من حق المغربي أن ينتقد الكويت التي سمحت لقناة الوطن ببث المسلسل الكارتوني أبو قتادة وأبونبيل. وسبب هذا الانتقاد وما خلفه من جدل ولغط هو أن هذا المسلسل يعرض لظواهر مشينة تنخر جسد المجتمع المغربي المتهالك من جراء الأعباء التي يرزح تحت وطأتها. لكني أطرح سؤالاً على أولئك الذين انتقدوا هذا المسلسل، أليس ما تم عرضه يعكس الواقع المغربي المريض؟ من ثم ان كان هذا المسلسل يعرض لجزء من الواقع المغربي، ألا يجب انتقاد سياسات النظام المغربي المسؤول عن الصورة السيئة للمغرب؟ ان هذا المسلسل يعرض للرشوة التي تبدأ بمجرد ما تطأ قدمك أرض مطار محمد الخامس الذي لا يشبه في شيء مطارات العالم المعروفة بجودة خدماتها وحسن استقبال موظفيها للمسافرين. ان النزول بمطار محمد الخامس يشبه النزول باحدى المقاطعة للحصول على وثيقة ادارية، حيث يتعين عليك تضييع ساعة تقريبا من أجل ختم جواز السفر ثم بعد ذلك المرور الى أصعب مرحلة، ألا وهي التقاط حقائبك والتوجه نحو الجمركي حتى يعبث بمحتوياتها بشكل مستفز ويطلب منك دفع رشى حتى يسرع من وتيرة عمله لتخليص كافة الاجراءات الادارية. أليس في هذا اساءة الى صورة المغرب من موظفيه الذين ليسوا في المستوى؟ دون الحديث عن سوء الخدمات والمطار الذي تغمر المياه بمجرد أول قطرة غيث أو يتحول الى سونا في فصل الصيف لأنه يفتقر للمكيفات. بهذا الخصوص كتب أحد الصحافيين الاستراليين عن معاناته بمطارات المغرب. وكان لهذه الرشوة دور فاعل في مساعدة العميل الجزائر في تقديم دعم لوجيستيكي لمنفذي تفجيرات أطلس في مراكش استناداً للحوار الذي خص به جريدة المساء. بالتالي لماذا التعامل بحساسية مفرطة مع ما جاء في هذا المسلسل الكارتوني ولماذا تٌصدر الحكومة المغربية مذكرة احتجاج قوية ضد الكويت بسبب مسلسل كارتوني ليس فيه أي تجني على المغرب؟ ولماذا لم تقم الحكومة المغربية بصياغة نفس المذكرة عندما قام بلجيكي بعرض غزواته الجنسية على الانترنت مع العشرات من النساء في أوضاع حاطة بالكرامة الانسانية؟ مشكلة المغرب أنه بلد أفلس على كافة المستويات ولم يعد ينتج أي شيء يدعو للفخر. أصبح جواز السفر المغربي بدون أي قيمة ويعرض حامله للذل والمهانة أمام أبواب كافة سفارات وقنصليات العالم وليس المتقدم فقط. لكن مسؤوليه لا يريدون الاعتراف باخفاق سياسيتهم وعدم الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبوه في حق هذا الوطن والتي تكلف المغاربة غالياً سواء معنوياً أو مادياً. القضية الثانية الواردة في هذا المسلسل هي أن المغرب أصبح وجهة للسياحة الجنسية، بحيث أصبح يحتل الرتبة الثانية بهذا الخصوص بعد التايلاند. وسبب هذا المشكل ليس هو الفتيات الفقيرات اللواتي يبذلن قصارى جهودهن للخروج من دوامة الفقر التي تطحنهن مع أسرهن بأي وسيلة كانت، انما هو السياسات الرسمية المتبعة والتي بموجبها تم فتح أبواب المغرب على مصراعيها أمام أمراءالخليج وتمكينهم من كافة التسهيلات لبناء قصور فخمة وفلل وتلكها بالكامل واحاطتهم بالحماية الكاملة لممارسة نشاطاتهم الداعرة وعدم تشجيع السياحة الثقافية والتعامل التفضيلي مع كل ما هو أجنبي. ان تلك الفتيات اللواتي يغادرن المغرب الى الخليج للعمل تحت يافطة فنانات يكسبن رزقهن بطريقتهن الخاصة طالما أنهن تُركن لحالهن بدون أدنى مستلزمات العيش الكريم. بالتالي ينطبق عليهن الفتيات المثل القائل " مكره أخاك لا بطل" أصبحت ظاهرة الدعارة في المغرب مخيفة ويزيد من انتشاره اتساع الهوة بين أغنياء المغرب الذين يستفيدون من كل التسهيلات والامتيازات لمراكمة ثروات طائلة وجيوش من الفقراء تجد صعوبة بالغة في تحصيل ما تسد به رمقها ومنهكة بفواتير الماء والكهرباء الملتهبة وأسعار مواد غذائية