http://mhairane.wordpress.com http://mhairane.wordpress.com/ تنويه أنجزتُ خلال منتصف شهر فبراير من سنة 2009 ملفا حول « وشايات البلاط الملكي » وذلك بناء على مُعطيات كانت حينها قيد التداول في الصالونات السياسية بالعاصمة، عكستها بعض الصحف في شكل أخبار مقتضبة.. ولأسباب ما زلتُ أجهلها لم يتم نشر الملف في الأسبوعية التي كنت أعمل بها حينها (المشعل).. وفي زحمة انشغالات آنئذ سهوتُ عنه (الملف) وظل في أرشيفي ثاويا.. واليوم أضعه في دائرة النشر هنا بمدونتي، توخيا لتعميم قد يكون مُفيدا، ونظرا لطول سطور وصفحات الملف ارتأيتُ تقسيمه إلى أربعة أجزاء. مقدمة الملف ما الذي دفع الملك محمد السادس،ليجمع في أحد الأيام القليلة الماضية، بعضا من أقرب مساعديه، وتحديدا رفاق الدراسة، منذ مرحلة اليفاعة، للقيام بعملية إصلاح ذات البين، وإطفاء لهيب الصراعات، التي احتدمت بينهم، وصارت حديث الناس، في صالونات العاصمة، وتُنشر أخبارها على أعمدة الجرائد، كما ذكرت إحدى الصحف مؤخرا؟ فما هي تفاصيل صراعات أقرب مُساعدي الملك، في أكثر من مجال؟ وما هي بعض جزئيات السباق بينهم، لاكتساب قصب السبق في تسيير دفة الأمور بخيوط دقيقة؟ وإذا شئنا التوضيح أكثر، كيف حاول فؤاد علي الهمة، أن يسحب البساط من تحت قدمي الكاتب الخاص للملك « محمد منير الماجيدي » وذلك من خلال محاولة « التسلل » إلى قلعته المالية والاقتصادية؟ وكيف رد الماجيدي؟ وبين هذا وذاك، ما هي المُعطيات المرتبطة بصراعات باقي رفاق الملك، في أكثر من ملف؟ وكيف تُصنع الوشاية في البلاط الملكي، لتتحول إلى قرارات، تسري على أكثر من ملف وقضية؟ الأكيد أنه بين قرار عزل، وآخر للتعيين، في العديد من المناصب الحساسة للدولة تكون « الوجبة » قد مرت من عملية « طبخ » على نار هادئة، أو ملتهبة (تُحرق أحيانا قفازات وأصابع أصحابها) في الأبهاء والأركان المُعتمة لدار المخزن، حيث يكثر دأب الدائبين « وسعي » الساعين، لتدبير » المقالب » تارة، وإعداد السيناريوهات، للخلوص إلى غايات بعينها. وفي خضم ذلك تُصنع مسارات أشخاص، وتُمحق لآخرين، وبذلك تستمر واحدة من خصوصيات السلطة المخزنية في بلادنا، أي الوشاية، محتفطة بكامل قوتها وعنفوانها. في الملف الضافي التالي، تقليب للموضوع إياه، على أكثر من وجه، وعموده الفقري، العديد من المُعطيات التي استقيناها من أكثر من مصدر. وآراء متابعين مدققين. سيرة الدسيسة والوشاية في سلطة الحكم الفردي بالمغرب المعارك الصغيرة الطاحنة، والدسائس الرخيصة، وتصفية الحسابات الشخصية.. إلى غيرها، من السلوكات، المطبوعة بضيق الأفق، لدى بني البشر، كانت دائما من الخصائص اللصيقة، ببلاطات أنظمة الحكم التقليدية، عبر تاريخ بني البشر قديما وحديثا، غير أن هذا لا يمنع، من وجود خصوصيات لكل مجتمع على حدى، في تصريف طريقة الحكم، والأمور المتفرعة عنه. بالنسبة للمغرب، وكما تُفيد كتب التاريخ، فقد كان دائما مطبوعا بنظام الحكم الفردي، كان ذلك مع الممالك الموغلة في القِدم، كما تكرس