتقدم به. هذا كلام بين قوسين. هذه الخطوة بدون شك ستؤدي بالمغرب الى التدحرج الى مصاف الدول التي تضيق على حرية الإعلام. فمبررات القرار الذي اتخذه المغرب واهية ولا تستند إلى أساس لأن القرار يعكس موقفأ سياسأ من قناة تحظى بأعلى نسبة مشاهدة في المغرب كمصدر معلومات ذي مصداقية وتلبيتها لاحتياجات جمهور عريض وكذا احترافيتها ومهنيتها وموضوعيتها وكفاءة صحافييها. هذه المميزات لا تتوفر للأسف في الاعلام الرسمي المغربي الذي يعاني من مشاكل لا حصرها. فضلا عن تدني جودة منتوجه المقدم ولغته الخشبية المملة وضعف موارده البشرية مع بعض الاستثناءات التي سرعان ما تغادر الى حيث ظروف الممارسة المهنية متوفرة. وجاء هذا القرار بعد سلسلة من القرارات كلها صبت في التضييق على حرية الصحافة مثل إغلاق الصحف وإصدار عقوبة حبسية في حق العديد من الصحافيين وغرامة ثقيلة ومنع الاشهار عن الصحف التي لا يجاري خطها التحرير السياسات المتبعة. وفي آخر تقرير صادر عن منظمة مراسلين بلا حدود احتل المغرب الرتبة 135 في العالم من أصل من بين 178 دولة. لكن المسؤولين المغاربة يكتفون بانتقاد التقرير واتهام المنظمة التي أعدته بالافتقار الى الموضوعية والتوازن. وهي سياسة لا تخدم البلد في شيء بل ستكون لها نتائج عكسية لاسيما بالنسبة لقضية الصحراء. إذ ستترك الأبواب مفتوحة لجبهة البوليساريو للدعاية لدولتها المزعومة واتهام المغرب بانتهاك حقوق الانسان ومحاولتها استغلال أي حادث لتوجيه ضربات للنظام المغربي دون أن يستطيع الرد عليها. من جهة أخرى، لن يستطيع النظام المغربي التعتيم على ما يقع على أراضيها بسبب التطور التكنولوجي الهائل في وسائل الاتصال، مما يحول دون إخفاء أي شيء. فعلى سبيل المثال تم نشر صور عن أحداث سيدي إفني الدامية على شبكة على الانترنت، مما أظهر الوجه البشع للسلطات في تعاملها مع أبناء تلك المنطقة رغم التضييق الذي فُرض آنذاك على وسائل الاعلام حتى لا يتم الكشف عما حدث هناك. وتجدر الاشارة الى أن هذا القرار سبقه منع الجزيرة من التصوير في نواحي صفرو، حيث يفتقر الانسان هناك الى أبسط الوسائل الضرورية للعيش كبشر. فعلها إذن المغرب معتقدا بأنه سيقطع الطريق على الجزيرة حتى لا تكشف عورته. لكنه واهم باعتقاده أن التعتيم سيحول دون تسرب صور وأخبار ما يقع في البلاد من كوارث وانتهاكات. واهم لأنه لم يستوعب أن التغيرات التكنولوجيا السريعة التي تطرأ في العالم جعلته قرية صغيرة. واهم لأن مسؤوليه يفتقرون لرؤية متبصرة للأشياء ويعتقدون بأن القبض الأمنية هي وحدها الكفيلة بابقاء الوضع كما هو مع اللجوء بين الفينة والأخرى الى سياسات ترقيعية لاحتواء حرائق الغضب التي قد تنشب هنا وهناك. واهم لأنه بقرارات مثل هذه سيزيد من عدد الساخطين الذين لن يترددوا في استغلال أي فرصة لمهاجمته. واهم لأنه ينيط مهمة الدفاع عن صورته الى أشخاص غير أكفاء وفاشلين فيسؤون اليها عوض تلميعها. لكن المؤكد أن القضية تكون خاسرة إذا أسندت الى محام فاشل. والأكيد أن الصورة المشرقة للحريات في المغرب لم تعد كذلك استنادا الى تقارير المنظمات الدولية واذا ما استمرت التراجعات عن المكستبات بنفس الوتيرة فان المغرب سيحتل ذيل الترتيب في السنوات القليلة المقبلة. فهل من رجل رشيد لوقف هذا الانزلاق غير المحسوب قبل فوات الأوان؟ إن صورة البلد تلطخت كثيرا سواء داخلياً أو خارجياً والسبب ليس هو قناة الجزيرة إنما سياسات غير عقلانية تُمارس ومسؤولين غير أكفاء يفسدون ولا يصلحون. ألم يسئ وزير الاتصال الى هيبة الدولة عندما تدخل لانقاذ ابنه من قبضة رجل شرطة ولم يتركه يطبق القانون حتى أنه تحضرني طرفة بهذا الخصوص لشخص أوقفه شرطي في وضع مخالف للقانون، فكان رده إن القانون وُضع ليُطبق على الأقنان وليس الأسياد وأضاف قائلاً هل صدقت شعار دولة الحق والقانون؟ فقلت في قرارة نفسي لن يتقدم هذا البلد حتى بعد ألف سنة. إن الحل بسيط يا سادة . الصرامة في تطبيق القانون ليس فقط على أبناء الشعب الكادحين وانما على "علية القوم" وسن قانون عدم الإفلات من العقاب. أما دون ذلك، فهو ضحك على الدقون وإساءة الى صورة البلد. ولنترك الحكم للقارئ الكريم في من يسئ فعلاً الى صورة المغرب؟ [email protected]