بلغت عنان السماء. كما أن السياسة الاعلامية التي تنتهجها الدولة تزيد الطينة بلة، فهي تروج لقيم غريبة عن المجتمع المغربي وتعالج مواضيع بعيدة عن الواقع المغربي. وزاد من استفحال الظاهرة غياب سياسة عادلة لتوزيع الثروات وانتشار الفساد والنهب في كافة القطاعات الحيوية وانعدام روح المواطنة وانتشار قيم الجشع والاغتناء السريع والانتهازية. ونظرا للأموال الطائلة التي تدرها تجارة الرقيق الأبيض، تشكلت شبكات أخطبوطية تضم سماسرة ووسطاء مهمتهم اصطياد فتيات مقبولات المظهر من أوساط فقيرة وتسفيرهن بموجب عقود عمل مزيفة على متن الخطوط الجوية الاماراتية والخليجية للعمل في الملاهي الليلية وفنادق الخمس نجوم في كل من دبي وعمان والمنامة وبيروت وتا أبيب وغيرها من المدن. آخر ما تطرق له هذا المسلسل الكارتوني هو الشعوذة التي وصلت رائحتها الى دولة الامارات، حيث أن المغربيات معروفات لدى الاماراتيات والخليجيات بشكل عام بسرقة رجالهن باعتماد طرق الشعوذة والسحر. من جانب آخر أكد لي زميل مصري أن المصريين يعتمدون على خدمات سحرة مغاربة لمساعدتهم في استخراج كنوز من مواقع أثرية مصرية. بالتالي أرى أنه ليس هناك ما يدعو الى انتقاد الكويت على بثها لهذا المسلسل، وانما يجب انتقاد السياسات المتبعة والمسؤولين عن وضعها وتنفيذها لأنها هي المسؤولة عن هذا الصورة السيئة التي أصبحت للمغرب في العالم، فبات يُنظر الى المغربي على أنه مشروع مهاجر سري وحتى ان استوفى الشروط المطلوبة للحصول على التأشيرة، يٌرفض طلبه بدعوى أنه قد لا يعود الى بلده. أما المغربية خاصة المتوجهة الى الخليج، فيُنظر اليها مع الأسف كعاهرة ولم تكن كذلك الى درجة أن سفارة السعودية اتخذت اجراءات بمنع منح تأشيرات للفتيات المرافقات لأقربهن المسافرين لأداء العمرة . كما اتخذت الاردن اجراءات بمنع الفتيات دون سن 35 من القدوم اليها وقيام العديد من دول الخليج بطرد مغربيات كن يمارسن الدعارة.كما ضبطت اسرائيل فتيات مغربيات يمارسن الدعارة وقامت بطردهن. هذا ان دل على شيء فانما يدل أن الأمر ليس مجرد حالات استثنائية كما يردد المسؤولون مغاربة ومنهم الرفيق والمعتقل السابق ورئيس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان الذي بلغت به الجرأة حد اتهام الصحافة بتهويل الموضوع وفاءً لسياسة الهروب الى الامام. ان اخفاق النظام المغربي في ايجاد حلول لمشاكل المغاربة المتفاقمة يعني في القاموس السياسي فشل السياسات المتبعة في هذا البلد الحزين، مما يستوجب على المسؤولين تحمل مسؤولياتهم امام الله والتاريخ والشعب. لكن وفي ظل غياب الارادة السياسية وطغيان الهاجس الأمني لدى الدولة في التعامل مع مواطنيها وعدم الواقعية في التعاطي مع مشاكلهم وانتهاج السياسات الترقيعية والعمل بسياسة كم حاجة قضيناها بتركها، ستصير صورة المغرب قاتمة وسينتزع المرتبة الأولى من التايلاند بالنسبة للسياحة الجنسية في القادم من السنوات مع ما سيرتب عن ذلك من نتائج كارثية ستنخر هيكل الدولة المغربية وتجعلها عرضة للسقوط بمجرد أول هبة ريح. مع ذلك نتمنى أن يتدارك المسؤولون الحقيقيون الوقت ويُسارع في ايجاد سبل عيش كريمة لمواطنيهم بعيداً عن الشعارات الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع مثل سياسية التنمية البشرية التي تُوزع مخصصاتها المالية بين المنتخبين وممثلي السلطة المركزية، بينما مستحقوها مازال يعانون البطالة والحرمان. منهم من حصل على الاجازة منذ سنة 1996 ولم يستفد من أي شيء ومنهم من قضى نحبه دون أن يشتغل ولو مرة في حياته ومنهم من ينتظر صبحاً جديداً رغم غياب كل مؤشر على حدوث أي تغيير فعلي. فرجاء انتقدوا من هم مسؤولون عن مأساتكم. ولكم واسع النظر.