تداولت في الآونة الأخيرة مصادر إعلامية مختلفة، أخبارا عن مفاوضات لتقديم ملف مشترك بين الجزائر والمغرب من أجل تنظيم مونديال 2026، وتناقضت الأنباء بين معارض وموافق، وتوالت التصريحات الرسمية، لتنفي ما روج عن هذا العرس العالمي. الرجل الأول في الإتحادية الجزائرية محمد روراوة الذي وردت التصريحات منسوبة إليه، نفى كل ما تناقلته الصحافة في كل أصقاع الدنيا، وهو الأمر نفسه الذي نفاه جملة وتفصيلا وزير الشباب والرياضة المغربي، منصف بلخياط. وقد تعجبت من المسارعة بالتكذيب والنفي القاطع والتصريحات الساخنة المكتوبة بالبنط العريض على الصفحات الرئيسية وعناوين الأخبار، وكأنّ العملية هي جريمة لا تغتفر، أو أن الأمر سيكون تحالف ما بين دولة عربية والكيان العبري، أو هو تحالف ما بين الشياطين والملائكة. من جهة أخرى هللت للخبر بعض المنابر، بناء على تصريحات رئيس الإتحادية الدولية لكرة القدم جوزيف بلاتير، من أن المونديال سيعود مرة أخرى لإفريقيا في 2026. على كل حال ليس المجال لمناقشة تصريحات هذا وذاك، أو البحث في أغوار التناقضات المختلفة، ولا نحن بصدد محاكمة نوايا الذين نشروا الخبر، ولا يمكن أيضا أن نزعم كما فعل البعض أنه يوجد من صرّح بذلك، ولكن تدخلت جهات أعلى منه سلطة ونفوذا ودفعته للتراجع على مضض. لقد تألمت كثيرا وأنا أتابع ما كتب عن القضية في وسائل الإعلام المختلفة، ومن البلدين الشقيقين. أقول الشقيقين بناء على قناعتي المطلقة التي لا يشوبها أدنى شك، من أن الشعبين تربطهما أواصر أخوة عميقة، لم تفلح أبواق المخزن ولا العسكر في زرع الفتنة وشق الصف، بل توطدت مع مرور الأيام، ومع تأكيد الواقع على أن المشاريع المسوقة كلها مشبوهة، وتأتي على حساب قيم الجوار والأخوة والتاريخ الواحد الذي يربط المغاربة بالجزائريين، والعكس صحيح. فعندما أقرأ ما ينشر في الشبكة العنكبوتية من تعاليق أو مقالات أو حتى مشاركات في المنتديات المختلفة، والتي كانت كلها تصب في تأجيج روح العداء بين البلدين، أدرك أن القضية أبعد من خلاف عابر، بل أنها تقف وراءها جهات بلا شك هي من داخل البلدين تستثمر في هذا الخلاف لحسابات عسكرية واقتصادية وجغرافية، ولكن لها أيضا امتدادات خارجية، لدى أطراف تراهن على عدم استقرار الوضع في الشمال الإفريقي، وبالتحديد في المغرب الكبير، سواء عن طريق إذكاء الفتنة بمختلف الصور والمشاهد، أو بواسطة الإبقاء على الغموض والتعقيد في حلّ نزاع الصحراء، الذي أراه يتجه نحو المجهول في ظل تزمت كل الأطراف، ونفاق المجتمع الدولي الذي ينقسم ويتلاعب بالأدوار وفق رؤية نسجت خيوطها في زوايا مظلمة من دوائر الأجهزة السرية المعروفة. سؤال مهم طرحه عليّ أحد المغاربة في باريس، ونحن نتبادل الحديث عن قضية تنظيم مونديال مشترك بين الجزائر والمغرب في 2026، والذي بلا أدنى شك، سيعود بالفائدة على الجميع إن تحقق هذا الحلم البعيد المنال، من الناحية الإقتصادية والأمنية والرياضية والسياسية. قال صاحبي: ماهو الجرم الذي سيحدث في تحالف الجزائر والمغرب لتنظيم العرس العالمي الكروي؟!! أما جزائري آخر من برلين، فقد طرح سؤالا يتماشى وعمق رؤيته، قال بتألم وحسرة: ما جريمة الشعب الجزائري أو المغربي حتى يحرمان من تنظيم المونديال؟!! أما متابع للشأن وهو من دولة