حذر عشرات الخبراء الأفارقة والغربيون في ندوة دولية احتضنتها مدينة طنجة (شمال المغرب) من تزايد المخاطر الأمنية بسبب ظواهر تهريب المخدرات والأسلحة والبشر والأموال في منطقة الصحراء الإفريقية الكبرى ، لاسيما بعد أن أكدت عدة مصادر أمنية غربية أن نحو ثلاثة أرباع المخدرات المروجة في أوربا تسربت إليها من شمال إفريقيا . وقدم الخبراء المغاربيون والأفارقة والغربيون ، خلال الندوة التي عقدت بداية الأسبوع الحالي حول موضوع " التحديات الأمنية العابرة للقارات في المنطقة المغاربية ومنطقتي الساحل والصحراء الإفريقيتين " ، أرقاما مثيرة للقلق وذكروا بأن كمية الكوكايين المهربة من أميركا اللاتينية إلى أوروبا عبر إفريقيا الغربية والمنطقة المغاربية تجاوزت 375 طنا ، ثلاثة أرباعها تعبر منطقتي الساحل والصحراء والمغرب العربي . واعتبر المشاركون في الندوة ، وضمنهم ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فرنسا وأميركا والهند ونحو 40 بلدا إفريقيا، أن الصبغة العالمية لظواهر التهريب والاتجار في البشر تستوجب إستراتيجية دولية أمنية وسياسية شاملة وتحركا عابرا للقارات يتجاوز ردود الفعل الجزئية والظرفية الخاصة بكل بلد، ولوحظ خلال الندوة أن الدول المغاربية تفتقد بدورها إلى إستراتيجية موحدة في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة . تداخل الجماعات " الإرهابية " مع شبكات التهريب وقال عدد من الوزراء والخبراء وممثلي المؤسسات العسكرية والأمنية المشاركين في ندوة طنجة التي نظمتها الفيدرالية الإفريقية للدراسات الإستراتيجية(مقرها الرباط)، إن " صناع القرار السياسي والأمني والاقتصادي في المنطقة التي تشمل أكثر من 9 ملايين كيلومترا مربعا من المساحة وحدودا يفوق طولها الستة آلاف كيلومترا، أن دول الشمال الغنية والدول الإفريقية والأميركية اللاتينية مطالبة باعتماد إستراتيجية تحرك شاملة " لرفع التحديات الأمنية الخطيرة التي تواجه دول المنطقة وشعوبها بأسرع وقت" ، على حد تعبير الأدميرال الفرنسي المتقاعد والخبير الاستراتيجي في الشؤون المغاربية والأوربية جون فرانسوا كوستيار. واعتبر الخبير المغربي في القانون الدولي المختار لماني أن "على رأس تلك التحديات استفحال ظواهر الاتجار غير المشروع في المخدرات والأسلحة والبشر وتهريب كميات هائلة من ثروات المنطقة نحو أوروبا والدول الغربية من قبل عصابات تبييض الأموال والتنظيمات السلفية المتشددة ومن بينها تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي " والجماعات المسلحة القريبة منه ". وحذر الخبراء من ظاهرة " دخول بعض التنظيمات المسلحة على الخط، ومن بينها الجماعات المسلحة القريبة من تنظيم القاعدة وخاصة " تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" الذي قدر بعض الخبراء عدد عناصره بنحو 3600 عنصر بشكل أساسي في صحاري جنوبالجزائر ومالي وموريتانيا، ويتنقل قسم منهم متخفين في أشكال وملامح صحراويين رحل وقبائل " طوارق "، حسب ما جاء على لسان الخبير الموريتاني في شؤون الإرهاب ، ضياء محمد. وفي هذا الصدد برزت اختلافات في تقييم خطورة هذا التنظيم ففي الوقت الذي قلل فيه خبراء من تونس وليبيا والمغرب من " خطر التنظيمات المسلحة ومن بينها " القاعدة " - واعتبروا دورها " في المنطقة المغاربية هامشيا و محدود جدا " مثلما ورد على لسان الخبير الليبي مصطفى الفيتوري بأكاديمية الدراسات العليا في طرابلس، بينما ساند عدد من المشاركين