...التقت عينانا، فلم أقو على رفع عيني الى عينيها ثانية،فجعلت أتسلى بمداعبة ولاعتي حينا، و برشف القهوة حينا آخر، و لم أسطع البقاء على تلك الحال طويلا....ضايقني المر كثيرا حتى خلت نفسي في زنزانة انفرادية...كانت هي الأخرى لمحة من حين لآخر كما كانت تخشى أن تتعانق عينانا، وتتسلى بمداعبة زجاجة المشروب الغازي.... أخرجت سجارة من علبتي، و أضرمت فيها النار و نفثت الدخان حلقات.. حلقات في الهواء المريض للمقهى، تسكعت بعيني في زوايا المقهى و كأني أراه للمرة الأولى....خيوط العنكبوت تصل سقف المقهى بأرضها....كراسي مكومة في زاوية ... أعقاب السجائر و اللفافات تزين أرض المقهى مشكلة لوحة يعجز أمهر الرسامين عن تشكيلها.... أمعقول أن تكون هي؟ أهذه التي أمامي هي شيماء التي عرفتها منذ أعوام.... الأنف الرمحي و الوجه المدور و الشعر الأجعد ...لا أخطئ هدفي ...إنها هي و لا شك ... شيماء..سأقطع كل الشكوك ... سأسألها عن أصدقائنا القدامى... لكن كيف أبدأ الحذيث؟ ماذا أقول لها في البدأ؟....سأطلب منها منديلا ورقيا و... لا بل سأطلب منها قلما... نعم سأتظاهر بأني نسيت قلمي و أطلب منها قلما.... سأعرفها من صوتها الجهور... نعم صوتها.... إني أعرف صوتها أكثر مما أعرف ملامحها... ستذكرني... وربما هي الآن مترددة... ربما تذكرتني...ربما . سأدعوها للمبيت معي الليلة ... سأدعوها إلى منزلي المتواضع و أصارحها بحبي القديم ، وأحكي لها عن تعنتهاو احتقارها لي.... سأذكرها بأيام الغميضة و الحجلة ... ستضحك كثيرا... .. أحرقتني السجارة التي لم أدخنها، فانزعجت زاجا بها في منفضة السجائر... رفعت عيني فلم أجدها.. ضاعت ... الويل لي كيف خرجت دون أن أنتبه ؟... كيف لم أفطن لخروجها؟.. ناديت النادل : عمر .... عمر. و بخفة سنور أتاني سائلا إياي عما أريد: شاي .. قهوة .. أو أرني عرض كتفيك .. منذ جئت و أنت نائم أمقهى هذا أم فندق ؟ ما من مرة نصحتك بالإبتعاد عن ذاك المخدر، إنه من يسبب لك النوم و عندما تدخن تلك اللفافات اللعينة تصير أميرا وملكا .. تأمر حينا و تنهي حينا ... و .. قاطعته: لا شاي و لا قهوة .. أسألك عن السيدة التي كانت بالركن المقابل أين ذهبت؟ ضحك .... و انصرف يردد بصوت جهور، صاحبنا يسأل عن كانت بالمقهى و ارتجت جنبات المقهى بضحكات مجلجلة مقيتة .....