يبدو ان الذهنية المنتجة للثقافة بدأت تتغير وبما ان الثقافة عنصررئيسيمن عناصر الهوية ،فإن أفرغتمن فحواها نفرغ من هويتنا وكينونتنا ،فثقافتنا وما تتخلله من أساطير وخرافات لم يظن المجتمع يوما أنها قابلة للنقاش ولا للطعن،هدا من جهة ومن جهة اخرى فتغييب الحقائق وتهميش الموروث الثقافي الغني وجعله فلكلورا ليس إلا "نتغنى به في المناسبات فقط لا غير "أفقده قيمته وفعاليته في المشروع المجتمعي وولد إحساسا عميقا بالغبن والإحتقار وبالتالي تضررت الهوية ومست كينونتنا وغدت المصلحة الخاصة فوق الإعتبار ويعلو الحساب الشخصي ،المذهبي والطائفي على التقدير الوطني . إننامطالبون كأفراد وجماعات في التفكير في أنماط الخطاب دات فعالية وتأثير بعيدين عن اللغة الخشبية ،وتسطيح العقل المغربي وإستغباءه كما هو الحاصل عندنا للاسف الشديد فمفتاح التطور المنشود للثقافة والإبداع وإنتاج القيم هو الحرية بمعناها العام ولا يمكن للفكر ان ينمو في بيئة مقيدة للحريات وبوضعيغلب عليهالإستبداد السياسي والترهل الإقتصادي "فنحن مستهلكين بإمتياز وغير منتجين وطابع الإقتصاد هو ريعي بالدرجة الأولى "والسطوة الثقافية والتدخل السافر للتيار الديني الذي إنساق وراءالتيار السياسي . إن الفكر الثقافي يواجه تحديات صعبة على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي ،وهو يرزحة تحت الضغط السياسي ،ويواجه اليوم حساسية مفرطة في تناول التنوع الثقافي وخصوصا من أصحاب الفكر الرجعي والديني الرديكالي الذي يستند إلى مفاهيم خاطئة ويهيمن على الفكر الإصلاحي حيث يرون هذا التنوع تعارضا مع عالمية الإسلام القادر على أن يحتوي هذه الروافد الثقافية وهذا التنوع ليصب في التيار الثقافي الرئيسي. فعوض أن تنفتح المؤسسة الدينية على كل الطوائف وجميع الثقافات تراها تنغلق على نفسها وتنكفئ بل أكثرمن ذلك فهي تنساق وراء اللعبة السياسية القذرة ،وكذلك المفكرون بدورهم مقصرين في هذا المجال فبدل ان ينهلوا من تنوع ثقافاتنا والإنفتاح أكثر عليها وإبراز المخزون الثقافي العظيم الذي تحتويه تراهم مكبلين بخطوط حمراء لا توجد سوى في مخيلتهم ،فنحن بحاجة ماسة لفكر يطلقنا من أسرنا ويخرجنا من المتاريس العالية، متجاوزا العادات والأعراف، والسلطة الدينية والسطوة الثقافية، التي سلبتنا الإرادة القوية والقدرة على التحليل والتعبير وتقرير المصير، وصادرت الحريات الثقافية والفكرية . لكن مكمن الخلل والتحدي الأول للثقافة عندنا هو تنكرنا للتنوع في حقيقة الامر ولا نستخدمه سوى كشعار مثل الشعارات الإنشائية لسياسيينا فكيف ونحن نستخدمه أبشع إستخدام مثل الديكور أو أكسسوارا وفي المناسبات فهذا الإستخدام السيء وتلك السخرية ولدت الغبن عنداغلب الطوائف والجماعات مما أثر سلبا على هويتنا وبالتالي أصبحنا غير مبالين لا بالدولة ومؤسساتها ولا بالوطن وإنما المصلحة الشخصية والطائفية والمذهبية تعلو على كل تقدير . فلا يمكن ان نذكر التاريخ الإسلامي وحضارته بدون ذكرالثقافات المختلفة التي إندمجت بين جميع العناصروالمجتمع الإسلامي ليحصل التلاقح الثقافي بين المسلمين والبربر في أبهى صورة وبالتالي التفاعل فيما بينها لتبرز حضارة متلألاة في تاريخ الإنسانية لا تزال معالمها إلى وقت قريب، حيث أبدعوا في الحياة الفكرية وخلدوا رموزا وعلامات تاريخية كبرى في تاريخ العلوم والبطولات،وما زالت آثار الفرس ،تركمنستان وكل الثقافات من الصين والهند ..إلى المغرب شامخة تشهد على ذلك وزاخرة بالرموز والفطاحل من طارق بن زياد،عقبة بن نافع،صلاح الدين الأيوبي ،وقطز،يوسف بن تاشفين،البخاري ومسلم...في الحديث،الفرابي الفيلسوف،البيروني في العلوم الطبيعية ،الخوارزمي في الجبر ،والكثير ..