لعل كل متأمل لقضية قتل الطبيب الطلباوي بمدينة لفقيه بنصالح، يرى كيف أن ذلك الشاب "حسن" قد عمد إلى قتل الطبيب لأنه شهد بعذرية زوجته وهوالأمر الذي لم يشأ القاتل تصديقه واعتبر الطبيب متواطئا على "الغش". إذن ما من شيء كان كفيلا بإقناع "حسن" بأن زوجته لم يلمسها أحد قبله، ولربما لأنه لم ير دم العذرية المقدس الذي هو البرهان الساطع والدليل الأكيد على العفة والشرف. إذن لا تزال “العذرية المقدسة” مرضا يعشش في نفوس وعقول الشبان والرجال، ويؤرق ويرعب الفتيات. لماذا؟ لأن هذا الغشاء الرقيق السخيف الذي لا يختلف عن أي قطعة جلد أخرى في جسد الفتاة، هو مركز شرف العائلة والقبيلة كلها! هو الشرف الرفيع، وهو دليل الطهارة والعفة! يعرف غشاء البكارة علميا بأنه طبقة جلدية تسد بشكل جزئي فتحة المهبل عند الفتاة. فهل تستحق هذه القطعة الجلدية، أن تحدد مصير فتاة وحياتها الجنسية ومستقبلها ووجودها، في وقت تولد نسبة غير صغيرة من الفتيات، من دون هذا الغشاء أصلا؟ في مجتمعنا، للأسف نعم. عذرية الفتاة هي التي تحرس شرف الرجال والعائلة، وتصون العرض والمستقبل، لدرجة أن عائلات كثيرة من دول عربية وإسلامية تشترط خروج العريس ومعه دليل عذرية الفتاة في هذه الليلة قبل أن تكتمل الاحتفالات بالزفاف. في العديد من المدن المغربية، لا تزال الفتيات المقبلات على الزواج يخضعن لاختبار فحص العذرية، عن طريق "القابلات" في طقوس مهينة، أو لجوءا إلى طبيبات عادة ما يستهجن هذا الإجراء لكنهن مجبرات على توقيع شهادة العذرية لفتاة يعتريها الفزع مهما كانت متأكدة من عفتها. لكن السؤال المحير: ما الداعي لفعل ذلك؟ وهل يمكن أن تقوم علاقة زوجية على الشك في سلوك الزوجة لدرجة إخضاعها لهذا الاختبار؟!.. إن الشك لو وصل إلى ذلك فإن عدم قيام العلاقة الزوجية من أساسه أولى وأفضل لجميع الأطراف. بعض المجتمعات العربية تسمح عمليا ببعض الممارسات الجنسية بشكل ضمني، كان تسمح للفتاة أن تمارس الجنس بمختلف الأشكال والأنواع شريطة ألا يحدث الإيلاج في الفرج، يسمح لها مثلا أن تمارس الجنس الفمي أو الشرجي أو السطحي... والفتاة هنا تظل عذراء في عرف المجتمع، أي محافظة على غشاء العذرية رغم أنها مفتضة في جميع "فتحاتها" الأخرى، في ما يمكن وصفه بالنفاق الاجتماعي البليد. رغم أن القوانين والقيم المنظمة للجنس لم تبرح مكانها بعد، إلا أنا نرى أن المجتمع في طور الانتقال الجنسي سلوكيا، حيث أن الكثير من الفتيات يفقدن بكارتهن بشكل إرادي ولا يشعرن بالذنب، ونلاحظ هذا خصوصا عند الفئة المثقفة ذات المنصب الاجتماعي، حيث أن "سعرها" في سوق الزواج ترفعه أسهم واعتبارات لن تكون البكارة بجانبها سوى "خضرة فوق طعام". أما في الأوساط الشعبية فتعتبر الفتاة أن "رأسمالها" الوحيد هو عذريتها، فتسعى للحفاظ عليها بجميع الأشكال، مضطرة أحيانا لرتقها حتى وإن فقدتها قسرا، مما ينعش حركية العيادات الخاصة التي لا تتوانى في تقديم "العون" لهؤلاء. مفهوم الشرف لا تختزله جليدة هشة ونقط دم حمراء تسيل ابتهاجا بالفاتح الأول، فكم من عذارى أبكار أثلجن صدر العريس والأهل و "حمرن الشاشية" ببكارة مرتقة أو ببكارة حقيقية لكن بمؤخرة غزاها مئات الفاتحين. وكم من عفيفات بريئات لقين نحبهن أو شهر بهن، والتهمة "شاشية بيضاء" لم تشفع معها لا خبرة طبية ولا شهادة بحسن الخلق.