بدأ نحو ستة آلاف يهودي الجمعة احتفالا دينيا بأقدم كنيس يهودي في إفريقيا وسط إجراءات أمنية مشددة في محيط المعبد وفي كامل جزيرة جربة الواقعة على بعد 600 كيلومتر من العاصمة تونس. وتقام احتفالات هذا العام بحضور كبير حاخامات فرنسا جيل بيرنهايم إضافة إلى أبراهام ليفي كبير خامات لندن وحاخامين من تل أبيب. وفي وقتٍ سابق هذا الشهر طالب الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض السلطات التونسية بحظر زيارة "الإسرائيليين" إلى كنيس الغريبة اليهودي بجربة احتجاجا على قرار إسرائيل ترحيل آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية. ولكن الحكومة التونسية تجاهلت طلب الحزب ووفرت حماية مشددة للزوار اليهود الذين جاؤوا من فرنسا وايطاليا وبريطانيا إضافة إلى نحو ألف زائر قدموا من إسرائيل. وزاد عدد الزوار الذين قدموا إلى جربة هذا العام مقارنة بسنوات ماضية بعد أن كان العدد يتراجع منذ عام 2002 حين تعرض مزار الغريبة لهجوم انتحاري بصهريج لغاز الطهي مما أدى إلى سقوط 21 قتيلا أغلبهم ألمان. وتبنى تنظيم القاعدة مسؤولية الهجوم الذي كان أول هجوم تنفذه القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 ضد الولاياتالمتحدة. وقال جيل بيرنهايم كبير حاخامات فرنسا " ما نراه في جربة هنا من انسجام كبير بين اليهود والمسلمين رسالة واضحة للجميع في العالم وفي الشرق الأوسط كي يعيشوا بسلام ". أما أبراهام ليفي كبير حاخامات لندن فقال إن الراحة التي يشعر بها يهود جربة وزوار كنيس الغريبة تنفي التصادم الحضاري. وبدأ الحجاج اليهود طقوسهم بإضاءة الشموع داخل المعبد وإقامة صلوات وأدعية والحصول على بركات الحاخامات بالمعبد كما نظم الزوار مزادات علنية بساحة المعبد يذهب ريعها إلى يهود. ولا يزال الكنيس يحظى بأهمية كبرى لدى اليهود لأنه احد أقدم المعابد اليهودية في العالم إذ يعود تاريخه إلى 2500 عام ويعتقد اليهود أن فيه أقدم نسخة للتوراة. وتؤكد مونيكا حايم التي تزور "الغريبة" برفقة أمها وصديقتها قادمة من باريس إيمانها أن أمانيها ستتحقق حين تصلي بالكنيس. وتقول بينما تكتب كلمات بالفرنسية على البيض أنها جاءت لتلتقي بيهود آخرين ولتصلي وتقدم أمانيها بالحب والسعادة والصحة والسلام أيضا في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم عموما. وأضافت أنها تصلي لتطلب الشفاء لابنتها التي ترقد في المستشفى. ويعتقد اليهود أنهم سينالون بركة الحاخامات حين يكتبون أمانيهم على البيض ويضعونه في قبو داخل الكنيس الذي يعج بزوار يتبادلون كؤوس "البوخة" وهي نوع تونسي من الخمور. وعبّر عشرات من اليهود عن إحساسهم بشعور استثنائي لأنهم يزورون واحدا من أقدس المعابد اليهودية في العالم. وقال رجل جاء من إسرائيل عبر تركيا انه يود أن يشكر تونس لأنها أتاحت له زيارة هذا المعبد ووفرت لهم كل أسباب الراحة والاستقبال الحار. اللافت للنظر أن الاحتفال شهد وجود عدد من المسلمين داخل الكنيس اليهودي. وقالت سامية وهي تونسية مسلمة أنها أصرت على أداء طقوس يهودية تعبيرا عن " رسالة واضحة للانفتاح وقبول الآخر ومشاركته أفراحه ". وقالت سارة وهي يهودية قادمة من إسرائيل مع زوجها أنها سعيدة بالعودة إلى تونس التي ولدت فيها قبل أن تهاجر إلى إسرائيل وعمرها 20 عاما. يذكر انه لم يتبق من حوالي 100 ألف يهودي كانوا يعيشون في البلاد منذ نصف قرن سوى نحو ألفين بعد أن هاجر أغلبهم لأوروبا والبعض الآخر لإسرائيل. ويعيش نحو نصف اليهود التونسيين في جزيرة جربة التي تضم 11 معبداً يهوديا. وتستمر احتفالات اليهود هذا العام ثلاثة أيام وسيحضرها أيضا وزير السياحة التونسي سليم التلاتلي في إشارة إلى أن بلاده متسامحة ومنفتحة على كل الأديان والحضارات.