مع عهود الحكم القريبة نسبيا، سواء مع السعديين أو المرابطين أو الموحدين أو المرينيين ثم العلويين، ويُمكن القول أن هؤلاء الأخيرين، الذين حكموا المغرب، ما يقرب من ثلاثة قرون ونصف (1666-2010) طبعوا ببصماتهم نمط الحكم، واحتفظوا به عبر متغيرات محلية ودولية، بالغة التعقيد. و في الوقت الذي كان مُنتظرا، غداة الاستقلال (1956) أن يعرف الحكم شكلا من أشكال التنظيم الحديث، ينقل المغرب، من التخبط في سلبيات التخلف، بسبب الطابع الفردي والاستبدادي، لنمط الحكم،.. بدلا من ذلك، توفرت شروط موضوعية وذاتية، أعادت البلاد إلى ذات مساوىء، وأخطاء نمط الحكم، التي جَرَّتْ سلبيات الأمس القريب (التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي...). أصر الحسن الثاني، حين تسلمه الحكم (فبراير سنة 1961 ) على الاحتفاظ بكل السلطات التنفيذية والتشريعية، وسَوَّرَ – من السور – مُحيط نفوذه، ليس فقط بدساتير مُفصلة على مقاس الحكم الفردي، بل استفاد من مُعطيات التحديث الغربية، في وضع مشهد سياسي واجتماعي وأمني.. إلخ، لحماية نمط حُكمه المذكور، من منافسة المتنافسين، على شرعية اقتسام السلطة، وكانت تلك الصراعات الدامية، على مدى أربعة عقود، التي أسفرت عن الخريطة السياسية والمجتمعية والاقتصادية، التي يوجد عليها المغرب راهنا. وكان من لوازم تكريس نمط الحكم الفردي، الاعتماد على بِِطانة مُقربة من الملك، تمثلت في المُستشارين والمُعاونين، وباقي النافذين في الدولة، الذين يتوصلون مُباشرة من الملك الحسن الثاني، باختياراته في تسيير شؤون البلاد، وبذلك كان طبيعيا، أن « تينع » ذهنية البلاط كما في أنظمة الحكم التقليدية، عبر التاريخ، وقوامها – أي الذهنية – ما ذكرناه في صدر هذه الورقة، من معارك طاحنة، وتصفية حسابات شخصية، حيث كل طرف يسعى لِنيل رضا الملك، وقربه، أكثر من باقي المُتنافسين، وبذلك تم وضع حتى النصوص الدستورية، على علاتها، في خلفية المشهد السياسي، ومعه كل مكوناته البرلمانية والحزبية، وباقي مؤسسات الدولة. واليوم، بعد مرور زهاء عشر سنوات، على رحيل الحسن الثاني، ما زال المغرب مطبوعا بقوة، بذات « بصمة » الحكم الفردي، حيث إن القصر يُعتبر مصدر كل السلطات التنفيذية والتشريعية، لذا فإن ثمة رجال نفوذ جدد، مُتحلقون حول نواة السلطة المُطلقة في الدولة، يتشكلون من ما اصطُلح عليه بزملاء دراسة الملك، والمستشارين المُخضرمين، وكبار رجال أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، وبالتالي استمرار ذات نمط الحكم الشديد المَركزة. وحسب مُعطيات مُتوفرة، فإن الصراعات على أشدها، في البلاط الملكي، بين المُتنافسين، على الحظوة لدى محمد السادس، حيث تُستعمل كل الطرق (بما في ذلك الضرب تحت الحزام – وبعض المُعطيات التي تجدونها ضمن هذا الملف تُفيد ذلك) للوصول إلى الغاية، وهي: مَنِ الذي ينال مكانة أقرب من الملك، وبالتالي يُكتب لشخصه المزيد من النفوذ، في مغرب يشكو من فراغ رهيب، في مجال توفر إرادات وكفاءات