عند زيارتي لإحدى الجماعات القروية بإقليم سيدي قاسم، تفاجأت بتكليف مستشارأمي للتوقيع على الوثائق المختلفة من عقود عرفية وتوكيلات ونسخ من رسم الولادة، وتصاميم... يعد له الموظفون أوراق المواطنين وهو "المسكين" يوقع ويضع الطابع بتثاقل كالطفل الصغير، يحدث هذا في غيبة شبه دائمة للرئيس الذي هو برلماني في نفس الوقت... حفاظا على سلامة وثائق المواطنين وسلامة كل مستشار أمي من أي تدليس يكون ضحيته يجب منع مثل هذا الأمي (وغيره) بالقانون من الحصول على التفويض للتوقيع، ولمَ منعهم من الترشح للانتخابات، على الأقل يجب أن يتابعوا دروس محو الأمية، وينالوا شهادة صادقة عن ذلك من معهد محترم أو تشهد على ذلك هيأة قضائية، فقد سبق أن حصل رؤساء جامعات روية على شهادات الدروس الابتدائية مزورة، مما جعلهم يتعرضون للمحاكمة ويفقدون عضويتهم واعتبارهم.. ويوجد الآن في القرى شباب متعلمون، منهم أصحاب شواهد جامعية، لكن تفضل بعض الأحزاب أو بعض الأعيان المتحكمين في اللوائح والترشيحات (الأحادية) أميين على متعلمين حتى يبقون طوع خياراتهم الانتهازية، ولعل أهم هذه الخيارات الانتهازية تصويتهم بدون نقاش أو فهم لما يجري أمامهم، وتصويتهم على المقررات والميزانيات واختيار المستشارين ممثلي الجماعات في مجلس المستشارين حسب المزاج والمصلحة الضيقة (الغرفة السفلى) كل ثلاث سنوات وفق ما "تنتجه" القرعة التي تزيح الثلث (أغرب أسلوب في العالم) وغير ذلك من الممارسات مما يضر بالديمقراطية (السلطة تريدها دائما شكلية) حيث يكون الناخب فاعلا وليس مفعولا به، أو مجرد أداة انتخابية سلبية.. ومن المفترض أن تتوفر الجماعات على خطط وبرامج تنموية يساهم في وضعها كل المستشارين وإشراك فعاليات المجتمع المدني وحتى السكان، ولا يمكن أن يقوم بمثل هذا الأمر أميون أو يفهمون فيه شيئا، علما أن هناك من يقول أن الأميين الذين يصل عددهم إلى النصف في المجتمع يجب أن يجدون من يمثلهم من "صنفهم" وهذا مردود عليه، بحيث أن هذا النوع من "التمثيلية" غير منصوص عليه قانونيا، ثانيا من مصلحة الجميع بما فيهم الأميون أن يمثلهم متعلمون أو حاصلون على حد أدنى من التعليم كالكتابة والقراءة، وهناك طرف آخر يرى بأن مثل هذا الأمي هو من يعيش "قريبا" من المواطنين بشكل يومي، وغالبا لا يستطيع أن يقوم بنفس الأسلوب (القرب) مثل مثقف قد يكون أستاذا جامعيا أو محاميا بسبب الحاجز الثقافي وتعاليه، بل حتى هذا النوع من المستشارين الجماعيين يمكن ان يقوم بأعمال مشينة كالتي أشرنا إليها أعلاه، أي البحث عن المصلحة الشخصية، وليس من المؤكد أن نعمم مثل هذه الأحكام على المتعلمين والمثقفين وحتى على الأميين كذلك، علما أن التواصل الآن أصبح يعتمد أدوات أكثر مرونة وفاعلية، بحيث يمكن أن يتواصل منتخب دون أن يجتمع بناخبيه في نفس المكان والزمان باستعمال طرق التواصل الحديثة كالانترنيت(هذا مستبعد الآن حتى من طرف المتعلمين كذلك).. ما نتحدث عنه هو ما مدى قانونية الوثائق التي يوقع عليها مستشار أمي؟ لهذا يمكن لأي متعاقد أن يتراجع أمام المحاكم عن التزاماته التي وقع عليها "مسؤول" أمي وإعلان براءته من بنود كل التعاقدات، ويمكن أن يسري نفس الشيء على بقية الوثائق، أي عدم حجيتها وقوتها مادام بصم عليها مستشار أمي. للأسف هناك من يفضل أغراضه الذاتية ومصالحه الخاصة من رؤساء جماعات ومستشارين قبل مصلحة المواطنين، والدولة وأغلب الأحزاب وسلطة الوصاية تتحمل مسؤولية في هذا العبث القائم عبر منح التزكيات للأميين من طرف الأحزاب وتزكية سلطة الوصاية لمنح تفويضات ذات طابع خطير لمستشارين أميين.