دفنا الماضي هكذا قالها صاحب رواية الشيخوخة الظالمة منذ عقود فهل هو إفراط في التفاؤل أم سوء في التقدير في مغرب يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات والاختيارات ,مغرب اشبه بالبحر يبدو هادئ السطح لكن مضطرب العمق لا علينا للرجل تقديراته وتلك وجهة نظره لكن ما نتفق معه عليه مبدئيا هو ان الامر يتعلق بسؤال اكثر من اجابة وهذا السؤال يبدو اكثر ملحاحية اليوم من ذي قبل ,دفنا الماضي ام لم ندفنه ليست تلك هي المسألة في تقديرنا كما انه ليس في تقديرنا ان الامر يتعلق بجواب مغلق نعم ام لا ,فكثيرون في هذا الوطن دفنوا ماضيهم ما في ذلك شك ويشهد على ذلك الداني والقاصي وعليه فاثبات الدفن من غيره يرتبط ارتباطا وثيقا بمدى ذاك الماضي المقزز في عظيم من جوانبه وتمظهراته وامتداده في واقعنا الحالي من عدمه . كثيرون في هذا الوطن الرائع اعلنوا دفن ماضيهم التليد ,ماضي النضال,ماضي الدم والنار ,ماض كانت فيه الفكرة اعظم من الجسد واقدس من حق الحياة ,ولعنوا اليوم الذي تبنوا فيه قضايا الشعب وهمومه واعلنوا ارواحهم قربانا من اجل ان يعيش الشعب حرا عزيزا مكرما. كان ذلك بالامس وانحرف الكثيرون عن مسار الامس وفكرة الامس وكانها نزوة شيطانية او مس جنون وليست مبادئ نابعة من احساس بالمسؤولية في تحرير افراد شعب من قبضة المخزن واذنابه انحراف ليس لان المسار خاطئ بالضرورة .فانقلبوا رأس على عقب وزاغت المواقف عن طريقها مئات الدرجات الى اليمين وانتهى بهم الامر في مرقص المخزن ودفنوا هذا الماضي الزاخر دفنا ووصل ببعضهم حد تحاشي الخوض في الحديث عنه وكأنه خطأ جسيم او ذنب لا يغتفر مهما طال الزمن فالدفن فيما يبدو ثابت من حيث هذا الجانب ولا غبار عليه فصارت معه مطالب مجتمع ديمقراطي والعدالة الاجتماعية والحرية ....احلام ماضوية وافرازات لمراهقة سياسية سابقة وغير محسوبة العواقب كل المطالب عندهم اصبحت في عداد المدفونات لان اصحابها حملوا النقيض وانغمسوا في تطبيق اضداد مبادئهم ومطالبهم واقاويلهم وهذا ما استطاع مخزن اليوم والامس اتباثه للكثيرين . ان المخزن بفعلته النكراء الظاهرة في احتواء حراس الشعب القدامى واحصنته المنيعة وحماته وجنوده الأفذاذ او هكذا يبدو على الأقل وإقناعهم بسلخ جلدهم وتطهير عقولهم من- امراض الشعب – في مقابل ذلك ظل وفيا لجلبابه وصار سيد الساحة ورائدها بكل حرية واتبث مقولة لمناضل من مناضلين القدامى بان المخزن اخد كل شيء ولم يقدم اي شيء فهو الناهي الامربالامس واليوم رغم المساحيق والرتوشات الجديدة واذا كان بالامس يلقى مناهضة شرسة وندا قويا ما كان ينتظر احد ان ينحدر كثير من اركانه بهذا الشكل المخزي فانه اليوم يجعل من عدو الامس خادما مطيعا وعونا عظيما وحليفا كبيرا لتمرير وتثبيت ما ظل البارحة ظلما و حيفا ضد الشعب واستطاع ان يقيم الحجة امام الكثيرين على ان مناضلي الشعب كانوا على خطأ في اختياراتهم من ذي قبل وان عين الصواب في دكة المخزن مهما طال الزمن والا فلماذا استطاع استمالتهم بدل ان يكسروا شوكته ؟.. وأخدا بما سبق يتضح في ما لا يدع مجال للشك ان رجالات الامس –الا قليل – دفنوا ماضيهم واقلعوا عن شعارته واغتسلوا من رائحة الشعب وكل مايمت له بصلة واصطفوا في الضفة الاخرى وبذلك يكون صديقنا عبد الكريم غلاب قد اصاب في احد جوانب الدفن لكن ما لا يمكن ان نتفق عليه مع صديقنا هو ان الماضي لازال ساري المفعول في جزء كبير من جوانبه وتفاصيله ولا يتوانى في الظهور الواضح بين الفينة والاخرى فطي صفحة الماضي غير وارد والصفحة لازالت تزخر بالمئات من الوقائع والاحداث والشخوص وستظل الصفحة تحتضن مزيدا من الانتهاكات مادام المخزن لا يرغب في الاقلاع عن سلوكاته ومادامت اسباب العودة للماضي لم تنتف والانصاف لم يتم والمصالحة بعيدة المنال ومطلب الكلمة للشعب مازال في عداد المأمول وتقاسم السلطة قولا افلاطونيا والحرية منتهكة بشكل يكاد يكون يوميا والمبيقات الاجتماعية سائرة في النمو دون اكتراث والإقصاء والحرمان من سمات الحاضر ومادمت هذه هي أسباب النوازل في كثير من أحداث الماضي المأسوية والحزينة فان الماضي لم يراوح مكانه البتة والدفن لم يتم رغم السيل الجارف من الشعارات فالقمع متواصل والاختطاف متواصل والنهب مستمر ومعاناة الشعب مستمرة وتمسك المخزن بموقفه وحماية أركانه لازال قائما ورحم الله قائلا قال وصلنا الحكم ولم نحكم لكن للأسف إدراك ذلك كان متأخرا . ان الماضي لازال مستمرا بعنفه وزخمه وإرثه في أوردة هذا الوطن والعودة الى مآسي وأحزان الماضي ليس مستبعدا مادام المخزن لا يلغي أساليبه القديمة في التعامل ويظل يرجئها الى حين فقط .ومادام الانكباب على القطع مع إفرازاته غائبا .