السينغاليين والنيجيريين والغربيين وجهة النظر الجزائرية التي لا تزال تعتبر أن من أخطر التحديات التي تواجه المنطقة، التنظيمات المسلحة القريبة من " القاعدة " والجماعات الإرهابية المنتسبة إلى الدين الإسلامي وبينها تنظيمات استصدرت فتاوى تبيح ترويج المخدرات وتبييض الأموال واستخدامها لتمويل عملياتها ومن بينها شراء الأسلحة وتهريبها ودعم بنيتها الأساسية . خلافات مغاربية حول الأولويات الأمنية وبرز ضمن مناقشات الخبراء في ندوة طنجة، نوع من الإجماع حول جدية التقارير الأمنية الإفريقية والعربية والدولية حول تورط " القاعدة في المغرب الإسلامي" وبعض المجموعات المسلحة والإرهابية مع عصابات تهريب المخدرات من أميركا اللاتينية غربا وأفغانستان شرقا إلى إفريقيا ومنها إلى أوروبا، لكن الخبراء لاحظوا وجود تباين في أولويات بعض العواصم الإفريقية والمغاربية . ويثير هذا الملف منذ فترة خلافات جزائرية مغربية وخصوصا حول الإستراتيجية التي يتعين اعتمادها لمواجهة التحديات الأمنية، فقد أبدى المغرب حرصا على تطوير التنسيق الأمني "مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية بما فيها أوروبا وأمريكا " لمحاصرة عصابات تهريب المخدرات والسلاح والبشر والأموال، لكن الجزائر تتمسك ب" أولويات أمنية وطنية " وترشح نفسها للعب دور إقليمي بالتنسيق مع دول الجوار الإفريقي " بحكم الإشعاع الدبلوماسي المميز للجزائر في إفريقيا وخاصة في منطقة الساحل والصحراء" كما يقول مسؤولون جزائريون. وقد تأكد الخلاف خلال الاجتماع الذي استضافته الجزائر في شهر مارس الماضي لمناقشة هذه الملفات الأمنية بحضور سبعة وزراء خارجية مغاربيين ومن منطقة الساحل والصحراء، لم يدع له المغرب واعتذرت تونس عن حضوره في سياق خيارها " التزام الحياد في الخلافات الجزائرية والمغربية " كما يقول مسؤولون تونسيون إن بلادهم "غير معنية مباشرة حاليا بمعضلة المجموعات الإرهابية المسلحة وتنظيم " القاعدة " بحكم حسمها الأمني لهذه المعضلة مبكرا منذ بداية التسعينات ". تجفيف مصادر التمويل ومن بين التوصيات العملية التي قدمها عدد من الخبراء لمواجهة المخاطر الأمنية المتزايدة على القارتين الأوروبية والإفريقية ، ومن بينهم الفرنسي جون فروانسوا كوستيار " تجفيف المنابع المالية لعصابات المخدرات وتجارة السلاح والجماعات الإرهابية " كما اقترح " دعم المؤسسات الأمنية في الدول الإفريقية التي تشكو ضعفا واضحا في إمكانياتها وفي قدراتها البشرية بما يهدد وجود تلك الدول وحكوماتها التي ازداد نفوذها تهميشا أمام مجموعات الضغط المالية العالمية والإقليمية الجديدة ومن بينها عصابات تهريب المخدرات والأسلحة وتبييض الأموال " . ومن بين المقترحات التي طرحت خلال الندوة، مطالبة الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأميركية وكل الدول التي لديها علاقة بملف تهريب المخدرات والأسلحة وتبييض الأموال، التدخل بحزم لمكافحة هذه الظواهر بالتنسيق مع الدول الإفريقية والمغاربية مثلما تحركت بقوة لمكافحة ظاهرة الإرهاب والمجموعات المسلحة والتنظيمات القريبة من تنظيم القاعدة. وأبدى المشاركون في ندوة طنجة اتفاقا حول "ضرورة تطوير التنسيق الأفقي والعمودي ثنائيا وجماعيا بين الدول المغاربية ودول الساحل والصحراء من جهة وفيما بينها ودول الشمال الأوروبي من جهة ثانية " ، رغم بروز خلافات يفسرها غالبا المراقبون بالأجندات السياسية الخاصة بعدد من العواصم المغاربية والإفريقية والغربية .