سياسية، تُساهم في إنتاج أفكار جديدة، لمُواجهة المشاكل المُقيمة، و »طوارىء » تدبير الشأن العام. يقول أحد الذين جمعوا بين مسؤولية تدبير شأن السلطة، وإنتاج الأفكار بشأنها: « الملك تحذوه رغبة في التغيير، لكنه لا يتوفر على الأشخاص المُناسبين، والوسائل الكافية، وهو وضع يجعلنا نعيش في فراغ اللامسؤولية » مستطردا: « وهذا يُفسر كثرة تنقلات الملك الميدانية، فهو يُحاول سد الفراغ الحاصل، لكن إلى متى؟ » ثم يُضيف: « الملك غير مُهيأ للجزئيات، بل للملفات الضخمة، ذات الطابع الاستراتيجي، وبالتالي يتأكد أن بلادنا تعاني من مرض اسمه: اللامسؤولية ». نمط الحكم في المغرب ينتقل بالوراثة، ونظرا لخصوصياته، الثقافية والاجتماعية والتاريخية، الفريدة، فإن كل شيء يَنْصَبُّ على الملك، وهو وضع عجيب. لماذا؟ يُجيب نفس مصدرنا السابق: « إننا نوجد أمام تناقض كبير، على أعلى مُستويات الدولة، حيث تتكرس عقلية اللامسؤولية، والجمود مُقابل حركية البنى التحتية المُجتمعية، التي تنتظر تغيير الواقع غير المُريح، وفي نفس الوقت هي تنحو إلى طابع المُحافظة الأقرب إلى التطرف ». وهنا يجدر الحديث عن خصوصياتنا الاجتماعية والثقافية، فكما قال مرة، المُعمر في السياسة والسن، المحجوبي أحرضان، لأحد الصحافيين: « هل تعرف لماذا نحن ملكيون في المغرب؟ لأن كل واحد منا ملك في بيته أو قبيلته، أو معمله أو حزبه.. ». قال عالم الاجتماع المغربي، ذا الأصل الفرنسي « بول باسكون » الذي قضى حياته دارسا لأعماق المكونات السوسيولوجية في المغرب.. قال يوما: « الوشاية رياضة وطنية في المغرب ». ليس من الصدفة في شيء أن يكون المجال مفتوحا، لأشخاص وُجِدوا بالصدفة، حوالي الملك، يفتقرون لأية شرعية سياسية، ناهيك عن أنهم سُلِخوا من مُحيطهم الاجتماعي، منذ اليفاعة، او لاحقا، ليستغلوا « مواهب » غريزية ، في حلبة التنافس، من أجل نيل مكان تحت « مظلة الملك ».. وكلما ابتعد أحد المتنافسين، أو اقترب، من الحلبة المذكورة، كلما احتد الصراع، حيث يكون البقاء، للأكثر دهاء ومكرا، وبطبيعة الحال، فإن كل ذلك الجهد، يصب في تكريس ذات رقعة نمط الحكم الفردي، الشديدة الضيق، التي تجعل الملك، مصدر كل السلطات و « البرامج ».. في مغرب لا تني مشاكله، على مختلف الواجهات، تتسع وتتعقد. وبالتالي تضيع بوصلة الحلول، في تشابك التعقيدات الاجتماعية والسياسية والتاريخية. أصدقاء دراسة الملك الخائضون في حروب الوشاية تُفيد بعض المعطيات، الواردة من ردهات مربع الحكم، في القصر الملكي، أن صراعا محتدما، يجري بين الكوكبة الضيقة، للمساعدين الأقربين، للملك محمد السادس، وتتشكل – أي الكوكبة – من المستشارين الملكيين، ورفاق دراسة الملك، منذ مرحلة اليفاعة، فضلا عن المُلتحقين الجدد، الذين تم إدماجهم منذ تولي محمد السادس الحكم، صيف سنة 1999، والجديد في أمر الصراع المذكور، أن ثمة العديد من المستجدات طرأت، بعد ابتعاد أقرب رفاق الدراسة في المعهد الملكي، من محمد السادس، ونعني به فؤاد علي الهمة، عن تدبير العديد من الملفات. كيف؟ من المعروف أن « الهمة » كان بلا أدنى شك، هو العقل المدبر للعديد من الملفات السياسية والحقوقية والإعلامية.. حينما كان يُباشر مهام تنفيذية مُباشرة، من موقع كاتب الدولة في الداخلية، في حين أنه كان وزير الداخلية الفعلي، سواء في مرحلة « أحمد الميداوي » أو « مصطفى الساهل » أو « شكيب بنموسى »، فالرجل – أي الهمة – تولى مهمة استقطاب العديد من الرؤوس المدبرة، ليسار السبعينيات، التي انخرطت في المجال الحقوقي، من المنظور الذي تتبناه الدولة، وكان أيضا، صاحب المبادرة في العديد من الملفات السياسية، الشديدة الحساسية بالنسبة للدولة، تتجاوز كل الاختصاصات، لتجمع الأمني بالحقوقي بالنقابي بالحزبي بالاعلامي.. إلخ. يقول أحد العارفين بتضاريس العلاقات في البلاط الملكي: « الهمة مسؤول عن كثير من التجاوزات، التي حدثت خلال ثمان سنوات من حكم محمد السادس، فهو مَن كان وراء تشديد القبضة الأمنية في البلاد، عقب تفجيرات 16 ماي 2003، كما أنه كان وراء الملاحقات، التي طالت الصحافة والصحافيين، فضلا عن العديد من الدسائس، التي راح ضحيتها بعض زملاء الدراسة في المعهد الملكي » مضيفا: « ولا يخفى أن كل الملفات التي حملت بصماته، آلت إلى نتائج سلبية ». هل يُمكن حقا تحميل المسؤولية، كل المسؤولية للرجل وحده؟ « ليس تماما – يقول أحد المُقربين من علي الهمة، مضيفا – فلا يخفى أن كل الملفات التي باشرها الهمة، كانت من ميراث عهد وزير الداخلية السابق إدريس البصري، حيث كان مطلوبا تصفية العديد من التركات السلبية، ومنها الملف الحقوقي، والاعداد القانوني للإنتخابات.. إلخ ». مهما يكن من أمر فإن هذه الفترة الزمنية القريبة، التي حملت فيها العديد من ملفات الشأن العام، بصمات « ولد الرحامنة » تبدو كما لو كانت بعيدة جدا، فحسب المعطيات، المتوفرة لدينا، فإن احتراق أصابع الهمة، في بعض الملفات الدقيقة، فرضت خيار التخلص منه، بطريقة « لبقة » من مربع الحكم، وهذا الأخير يشغله، كما سبقت الإشارة، ما أصبح يُعرف ب « أصدقاء الملك في مرحلة الدراسة » وبالتالي هل يُمكن الحديث عن حروب صامتة/صاخبة في مربع الحكم المذكور؟ يجيب أحد مصادرنا، اشتغل لفترة طويلة، إلى جانب وزير الداخلية السابق إدريس البصري: « نظرا لأن المجموعة المحيطة بالملك، تتكون من أصدقاء الدراسة، وكانوا يُلازمونه، في المدرسة المولوية، وباقي مختلف مستويات الدراسة الأخرى، فقد أصبح لديهم نوع من الارتباط الخاص مع الملك، وبالتالي التآلف، واكتساب مجموعة من العادات المشتركة » مستطردا: « لكن حينما أصبح رفيق الدراسة السابق، الذي كان وليا للعهد ملكا، تغيرت الوضعية، وما حدث أن مجموعة الدراسة اعتقدت أن الأمر سيبقى على ما كان عليه، لكن العكس هو الذي حصل تماما » مضيفا: « ومن الطبيعي أن يكون هناك نوع من التنافس، بين الفرقاء في المجموعة المحيطة بالملك، فالحكم يخضع بطبيعته، لهذا النوع من الصراع، الذي يصل في بعض الأحيان إلى التآمر فيما بين المُتنافسين.. (يُتبع)