يعتبر شريط الفيديو الذي يظهر فيه رئيس مجلس بلدية ميدلت وأحد معاونيه وهو يتلقى رشاوي مقابل منح رخصة لأحد المواطنين، فضيحة سياسية بكل المقاييس، لكنها ليست بالتأكيد الوحيدة. حيث ان هذه الممارسات باتت مألوفة في وسط يعتبر مرتعاً خصباً للفساد. ومن يتحمل مسؤولية هذا الانفلات هو النظام المغربي، بحيث أن هؤلاء المنتخبين وصلوا الى تلك المناصب عبر انتخابات جرت تحت أعين السلطات وبتزكية منها. وبالتالي هي من يتحمل المسؤولية أولا وأخيراً. ان أغلب رؤوساء مجالس البلديات والمقاطعات مرتشون وفاسدون وليس في قاموسهم شيء اسمه مصلحة البلد ولا أدنى شعور بالمسؤولية والسلطات تعلم ذلك من خلال انجازاتهم الباهرة. فهم بمجرد الفوز في الانتخابات، ينكبون على استرجاع الأموال التي صرفوه حتى وصلوا الى مناصب يعتبرونها تشريفاً قبل أن تكون مسؤولية لما ستدره من امتيازات وسلطات ستكون مفتاح تحقيق أكبر عائد مادي ومعنوي. في البلدان الديمقراطية الحقة، يُقدم شخص، ضُبط يتلقى رشاوي، استقالته فورا من منصبه ثم من حزبه ليتواري عن الأنظار بعد ذلك، لكن هذا الأمر لم يحدث في المغرب. والسبب هو أن هؤلاء المنتخبين يعتبرون أنفسهم فوق القانون. ومن ثم لا يأبهون بأي قانون وعوض خدمة المواطنين يبتزونهم وعوض انجاز مشاريع بالميزانيات المرصودة ينهبونها. ناهيك عن أن هؤلاء المنتخبين الفاسدين لا يخضعون لأي رقابة سواء كانت شعبية أو من جانب السلطات الوصية، مما يشجعهم على التصرف خارج كل القوانين والضوابط الجاري بها العمل. اذ كيف يُعقل أن هناك ميزانيات بالملايير لا أحد يعرف كيف صرفت أو بالأحرى كيف تبخرت. والنتيجة أننا نعيش في مدن مريفة تفتقر الى أبسط المرافق الضرورية للحياة هذا دون الحديث عن البنيات التحتية المهترئة والتي تبدو للمتابع للشأن المغربي كأنها تعرضت لقصف جوي الى درجة أن الشركات العالمية للانتاج السنيمائي تتهافت على المغرب لتصوير أفلام كان مفترض أن تُصور في الصومال أو العراق لكن لتشابه المناظر والمشاهد، تُفضل المغرب. وكيف يُعقل أن تنهار أو تُغمر بمياه الأمطار منشآت مباشرة بعد تدشينها من طرف الملك وتكون قد كلفت مبالغ بالملايير. كما تتحمل الأحزاب السياسية نصيباً كبيراً من المسؤولية في هذا الفساد باعتبارها مسؤولة أدبياً وأخلاقياً عن الأشخاص الذين ترشحهم للانتخابات. لكنها في الواقع ترفض تحمل مسؤوليتها لأنها بنفسها غارقة في الفساد حتى الأذنين. بالتالي تقف عاجزة عن فعل أي شيء. وعدم تحملها للمسؤولية يعني أنها غير مسؤولة ومرتشية وعديمة الفائدة وغير مؤهلة لتمثيل الشعب.وبالتالي يجب عليها حل نفسها. النقطة الأخيرة فيما يخص هؤلاء المنتخبين، لكونهم من نفس الطينة وشعارهم اسرق اسرق فقط لا غير، أنهم أميون. فأغلبهم لا يجيد القراء ولا الكتابة وبالتالي كيف سيتسنى لبلد أن يتقدم ويزدهر ومنتخبيه في مواقع المسؤولية أميين. رغم ذلك لم تسلم حتى المؤسسات التي كان يديروها خريجو المدرسة الوطنية للقناطر والطرق من الافلاس بسبب الفساد وسوء الخدمات التي تقدمها الى زبنائها. من المستحيل أن يتقدم المغرب في ظل كذا وضع ومكانه الطبيعي هو تلك الرتب الأخيرة في كافة المجالات. وللتأكد من هذا المعطى، يكفي القاء نظرة على تقارير المنظمات الدولية الصادرة بهذا الخصوص. هذه مجرد فضيحة بسيطة تسنى تصويرها وما خفي كان أعظم. يجب ايقاف هؤلاء الفاسدين فورا لانهم يرتكبون جرائم يومية في حق الوطن والشعب والملك والمتضرر من كل هذا هو سمعة البلد. أما آن الأوان للتدخل لانقاذ ما يمكن انقاذه وتنزيل أقصى العقوبات في حق هؤلاء الخونة الذين ساهموا بشكل كبير في تخلف المغرب ودفعوا آلاف المغاربة لركوب قوارب الحياة بحثاً عن أفق سليم. معروف أن العملة الردئية تطرد الجيدة من السوق وبالتالي وجب على الملك التدخل لوقف هذا النزيف قبل فوات الأوان. سيأتي وقت، ان لم تتغير فيه الظروف، سيُشكل لصوص المال العام والفاسدون خطراً جدياً على النظام لأنهم هم من سيبقى على الساحة. ومع كل سرقة تُفتح شهيتهم على المزيد الى أن يصلوا الى قصور الملك، سرقة قصر مراكش بتاريخ 10 دجنبر 2005 على سبيل المثال لا الحصر. وفي ذلك آية لأولي الألباب. يحب على السلطات المركزية التعامل بصرامة مع كل اشكال الفساد المستشرية في كافة المؤسسات والمرافق العمومية من شمال المغرب الى جنوبه ومن شرقها الى غربه وتدارك ما فات من الوقت حتى لا يُشكل لصوص المال العام دولة داخل الدولة. وليحيا العدل الذي هو الأساس الصلب للملك وليُعدم الفاسدون ومن معهم.