قطر، فقد تساءل بدوره: ماهو جرم الكرة حتى تدخل في متاهات السياسة وخلافات الأنظمة الحاكمة؟!! على كل لو نسترسل في إعطاء بعض التصورات لهذه الأسئلة المطروحة، بناء على واقع العلاقات السياسية بين النظامين في المغرب الكبير، ولو ذهبنا نستقصي أبعاد السياسة في كرة القدم، ما كفتنا المجلدات. ولكن يمكن التأكيد على أن واقع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر ليست على ما يرام إطلاقا، وفي كل المجالات الرسمية، ولا هي جيدة وطيبة وعميقة وعادية كما يتبجح حكامنا. وطبعا هذا لا يناقض ما قلته من قبل حول الأخوة الضاربة في العمق التي تطبع التواصل بين الشعبين، فالفرق شاسع بين الحكام والشعوب في كل هذه الأمور. حتى الأطراف التي رمت بحجر مونديال 2026 في مستنقع العلاقات المضطربة ما بين الدولتين الجارتين، ليست لهم نوايا حسنة بالمرّة، ولا هم أرادوا الخير لشعوب المنطقة المغاربية، التي تعاني من ويلات الإرهاب والفقر والهجرة غير الشرعية نحو الضفة الأخرى. وزادها نزاع الصحراء الغربية تعكيرا، ولا يمكن أبدا أن يلاحق الصفاء أبدا إلا في حال العودة للشعوب كي تقول كلمتها، أو تستيقظ حكوماتنا من سباتها العميق والمشبوه بالعمالة، وتتحرك بجدية لحل هذا النزاع القائم، وفق رؤية تخدم المنطقة كلها، في ظل تحديات مختلفة وقادمة في الأفق، سيكون وبالها خطيرا على من لا يحسنون صناعة جدار فولاذي يتسم بالقوة الموحدة والمشتركة. سأكون سعيدا لو تنجح الجزائر والمغرب في تنظيم عرس الكرة العالمي، فقد إستطاعت الفرق الوطنية أن توحّد الشعوب وتوقظ الوطنية في النفوس، في حين عجزت الأحزاب السياسية في تعبئة الرأي العام نحو أفق ممزوج بالأمل، وفشل السياسيون حيث وفّق وبإمتياز نجوم الكرة المستديرة. فلعلنا نرى الخير يأتي على بوابة "الفيفا" لعودة الدفء والإستقرار في المنطقة المغاربية، حيث عجزت الأممالمتحدة والمجتمع الدولي، برغم شعاراته الدافئة والرنانة. ليس جرما أن تسعى الجزائر والمغرب من أجل هذا، خاصة أن المغرب قدم من قبل عدة ترشيحات وأخفق فيها، والجزائر بدورها تراهن على الإستقرار بعد خروجها من حرب دموية وإرهاب أعمى. وليس جرما أن تسعى دول المنطقة كلها نحو ما يخدم وحدة الشعوب، التي تتطلع لغد أفضل، وتتشبث بكل ما يخدم إستقرارها وأمنها وإقتصادها، وليس نحو ما يزيد في إيلام الشرخ، ويعمّق أسباب التفتيت والنزعات الإنفصالية التي تنام تحتنا كبراكين ستنفجر حتما، في ظل هذا الإقصاء المتعمد لإرادة الشعوب في تقرير مصيرها. للحديث تشعبات وخفايا وظلال كثيرة، ولا يمكن حصرها في هذا المقال العابر، ولكن يبقى التأكيد على أن الجريمة الحقيقية التي لا تزال تقترف في حق البلدين والمنطقة كلها، هو الإصرار على تعميق الخلاف ولو في مواضيع هي في الأصل مجرد أحلام عابرة، لأنه على سبيل المثال، لا يمكن أبدا أن تقبل "الفيفا" بتنظيم المونديال في شمال إفريقيا على الأقل في هذا القرن، في ظل ما يسوقون له من تنامي الإرهاب في الساحل والصحراء، وتحت نشوة الرغبات الملحة لهم من أجل السيطرة على ثروات المنطقة وفق منظور أمني بحت يتقنه المحافظون الجدد، ومن يتصوفون بدينهم ويتسربلون ببذلاتهم... الموضوع للمتابعة. المقال القادم: ماذا بعد حكومة فرحات مهنّي المؤقتة في باريس؟ (19/07/2010).