نعيش اليوم في عالم متحول ومتغير. المفاهيم الأساسية تتحول وتتبدل وتنقلب. المشاكل الاجتماعية تأخذ أبعاداً وتزداد أهمية. المسائل الاقتصادية تغدو محركاً أساسياً في تحديد وبلورة المفاهيم والمعايير القيمية . والثقافة العربية مأزومة ، وهذه الأزمة مشروطة ومرتبطة بأزمة الواقع العربي في مختلف أبنيته وهياكله الاجتماعية والسياسية، أزمة تبعية للامبريالية العالمية. وما من شك أن أهم المشكلات التي تعيق حركة الثقافة العربية في المرحلة الراهنة ، هي ثقافة العولمة والاستهلاك وتيارات ما بعد الحداثة، وسيادة الفكر السلفي الجامد ورفض العقلانية. ناهيك عن محاولات التغريب والتشكيك في رؤية التاريخ والاخفاق في صياغة وتأسيس أيديولوجيا ثقافية. زد على ذلك انعدام الديمقراطية وغياب الحوار الثقافي والتنمية الثقافية وعدم التواصل مع الحضارات الأخرى ، والصدام بين الحركات السياسية الدينية من جهة وبين الحركات السياسية العلمانية من جهة اخرى، ومحاولة نزع شرعية الاخر بشكل مباشر،الى جانب القمع الأيديولوجي واغراء المثقفين وشراء أقلامهم وتزوير مواقفهم وتشويه ضمائرهم بالدولار النفطي. من جهة ثانية هناك انتشار لثقافة التخلف والتبعية والسطحية واللاعقلانية وروح اليأس والقدرية والفكر الأسطوري، وروح الاستهلاك والابتذال والشعوذة . علاوة على اغتراب المثقف العربي وانعزاله عن الجماهير الشعبية ما أدى الى حرمان هذا المثقف من الاحساس بحيوية الواقع الجماهيري وعدم تعمق ثقافة الالتزام الجديدة ، الثقافة البديلة والمغايرة، ثقافة تغيير الواقع. وتأسيساً على ذلك، فأن المطلوب لمواجهة الوضع الثقافي الراهن، ومحاولة تغييره، هو التصدي الفاعل للمشروع الرأسمالي الاحتكاري الامبريالي العالمي، وبناء المشروع العربي الاستقلالي التقدمي .وهذا الأمر يحتاج الى اجتثاث الفكر السلفي المنغلق وتطوير الثقافة العربية المعاصرة وتشييد أيديولوجيا نهضوية، وتنمية الفكر النقدي والنظري العلماني والابداعي . كما ويتطلب تأطير وتفعيل السلوك السياسي وتقديم سلاح فكري أيديولوجي لمجابهة أسئلة الحرب النفسية الفتاكة، من عدمية وسلفية وانعزالية ، وأيضاً احترام حرية التنوع والتعددية والاجتهادات المختلفة ، وتعميق وحدة القوى الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تحمل مشروع التغيير لأجل النضال الثقافي العملي، وترسيخ الروح النقدية والحوار الحضاري والانفتاح على الثقافات الأخرى ، والعودة الى منابع التراث للنهل من الحضارة العربية الاسلامية ، التي لعبت دوراًً كبيراً في وضع اسس الحضارة العالمية في حقل العلوم الطبيعية ، فكل ذلك يجعل ثقافتنا نقدية وقوية ومعاصرة وتجديدية ، ووعاءً لأنتاج المعرفة وتوليد الوعي المجتمعي.