http://mhairane.wordpress.com/ http://mhairane.wordpress.com/ رمضان « مْصهّد » لأنه أطل في عز الصيف، مع منتصف شهر غشت.. رمضان « مُسعَّر » لأن تهافت الناس على مواد غذائية بعينها جعل الباعة يرفعون الأسعار.. على غير العادة زهد جل الموظفين والمستخدمين، في أخذ العطلة السنوية خلال شهر غشت، ما دام أنهم سيلزمون بيوتهم، ينقرون على أزرار « التيلكومند » وهم فاغرون أفواههم، محملقين بعيون نصف مفتوحة، في شاشة التلفزة، وفي أحسن الأحوال الشجار مع زوجاتهم، لأسباب أتفه من تافهة، لذا فضل أغلبهم قضاء فترة العطلة الصيفة، في شهري يونيو ويوليوز حتى منتصف غشت، ليعودوا إلى مكاتبهم أيام شهر رمضان.. فينامون عليها. المعتاد في شهر الصيام من كل سنة، أن تنخفض الإنتاجية العامة، إلى أدنى مستوياتها، والمُنتظر أن تزداد انخفاظا رمضان هذه السنة، كيف لا والدنيا حَرّ شديد، تتحرك فيه الأوصال بصعوبة بالغة، خلال الأيام العادية، أما والناس صيام، فالجمود سيُرخي سدوله الثقيلة على البلاد والعباد، حتى تبدو مدننا وقرانا أشبه بعمران الأموات الأحياء. زار بلادنا كاتب شامي اسمه « نادر قُريط » منذ بضع سنوات، وصادف منتصف شهر رمضان، بحث، كما كتب في مقالة جميلة، عن البسمة في وجوهنا، فلم يجد غير العبوس، والحيوية في غدونا ورواحنا، فلم يجد غير الجمود.. اشتاق لإشعال سيجارة في أحد شوارعنا، وحينما فعل، ساطته (من السوط) أعيننا الكابية الحاقدة، حتى اصطكت فرائصه، فهرب إلى الضفة الإسبانية لا يلوي على شىء، وحينما بلغها سجد شكرا، وهو المسيحي الذي لا يعرف دينه السجود ! تُرى لماذا يأخذ رمضان عندنا كل ذلك التناقض في السلوك الاجتماعي، فبينما يحسم أسمى نص ديني عند المسلمين (القرآن) أنه « لا إكراه في الدين » والحديث المأثور « مَن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له الله ما تقدم من ذنبه ».. وغيرها من الآيات والأحاديث، نَجِدُنا نركِّز كل التركيز، على سلوكات بدائية، في السلوك والأكل والكسل وكل ما هو ذميم. تذهب للتسوق مثلا، فتجد أن الناس تنادت من كل ركن بعيد، للتكدس أمام باعة المواد الغذائية، وبدلا من شراء كيلوغرام لحم مثلا، تُشترى عشر كيلو غرامات، فيفرك الجزارون أيديهم، ويرفعون ثمن بضاعتهم، فالطلب الكثير يٌركع المشترين، ويُقبلون على العرض صاغرين. وقل نفس الشىء عن باقي المواد الغذائية، ولن يُجديك أن تتساءل في استغراب: ماذا لو اكتفى المرء بشراء كيلو غرام واحد من اللحم المُعتاد، هل سيُقفل الجزارون محلاتهم في اليوم الموالي، وبالتالي تبرير هذا التهافت البدائي؟ ثم كيف نستطيع تفسير ذلك التكالب « الحيواني » على محلات بيع « الشهيوات » قبل الإفطار بساعات، حيثُ تُكدس أكياس البلاستيك في الأيدي تحملها السواعد المُتعبة، وتُوضع فوق الموائد فلا يُؤكل أغلبها، ليُعاد نفس السلوك في اليوم الموالي. وبعد كل يوم صيام، تُملأ البطون حتى التخمة المَرضية، وتُبتلع أقراص تسهيل الهضم، ثم تُنشر الأجساد في قارعات الشوارع والزقة، على كراسي مقاهي تترامى (بتواطؤ مع السلطات المحلية) على الفضاء العام، بل وتنصب بعضها منصات للأجواق والشيخات، ويرقص الراقصون والراقصات الزبناء، حتى ساعة متأخرة من الليل، استعدادا ليوم صيام