إن علاقتنا _ نحن المسلمين _ بالعالم الآخر علاقة حتمية لا مفر منها بحكم تقدم وسائل المواصلات والاتصالات وتداخل النشاطات والفعاليات التجارية والإعلامية التي تجاوزت الحدود الجغرافية ولم يعد ممكنا لأي مجتمع من المجتمعات التقوقع والانعزال عن الآخرين . - فما هي طبيعة العلاقة التي تربط المسلمين بالحضارة الغربية ؟ -يختلط عند كثير من الناس مفهوم الحداثة الذي هو اقتباس ما لدى الغرب من تقدم علمي وتقني وإنجاز صناعي وتكنولوجي وبعض النظم السياسية والمالية والإدارية ، بمفهوم التغريب الذي هو اقتباس كل قيم وسلوك وعادات ونظم الغرب السياسية والمالية والإدارية حتى لو تناقضت مع مبادئ وقيم الدين وتعارضت مع العادات والتقاليد . و بناء على هذا الخلط في المفهومين ، ينقسم المسلمون من حيث علاقتهم بالحضارة الغربية إلى فريقين: الفريق الأول : العلمانيون الذين يطالبون بالتقليد الأعمى للحضارة الغربية حداثة وتغريبا وعزل الدين عن الحياة وحصره في المساجد دون تدخل رجال الدين أو الدين نفسه في الشأن العام... وإبقاء الدين مسالة شخصية يعود للفرد تقرير تفاصيلها بينه وبين خالقه أو عدم الإيمان بالخالق إذا شاء. وكان في طليعتهم أتباع كمال أتاتورك الذين بدلوا وغيروا كل شيء ليسايروا الغرب بكل ما فيه من انحلال أخلاقي وتفكك اسري حتى بلغ بهم الأمر تغيير الأحرف العربية بأحرف لاتينية ولكن لحسن الحظ أن هذا التيار آخذ بالتقهقر والتقلص في العالم الإسلامي بعد انطلاق الصحوة الإسلامية الفريق الثاني :وهم غالبية المسلمين الذين يسعون بجد للأخذ بالحداثة وتطويرها واقتباس بعض النظم السياسية والمالية والإدارية مما لا يتعارض مع المبادئ والقيم والأحكام الإسلامية مع المحافظة على الهوية والشخصية الإسلامية والالتزام بالمبادئ والتعاليم الإسلامية ورفض التغريب المتمثل في الانحلال الأخلاقي وما ينتج عنه من تفكك اسري وأطفال غير شرعيين وتعاطي الكحول والمخدرات والشذوذ الجنسي الذي وصل إلى الحضيض بالسماح دينيا ومدنيا بزواج المثليين. - نظرة المسلمين للغرب : ينظر أغلبية المسلمين إلى الغرب على أنه مصدر مشاكلهم والسبب الرئيسي لانقسامهم وتخلفهم والعقبة الرئيسية التي تحول دون اتحادهم وتقدمهم بالإضافة إلى انه مصدر العلمانية والانحلال الأخلاقي والإباحية التي تهدد الأخلاق والفضائل الإسلامية الحميدة وتماسك الأسرة و المجتمع . وإن كانت هذه النظرة تحمل في طياتها بعض المصداقية ، إلا أن تعميمها على الغرب _ مواطنين و حكاما _ يبقى أمرا غير صائب ، يراكم ثقافة الكراهية و العداء للآخر و يغلق باب التواصل البناء . رغم أن أنظمة الغرب تتحمل مسؤولية خلق المشاكل المزمنة في العالم الإسلامي مثل مشكلة فلسطين ، و ذلك بانحياز سافر للكيان الصهيوني ، و مشكلة العراق و تدميره و تشتيته ، و مشكلة أفغانستان و إيران ، و مشكلة كشمير بين الهند و باكستان ... إلى غيرها من المشاكل التي ساهمت إلى حد كبير في تفكيك المجتمع الإسلامي و نهب موارده ، و استنزاف خيراته . إلا أنه لا ينبغي النظر للغرب على انه كتلة واحدة متجانسة تعادي وتتآمر على الإسلام والمسلمين، بينما يوجد الكثيرون من المفكرين والساسة الغربيين المنصفين الذين يدعون للحوار والتواصل مع المسلمين من اجل تحقيق السلام الدولي والتعايش والتعاون المشترك بدلا من الصراع والصدام. على كل يجب أن لا تمنعنا مشاعر العداء للغرب من الانفتاح عليه والتواصل والحوار معه لتصويب وتصحيح مفاهيمه الخاطئة ومعلوماته المغلوطة وبالتالي إنهاء أو تخفيف العداء والكراهية التي تؤجج الصراع والصدام بين الحضارتين الغربية والإسلامية لصالح طواغيت الهيمنة والاستعمار.