الكثيرلا يتسع المجال بحصرهم وعدهم فعلى الرغم من شعاراتنا المناديةبالتنوع الثقافي والإثني والطائفيهيشعاراتلا تعكسالواقع الأليم والمخزيرغم محاولات إنكارهم للتهميش والإقصاء الممارسة على أرض الواقع ،فنحن لا نعرف ولو النزير عن ثقافة البربر والأمازيغ ،بينمانعلمعن ثقافات كثيرة ومتنوعة بفعل العولمة والتقدم التكنلوجي "من باب العلم أن الأمازيغية أدخلت إلى الحاسوب قبللغتنا العربية والتي نعتز بها "ويترتب الإنفتاح على الخارج وتهميشموروثنا الغني ثمنا باهظاً على حساب التنمية وتعزيز الديمقراطية، وساعد في تفكيك الوحدة الوطنية بدل الادعاء في المحافظة عليها وهدد الأمن الوطني واستخدمته القوى الخارجية وسيلة للتدخل وفرض الارادة بحجة الدفاع عن الحقوق المسلوبة،وهذا كله لعدم تلاقح الثقافات بين بعضها البعض وإنصهارها في بوثقة الهوية الإسلامية القادرة أن تحتوي كل تلك الروافد لتصب في التيار الرئيسي ولنا في الرسول الأكرم أبلغ نمودج محتدى به،حيث كان دستور المدينة أول دستور مكتوب في العالم يتناول الحقوق والواجبات ويتضمن حقوق الطوائف والأديان والتكوينات التي تعيش في المدينة، لذلك نقول إن أفضل وسيلة وأنجعها لضمان مناعة المجتمع هي تحرير العقل وإنفتاحه علىالثقافات المحيطة به وكشف ونهل من الموروث الغني ودفع كل الطاقات الإبداعيةفي المجتمع بتنوعه لتسهم بإثراءلثقافته وإغناءه و"اظهاره ونفض الغبار عنه في محاولة لايجاد قواسم مشتركة وخلق حالة من التناغم والتواصل والحوار لتحقيق نهضة ثقافية محلية قادرة على الوقوف في وجه الغزو الثقافي الغربي المدمر المدعوم ببعض المثقفين المحليين وكذلك تأثرنا السلبي بالثقافات الدخيلة علينا وتقليدنا لها تقليد الاعمى والأخد الغث منها والتافه كما أن ذلك راجع لعدم وجود المناعة في المجتمع التي سببها تهميش تنوعنا الثقافي واقصاءه والحجر الذي يطال عليه من طمس أجزاء كبيرة من تاريخنا وثراتنا من الوجود لأهداف سياسية ..وليست دينية إنما للسلطة الدينية دور في الصمت عن هدا الإقصاء أو التهميش لإعتبارها جزء رئيسي وأحد الأركان الثلاثة الأساسية لتحديد الهوية بالإضافة للثقافة وعناصرها المختلفةأو الثراث الثقافي واللغة التي هي أداة التعبير.أنا أخي الغالي لن أدافع عن اللغة العربية فهي شامخة منذ أزيد من 17قرنا صامدة أمام أعتى المكائد وأحلكها... ولا أدل على أن اللغة العربية لعبت دورا مهما للتطور والإزدهار فكنا السباقين في الترجمة في القرن الثامن الميلادي وذلك لمسايرة الركب وتحقيق الريادة المنشودة. ولنا في الهند أحسن مثال في انصهار الثقافات والقوميات المختلفة والطوائف المتنوعة وتعدد اللغات وحتى الأديانوآلاف اللهجات في بوثقة هويتها الديموقراطية كأكبر الديموقراطيات في العالم فلا هذا التنوع هدد سلمهم ولا هذا الإختلاف حطم منظومتهم ولاكل تلك القوميات والطوائفمزقت أواصلهم وفككت نسيجهم ،بل عزز روابط التفاهم والتعايش وقوى الوشائج .إن الوضع السيء في الوطن العربيبأكمله الذي يشيع فيه الظلم والفساد بطرق متنوعة ويذيع فيه الإستبداد والقمع للحريات بمفهومها العام كبل عقولنا وقيد فكرنا وسلب لنا حقوق جمة وعلى رأسها حق الإختيار والتعبير وتقريرالمصير فلن تستطيع شعوب مكبلة بالقوانينالمقيدة للحريات،والسلطة الدينية المرتمية في كنف الطبقة الحاكمة ، والاستبداد السياسي والاقتصاد الريعي الضعيف، أن ينتج ثقافة جديدة متجددة وعصرية متطورة تنشدالريادة والتقدم. فلا الديموقراطية التي نرفعها كشعار للمرحلة نمارسها، ولا الحقوق نحترمه، ولا الحريةالتي هي بمثابة الهواء الذي يتنفسه الإنسانبالنسبة للديموقراطية والإبداع ، نطبقها .فبدل أن يلعب التنوع الثقافي دور في مناعة المجتمع من الغزو الثقافي الغربي ، بالمنع والتهميش وطمس ذلك التاريخ التليد بفكره ورجالاته وبطولاتهمومحو ذاكرته أصبح البعبع الذي نخوف به بعضنا البعض والنافذة السهلة لكل الاطماع . [email protected] mailto:[email protected]