http://mhairane.wordpress.com/ http://mhairane.wordpress.com/ كان يكفي أن تَرِد بِضع عبارات في عمل تلفزيوني درامي « كرتوني » كويتي، عن المغرب عموما، والنساء المغربيات تحديدا، باعتبار صورة البلد قِبلة سياحة « مُتعة » لرجال الخليج، ونِسائه و « ألاعيبهن » في استقطاب رجال العقالات والدولارات الخليجيين.. كان يكفي ذلك لتتشكل نواة كرة جليد صغيرة في البداية، ثم لتتدحرج عبر وسائل التواصل (الأنترنيت أساسا) ثم الجرائد الورقية (بدأ تعاطيها مع الموضوع حذرا ثم ب »حماس » فيما بعد) لتصل إلى الأدبيات الحكومية، من خلال جواب للناطق الرسمي للحكومة عن أسئلة في الموضوع.. ليكتمل قطر كرة الجليد بما يكفي للقول أن أزمة دبيلوماسية بين الكويت والمغرب، قد طرأت، وسيكون من نتائجها على الأقل جفاء مُتبادلا. وبطبيعة الحال، فإنه في كل حدث من هذا النوع، يستأثر فيه الإنفعال والشعور بالصدارة، تغيب المُعطيات المُحددة له، إلا في ما ندر، وقد تأكد في قضية « الأزمة الكرتونية » المغربية الكويتية، أن إعمال العقل، أو على الأقل أرشيفه (الذاكرة) غاب تماما.. كيف؟ قبل الإجابة، لنطرح مزيدا من الأسئلة المُستفزة لذواتنا، عسانا نأتي بأجوبة كافية: هل ابتعد التناول « الكرتوني » في العمل التلفزيزني الكويتي، موضوع كل هذه الضجة، عن ذِكر جزء من واقع حاصل فعلا، أم أن ما جاء به لم يكن سوى كذبا وافتراء، يستوجب ليس فقط التنديد والإستنكار بل ما هو أدهى؟ وهل الموضوع المطروق في نفس العمل التلفزيوني طارىء، ما أنزل الواقع به من سلطان؟ وأخيرا وليس آخرا: هل المغرب والمغاربة، ونساؤنا لا يَمُتون بصلة، لما نُعثوا به في نفس ذلك العمل التلفزيوني « الكرتوني »؟... « الرجوع لله ».. الموضوع قديم جدا، يعود على الأقل لبداية سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، حينما تظافرت عوامل « قاهرة » نذكر منها بُدء العمل بسياسة التقويم الهيكلي، حينما قبلت حكومة المعطي بوعبيد (سنة 1983) تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي، بالتحديد في سياستها الإنفاقية (التقليص من الميزانيات المرصودة لقطاعات التشغيل والصحة والشؤون الإجتماعية والثقافية..) لتتمكن من استيفاء شروط جدولة الديون الخارجية، وأداء مُستحقاتها السنوية في مواعيدها المُحددة سلفا، ومعلوم أن تلك المرحلة تزامنت مع سنوات جفاف.. مُقابل ذلك، كانت إمارات ودويلات ومشيخات الخليج، تعرف سنوات طفرة العائدات النفطية، عقب انقشاع أزمة وقف إمداداتها النفطية للعالم الغربي، احتجاجا على حرب أكتوبر 1967، وما تلاها من تعديات إسرائيلية في فلسطين.. وعندما نقول أزمة ضخ للبترول نعني بالضرورة أن ثمنه ارتفع في الأسواق، وهو ما ذر ملايير الدولارات على بلدان القحط الذهني والوفرة النفطية، ليست لذيها سياسات تحديث حقيقية، بل فقط طموحات تعمير وإشباع الملذات، ولأن مدينة بيروت كانت حينها غارقة في حربها الطائفية المُدمرة (بدءا من سنة 1975) فإنها لم تعد « كعبة » المتعة الحسية التي ارتمى عليها الكبت الخليجي.. وبالتالي كان لا بد من البحث عن « كعبة » أخرى حيث الأمان والإستقرار ولو قُدَّا من كذب براق.. فكان أن يمم الكبت الخليجي البدائي، المُعمم بالدولار، وِجهة أقصى جهة الغرب، ليحط في مدينة الدارالبيضاء.. اتخذ الأمر في البداية طابعا « استكشافيا » وللمفاجأة « السعيدة » للغزاة الخليجيين (السعوديون أساسا) فقد وجدوا ترحيبا « متحمسا » من أعلى المُستويات، كيف؟ ما زالت ذاكرة الصحافة المغربية، تحتفظ بأرشيف المقالات العدائية، المنشورة بالتحديد في صحافة أحزاب المعارضة (الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية..) المُنددة بالهجمة الخليجية على اللحم النسوي المغربي، من خلال أخبار وتحليلات عن الفضائح الجنسية في عين الذياب بالبيضاء، ثم في ساحل ملاباطا بطنجة.. وهو ما استدعى تدخلا من الحسن الثاني، تمثل في عملية تعريض قالها في إحدى خُطبه آنذاك، وورد فيها بالحرف: « لا كرامة مع الفقر » بمعنى: نحن نحتاج إلى المال ولا مجال للمزايدة بالأخلاق والعفة. وكان هناك وزير دولة قوي صاعد في مجال الداخلية هو إدريس البصري، الذي تكفل بفتح الإقتصاد والمجتمع المغربيين، على مصراعيهما للمعاملات الإقتصادية غير المُهيكلة، ودخول أموال تجارة الحشيش لسوق التداول المالي.. وبطبيعة الحال الإعتماد على ما تذره سيقان نساء وفتيات مغربيات مفتوحة للكبت الخليجي. إنه مغرب « جديد » كان قد ترعرع واشتد عوده، ليُحدد ملامح حاضر آنذاك، والمسقبل « المفتوح » لحد الآن. وبطبيعة الحال كان لذلك تأثيره على قيم المجتمع المغربي، حيث اتخذ « الفتح » الخليجي للجسد النسوي المغربي، كثافة وبالتالي « قبولا » أشبه بالفتح الاسلامي المسلح، وإذا كان هذا الأخير قد أتى على صهوتي الدين والسيف، فإن الثاني تمنطق بالكبت والدولار.. فكانت الطريق سالكة إلى الجسد المعني، ومنظومة القيم الإجتماعية التي نحت منحى استهلاكيا. واليوم فإنه لا يُنكر إلا جاحد أو مجنون، حجم مُساهمة « اقصاد الجنس » في النسيج الإقتصادي المغربي، لدرجة أن عشرات الآلاف من الأسر، ومركبات سياحية تُعتبر الأفخم من نوعها، لم يكن لتقوم حياتها و « ازدهارها » على أساس لولا ذلك « الغزو » الخليجي. اسألوا أرباب الفنادق والمطاعم والنوادي الليلية في البيضا ء وطنجة.. مثلا، من أين تأتي أهم مداخيلهم، التي تُمكنهم من دفع رشاوى كبيرة لجهات أمنية سرية وعلنية، دفع أجور عشرات المئات من العاملين لذيهم، والأهم من ذلك، مصادر حساباتهم البنكية المُنتفخة يوما على صدر يوم.. واسألوا أيضا موظفي الجمارك في مطارات مغربية تستقبل « مسافرات » من عيار « خاص » جدا، عن « الهدايا » التي يتوصلون بها منهن، اسألوا أيضا « المهنيون » اللذين يُتاجرون في بطاقات مِهن تمويهية من قبيل « فنانات » و « صحافيات » و « خادمات » و « طباخات » و « خبيرات ديكور ».. والأهم من هذا وذاك، عشرات الآلاف من الأسر التي « تقتات » من « عرق » أجساد بناتهن، المنتشرات في فنادق وحانات وقصور البذخ والإستمتاع الخليجيين.. اسألوا ذلك الشاب العشريني، الذي جمعتني به، ذات يوم من إحدى سنوات بداية الألفية الثالثة، مقصورة القطار بين البيضاء والرباط، وبمعيته أخت له حسناء، استقبلها بمطار محمد الخامس.. اسألوه لماذا قال ب « براءة » لأخته ذات النظرات المكدودة الأسيانة: « واش جبتي ليا ذاك البورطابل من سوق ذبي؟ ».. لحمنا النسوي الغض أصبح ماركة عالمية مُسجلة في كل بقاع العالم، حيث يوجد الدولار ورحلة جو تربطها بأرض مغرب الخصاص.. نساء الخليج كرهن نساءنا وفتياتنا، لدرجة تمنين لو فقأن أعينهن ووأدنهن، لأنهن يسرقن أزواجهن بلا رحمة (ثمة نساء سعوديات وإماراتيات، وجَّهن رسائل إلى وزير العدل المغربي يستفسرن عن تساهل القانون المغربي في « تزويج » أرباب أسرهن بنساء مغربيات دون اشتراط قبولهن).. هذه حقائق صارخة نعرفها جميعا، و »نتعايش » معها بحقارة ونذالة نادرين تقريبا.. حقائق من لحم نسوي غض وليس « كرتون » تلفزيوني..