آخر سيمر كسابقه، رتيبا ورصاصيا يُعمده الكسل وسوء المزاج، لأن البطن فارغ والرأس أجوف، تنقصه حصة النيكوتين أو جرعة مخدر مُعتادة. وعلى ذكر هذه « البلية » الأخيرة، فإن الحصص الوافرة من استهلاك الخمور في الأيام العادية، تُعَوَّض خلال شهر الصيام بجرعات زائدة، من مُختلف أنواع المخدرات، ولو كانت لذينا مؤسسات إحصاء مختصة، تدقق في سلوكاتنا الإجتماعية، لأكتشفنا الهول. ذلك أن تجارة المواد المخدرة « المحظورة » قانونا، تنشط أيما نشاط خلال الشهر « الكريم ».. كريم على طريقتنا نحن المغاربة. وماذا عن شهوة الفرج (بلغة الدين) التي نُهي بالامتناع عن إشباعها، كما شهوة البطن، خلال أيام الصيام؟ يتدبر الناس عندنا أيضا أُمورهم ليُصرِّفوا كل تلك الكميات الزائدة من السعرات الحرارية، التي التهموها مع أطعمة، أغلبها مُشبع بالنشويات والسكريات والذهنيات.. ويكفي أن تنظر إلى مشاهِد مُطاردة الرجال للنساء في الشوارع والأزقة الغاصة، لتفهم أن الصيام في المغرب، سلوك اجتماعي مُتوارث قاهر، أكثر منه اقتناع بشعيرة دينية روحية. نعم، صحيح أن المساجد تُعمر أكثر من باقي أيام السنة، حتى تكتظ، لكن السؤال، أليس هذا بدوره سلوك قطيعي، لا يُغير شيئا من أمر باقي السلوكات التهافتية (من التهافت) البدائية، على شهوات البطن والفرج و « التبواق »؟ بمعنى أليس الذهاب إلى المسجد لأداء صلوات التراويح مع الجماعة، ليس سوى سلوكا اجتماعيا، مُتواضَعا عليه، تغلب عليه المُراءاة (حب إظهار سلوك مُعين) أكثر منه اقتناعا دينيا « إيمانا واحتسابا »؟ إليكم هذا الدليل: إن أعداد المُصلين تنقص طرديا، كلما زادت ركعات الإمام (الموظف عند وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية) خلال صلاة التراويح. لا لشىء إلا لأن موعدا مع صديق أو عشيق، أو مسلسل تلفزيوني، أو للعب الورق (الكارطة) يكون قد حان. لا خلاف أن بعض مظاهر التدين، عادية جدا، ذلك أن للناس حرية اتخاذ السلوك الإجتماعي والثقافي والسياسي والديني.. الذي يرتضونه، لكن هذه المظاهر تصبح مشكلة كبيرة، حينما تُعطل الإنتاج (صائمون مُتعبون غير مُقتنعين روحيا، بشعيرة الإمساك عن شهوة البطن والفرج) .. مظاهر تفرض ذهنية القطيع على المُختلفين (وهم قِلة) مِمن لا يقبلون هذه « اللعبة » الاجتماعية العقيمة، فيختارون مثلا عدم الصيام. ليس من شك أن الموضوع دقيق، بالنظر إلى كل الاعتبارات الإجتماعية، المُغلفة بمنطوق ديني لم يُقرأ ويُفحص بما يفي بالغرض (الأمية المتفشية، والذهنية القطيعية البدائية المستأسدة) كما أن النخبة المُتعلمة القادرة على تفكيك هذه المشكلة، تختار الإنسياق مع القطيع، إيثارا للسلامة، و « الإستتار » في فعل ما يحلو لها. وعلى ذكر النخبة، فإنه سيكون من الطريف جدا، البحث في سجلات الرحلات الجوية والبحرية، إلى بلدان أوربا القريبة، بعيدا عن مكان ومجتمع الصيام، حيث سنكتشف، ويا لهول ما سنكتشف، أن أعدادا كبيرة من المغاربة المحسوبين على النخبة، بمختلف مشاربها، يشدون الرحال بكثافة إلى بلدان بعيدة، حيث يُمكنهم الإفلات من أيام الصيام الرصاصية الثقيلة، تاركين عامة الناس، سادرين في ذهنية القطيع، يأخذون من الدين قشوره، ويجعلون منها سيوفا تقتل الإنتاج والحياة طيلة شهر كامل.