نظم المركز الثقافي الإعلامي للشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ، نهاية الأسبوع الماضي ، محاضرة في الذكرى الأربعينية لرحيل المفكر المغربي محمد عابد الجابري ، ألقاها د . كمال عبد اللطيف أستاذ الفلسفة السياسية والفكر العربي المعاصر في جامعة محمد الخامس في الرباط بحضور حبيب الصايغ المدير التنفيذي للمركز وبحضور نخبة من الأدباء والمفكرين . قدمت للأمسية الإعلامية الإماراتية بغداد أحمد التي عرّفت بالمحاضر د . عبد اللطيف . وقالت إنه عضو مؤسس للجمعية الفلسفية العربية سنة 1983 ، وعضو أسرة تحرير مجلة الوحدة في العام 1990 ، والمنسق العام للمجلس القومي للثقافة العربية عام 1995 ، وهو أستاذ مشرف على العديد من الأطروحات الجامعية في الفلسفة والفكر العربي المعاصر . وقال د . عبد اللطيف " إن ما مَنَحَ إنتاج الجابري الفكري الاعتبار الرمزي ، الذي ناله في المجال الثقافي العربي ، طيلة العقود الثلاثة المنصرمة من القرن الماضي ، هو كفاءته في صوغ سِجل من الأسئلة الموصولة بمجالات الصراع السياسي في فكرنا ، فقد تمكن الجابري بفضل تجربته في الحياة ونوعية حضوره في المشهد السياسي المغربي والعربي أن يُركّب جملة من المصنفات، ويبني صرحا فكريا لا نجازف عندما نعتبر أنه يعد واحدا من بين مجموعة قليلة من الصروح النظرية ، الفاعلة في قلب الحركة الفكرية العربية المعاصرة " . وأشار إلى إن أعمال الجابري ، تعد في كثير من أوجهها بمثابة الروح المعبرة عن أنماط من التوتر والتحول الحاصلة في الواقع العربي ، وما يعزز حكمنا السابق، هو نوعية انخراط محمد عابد الجابري في مجابهة إشكالات عصرنا ، فقد مَكنه انخراطه في البحث، المسنود باختيارات إيديولوجية وفلسفية معلنة وواضحة، من تحقيق نوع من الحضور الثقافي والسياسي المتميزين، ونحن نفهم هذه المسألة بكثير من الوضوح ، عندما نأخذ بعين الاعتبار مبدأ عدم إمكان فصل أعماله الفكرية عن ممارسته السياسية وسياسته الثقافية ، فقد أسهم التزامه بالعمل السياسي المباشر، كما أسهمت ممارسته الفكرية الموصولة أساساً بقضايا الصراع الإيديولوجي والسياسي في المغرب وفي الوطن العربي ، في عمليات بنائه لجملة من الاقتناعات الهادفة إلى تطوير المجتمع العربي . وقال الدكتور عبد اللطيف إننا عندما نراجع سيرة الجابري الثقافية ، ونحن نتابع عمليات إنتاجه المنتظِم للمصنفات التي تراكمت طيلة ما يزيد على أربعة عقود من الكتابة والبحث والتدريس ، ندرك أننا أمام جهد فكري لافت للنظر ، بكفاءته في التنظير والتركيب ، وبحرصه الشديد على العناية بمتغيرات الواقع في تحولها المتواصل ، إضافة إلى احتكام إنتاجه النظري إلى جملة من المبادئ والمقدمات العامة التي لا يمكن أن يفهم من دونها . وأشار إلى محورين كبيرين، محور اهتم فيه ببناء الجبهات التي خاض فيها الجابري معارك متعددة، وفيها تشكل مساره في الفكر وفي العمل وفي الحياة . وتوقف في محور ثان، أمام السمات الكبرى التي تحدد طبيعة إنتاجه وخصائصه العامة . وقال " يقف المتابع والمهتم بالمسار الفكري لمحمد عابد الجابري ، على جملة من العناصر الصانعة لخلفيات منتوجه النظري الفلسفي ، سواء في المجال الفلسفي أو في مجال قراءاته للتراث ، أو إنتاجه الذي بنى فيه مواقفه الوطنية والقومية وتصوراته لمشروع النهضة العربية " . ثم استعرض د . عبد اللطيف الجبهات التي صنعت المسار الفكري لمحمد عابد الجابري ، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق أولا بجبهة تدريس الفلسفة في المدرسة وفي الجامعة ، ثم جبهة التراث ، وهي جبهة خاضها وهو يبحث عن صيغة جديدة للمواءمة بين التراث وبين مقتضيات الحداثة والتحديث ، في زمن جديد اتسم بثورات عديدة في المعرفة والسياسة والتكنولوجيا، ثم ثالثا جبهة العمل السياسي ، وقد انخرط فيها يافعاً ، وظل حضوره المتفاعل مع مقتضياتها قائماً، حتى عند مغادرته للعمل السياسي المؤسسي ، بحكم أن مشروعه الفكري لم يكن مفصولاً عن عمله السياسي، وذلك من الزاوية التي ارتأى أن يمارس بها حضوره السياسي ، سواء في المستوى الوطني أو في المستوى القومي ، أو في المستويات الأخرى التي كان لا يتوقف عن إبداء الرأي فيها ، معتمدا البعد النقدي والرؤية التاريخية، أثناء مواجهته للإشكالات التي يطرحها فضاء العمل السياسي في عالم متغير . واستعرض الدكتور عبد اللطيف مواقف الجابري مع العمل السياسي في الدفاع عن الحرية والتحديث السياسي، حيث تكشف نصوصه التي نشرت في سلسلة الكتاب الشهري، الذي كان يطلق عليه اسم "مواقف " ، محاولته الساعية إلى رسم معالم الحياة السياسية المغربية، وقد أصدر خلال العقد الأول من الألفية الثالثة ما يزيد على سبعين عددا من هذه الكتب الصغيرة الحجم، والمستوعبة لمواقفه وآرائه ونصوصه القديمة والجديدة في الشأن السياسي المغربي، كما أن أطروحته في " نقد العقل العربي" تعد بدورها بمثابة جواب على انخراطه السياسي في العمل الفكري، الذي يسهم في إغناء الحياة السياسية والفكرية مغربيا وعربيا، ذلك أن خلاصات هذه الأطروحة في بعدها السياسي الحاضر بقوة في أجزائها الأربعة، تنخرط في مواجهة احتكار بعض التيارات السياسية للإسلام وتراثه، الأمر الذي يكشف أننا أمام مشروع فكري مجسد في أطروحة نقد العقل العربي، وهي أطروحة تسهم في بلورة مواقف من التيارات السياسية المعادية للُغة العقل والتاريخ والمصلحة في العمل السياسي . وتطرق المحاضر إلى سمات المشروع النقدي في خطاب الجابري،وقال يتسم المشروع الفكري لمحمد عابد الجابري أولا ، باقتناعه الراسخ بالوظيفة التاريخية للفكر والمفكر، ويتسم مشروعه ثانيا، باهتمامه بإشكالات التحول السياسي الوطني في المغرب، وإشكالات مشروع النهوض القومي في أبعاده الثقافية والسياسية، حيث تقدم أعماله مداخل قوية في مجال النظر إلى هذه الإشكالات . وفي ختام الأمسية دار حوار بين الحضور والمحاضر الدكتور عبد اللطيف في إطار ما تم عرضه أثناء المحاضرة، ثم كرم حبيب الصايغ الدكتور كمال عبد اللطيف .