صحوت من النوم علي كابوس مفزع , ملخصه إن النظام المصري قام بإلغاء حالة الطوارئ في مصر , و تخيلت نفسي امشي في البلاد و لا أخاف أن يسألني امين الشرطة او الضابط عن بطاقتي الشخصية أو أين أتجه , و انا أرد عليه بدون خوف و لا تردد ان يقبض علي اشتباه بانني إرهابي , وأبيت ليلتي عند حبيبينا الحلوين , و قد تستمر الليلة ليالي , و ذهبت في طريقي إلي المكتبة و اشتريت كتباً قضي بعض المواطنين المصريين في السجون عدة سنوات , فقط بسبب وجودها في منزلهم . و ذهبت الي ميدان التحرير ووجدت مظاهرة تنادي بتعديل الدستور , فاشتركت فيها , ووجدت فيها كثير من ما يسمون في مصر برموز المعارضة خاصة صاحب الميكرفون الشهير علي سلالم نقابة الصحفيين , العجيب ان الأمن لم يتدخل و قام فقط بتنظيم المرور من حولنا , و كان الشكل من حولنا يوحي لمشاهديه اننا في بلد غير مصر لكن أين ؟ الله اعلم . و بعد عدة خطوات وجدت مقر لأحد الأحزاب القانونية و يافطة كبيرة تعلن عن ندوة عنوانها " الخصخصة , و صفقة بيع مصر " و نظرت في ساعتي فوجدت التاريخ و الميعاد الآن فصعدت لأجد عدد لا باس به من الشباب حاضر , غير خائف من أي شيء ,رغم إن الكلام كان مخيف لأمثالي الذي تعود ان مثل هذا الكلام لا يقال الا في الجلسات المغلقة , و الكلام قد طال كل رؤؤس النظام و اتهامات بالرشوة و بتقاضي عمولات و غير ذلك الكثير لدرجة اني تصورت ان كل من تكلم سوف يبيت الليلة في ضيافة جابر بن حيان , و لكني تذكرت ان الطوارئ قد ألغيت , و في طريقي قرات بعض عناوين الصحف كان من ابرزها ان الجماعة المحظورة قد تقدمت بطلب الي لجنة الأحزاب لانشاء حزب رسمي , و بالخبر عدة أسماء عن الذين تقدموا بالطلب و لا يوجد بجانبه خبر القبض عليهم , فتعجبت و قرأت خبر بجانبه عن تحويل عدد من قادة جابر بن حيان الي المحكمة بتهمة الابقاء علي عدد من المواطنين داخل المعتقلات لمدد تزيد عن خمسة عشر عاما ً .فهتفت من داخلي الله اكبر. و عند وصولي الي شارع رمسيس و عند مكتب النائب العام وجدت تجمع رهيب من الناس و هاتفات و يافطات و نداءات , و تقريبا جميع صحف العالم و قنواته الفضائية موجودة , ماذا حدث ؟ انها شكوى مقدمة الي النائب العام بسبب ان ضابط شرطة صفع مواطن علي وجهه لأنه اثناء سيره بسيارته في الشارع شتمه الضابط لانه رفض ان ياخذه معه في سيارته لكي يقوم بتوصيله الي منزله بعد نهاية عمله . و للعلم هذا امر معتاد الحدوث في مصر , و قامت الدنيا و لم تقعد و استجواب في مجلس الشعب ضد وزير الداخلية , و دعوي مرفوعة في المحاكم , و طلب امام النائب العام للتحقيق في الواقعة . فتذكرت في نفسي كم صفعة دوي صوتها علي وجوه الشعب المصري , و كم من الأجساد تعرضت للتعذيب و كم امراءة انتهك شرفها , و قلت الحمد لله لقد انتهي هذا العصر . و في خبر ورد علي شاشة التلفزيون الرسمي انه تم الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين و لم يعد هناك معتقلون سياسيون في مصر , و تم العفو عن أي معارض سياسي . هذا كان ملخص سريع لكابوس أيقظتني منه زوجتي قائلة بسرعة استيقظ عشان البلد فيه مظاهرات عشان الطوارئ و الغلاء و الفساد .و عندئذ هتفت بأعلى صوتي يا مبارك استمر في فرض الطوارئ , فإن مجرد التفكير في الغاءها قد أصابني بكابوس , لماذا لأن النظام الحاكم قد نجح في جعل الاستثناء هو الاصل , و لذلك نتساءل كيف سنعيش ان كانت مصر بلا طوارىء؟ و قد يكون هناك سؤال يطرح نفسه أيضاً لماذا الاستمرار في هذه الحالة الاستثنائية , أقول لكم ان جيل الشباب في مصر و هو المولود في مطلع السبعينات و الثمانينات هذا الجيل لا يعرف له رئيس غير مبارك , و لم يحدث له ان عاش أي فترة من حياته من غير طوارئ و قد أصبحت الآن جزء من تركيبته الشخصية بمعني ان هذا الجيل قد أصبح القهر و الاستبداد هو الأصل عنده ام الحرية التي يتكلم عنها الغرب , فهو بدع مستوردة لا يجوز لشعب وادي النيل ان يأخذ من الغرب هذه الحرية . انني أطالب بالطوارئ حتى يتأكد ابني عندما يكبر اني دخولي المعتقل كان هو السير في الطريق الطبيعي لكل شباب مصر الذي يحاول ان يجد له مكان تحت شمس القاهرة إنني أطالب بالطوارئ لكي يستمر الفساد المنظم يجري في مجراه الذي يسير فيه من ثلاثون عاماً إنني أطالب باستمرارها لكي يظل لمصر رئيس واحد علي مدار عمر جيل بأكمله و استمرارها يعني ان يكون الابن هو الرئيس القادم إننا نطالب بالطوارئ لكي تستمر الحالة المسيطرة علي الدولة المصرية من حزب متفرد بالسلطة و شعب يعيش تحت فوهة البنادق و أبواب السجون , و لكي يستمر الحاكم و القاضي في لجنة الأحزاب هو الحزب الوطني , و توضع كل المعارضة في خانة التخوين و العمالة , ولكي يظل هذا الدستور الأعرج هو الحاكم في دولة تقول أجهزتها الأمنية " أنا الدولة " . إننا أطالب بالطوارئ لكي يصير الفقر و الجهل و البطالة هو اقل أمراضنا بسبب الاختلاسات المقننة و الفساد الحكومي المتستر عليه من قبل الدولة التي وصلت فيها عدد قضايا الفساد الحكومي إلي 70 ألف قضية . إنني أطالب بالطوارئ لكي تظل منظومة الفشل التي نعيش فيها منذ 81 و إلي الآن مستمرة , مادامت العقلية الأمنية هي التي تتحكم في البلاد و العباد . أنني أطالب باستمرار هذه الحالة المميتة بالنسبة لأي شعب يريد النهوض و العمل ليصطدم بقوانين جائرة , تم طبخها و طهيها داخل الغرف الأمنية . أنني أطالب بالطوارئ , لاني اعلم يقينا بان الحكومة تبحث الآن عن عمل أو تنظيم مفتعل لكي يكون هو جواز مرور فرض حالة الطوارئ مرة آخري و لا تكن الأخيرة .